المهزلة…. والمأساة

المهزلة…. والمأساة2019-12-10T13:42:17+00:00

المؤتمر الخامس عشر للإتحاد الدولي للمعماريين

المهزلة…. والمأساة
ـــــــــــــــــــ

دكتور عبد الباقي إبراهيم

  رئيس قسم العمارة بجامعة عين شمس

بدأت أعمال المؤتمر الخامس عشر للإتحاد الدولي للمعماريين في القاهرة يوم الأحد 20 يناير 1985 وحضر الافتتاح السيد رئيس الوزراء نيابة عن السيد رئيس الجمهورية.. وانتهت أعمال المؤتمر يوم الخميس 24 من نفس الشهر في هدوء كامل لم يحس به أحد ولم يسمع عنه إنسان وكأنه حدث هامشي على صفحات التاريخ ولا يمثل أكبر تجمع للمعماريين في العالم.. انتهى المؤتمر بعد فشل زريع أساء إلى مصر وشوه صورتها أمام الأجانب بالرغم من أن الدولة قد خصصت له ما يقرب من ربع مليون جنيه للإنفاق عليه. صرف منها المقرر العام للمؤتمر ما يقرب من 22 ألف جنيه ثمنا لتذاكر سفر أنفقها على مدى عامين زار خلالهما كل أنحاء العالم شرقا وغربا وشمالا وجنوبا بحجة الإعداد للمؤتمر فكان هو المستفيد الأول والأخير من هذا المؤتمر. لقد ذكرت مطبوعات المؤتمر إنه من المنتظر أن يشارك حوالي 7000 معماري في أعماله فلم يصل منهم من الخارج غير 700 فقط انضم إليهم عدد أقل من المعماريين المصريين الذين ينادون بضرورة التحقيق في هذه المأساة فصورة مصر لا يمكن التفريط فيها حتى إذا أنفقنا كل هذه الآلاف من الجنيهات.

وبدأت مهازل المؤتمر من اليوم الأول عند تسجيل الأعضاء.. والبحث عن مطبوعات المؤتمر الذي لم تكن معدة مسبقا.. فبطاقة العضوية يتسلمها العضو ويكتب اسمه عليها في حينه.. ثم ينتظر العضو إذا كان سعيد الحظ في التعرف على اسمه في القوائم المعدة للمشاركين لاستلام المطبوعات وهي عبارة عن كتيب في أسوأ نوعية من الورق وأسوأ تصوير وطباعة وإذا سأل عن بطاقات الدعوات يحال إلى المقرر العام… وإذا سأل عن المحافظ الجلدية يقال له لم تصل بعد من فرنسا وكأن مصر ليس فيها من يستطيع أن يعد البطاقات أو المحافظ أو الكتيبات… وتنتهي المهزلة لتبدأ مهزلة أخرى في حفل الافتتاح بينما جلس رئيس الوزراء وعلى يساره سكرتير عام الاتحاد الدولى للمعماريين بدلا من رئيس الاتحاد الذى تأخر عن الحضور وبعد بداية مراسم الافتتاح يحضر رئيس الاتحاد الدولى وينسحب سكرتيره العام.. فقد تأخر سيادته لأنه لم يجد من يستقبله أو يصاحبه فانتظر أحد المعاونين طويلا ثم اضطر لاستئجار تاكسي ينقله إلى قاعة الاحتفالات الكبرى لجامعة القاهرة…

ويبدأ اليوم الثاني بمهزلة جديدة… حيث صعد أول المتحدثين وهو من نجوم المؤتمر ليقدم أول بحث في المؤتمر… وبدأ كلامه بالاعتذار عن إلقاء كلمته لأنه ليس هناك الاستعدادات المناسبة ولا يستطيع أن يتحدث في هذه الفوضى التنظيمية…
فلا شاشات لعرض الشرائح المصورة أو أجهزة الإسقاط اللازمة… فيخرج المؤتمرون غاضبين في أول ساعة عمل من ساعات المؤتمر.. انتظارا للشاشات وأجهزة الإسقاط وأجهزة الترجمة… ويستأنف المؤتمر جلساته ويضيع الوقت على المتحدث الأول نجم المؤتمر.. يضطر رئيس الجلسة إلى إنهاء كلمته… فيبدأ المؤتمرون بالتصفيق المتواصل طالبين استمراره في الحديث.. فيستمر.. وتؤجل الكلمات التالية إلى الجلسة التالية..
وتبدأ الجلسة التالية بمهزلة أخرى حيث ينادي على رئيس الجلسة فلا من مجيب.. فيتطوع أحدهم لرياسة الجلسة.. ثم يصعد المتحدث الأول فيجد شاشة العرض ولا يجد أجهزة الإسقاط.. فقد تلاشت فيلقي كلمته بدون الصور الإيضاحية التي هي أساس العرض والتقديم.. ويخرج المؤتمرون بعد الجلسة طالبين مكانا لتناول الغذاء والمرطبات… فيقال أن الوجبات محددة للضيوف فقط أما المشاركون المصريون وغيرهم فعندهم منازلهم.. والسيد المقرر يحتفظ ببطاقات الأكل يوزعها على من يشاء من أتباعه.. ويتوجه بعض المؤتمرين بعد ذلك إلى حيث تعرض الأفلام المعمارية بعد البحث والسؤال عن المكان يجدوه في إحدى مدرجات كلية الحقوق.. وبعد أن ينتظم الجميع ويبدأ العرض تحترق لمبة الإسقاط فيوقف العرض وينصرف الجميع.. إلى أي مكان آخر وجلسة فرعية أخرى…

وفي صباح اليوم الثالث يحضر المتحدث الأول و هو من مصر ومعه أجهزة الإسقاط والشاشة الخاصة به بعد مشاهدته للمهازل السابقة.. ويبدأ فيلمه التسجيلي عن العمارة التاريخية في مصر.. ويتبعه متحدث أجنبي.. وهكذا إلى أن صعد المتحدث المصري التالي ليلقي كلمته فيطيل وفي حدود الوقت المخصص له في البرنامج… ولكن المؤتمرون يصفقون حتى ينزل وينهي كلمته.. وكانت مهزلة.. وبعد فترة تبدأ مهزلة أخرى حيث توقف المترجمون عن الترجمة لسبب في الاتفاق المالي.. فيصعد مقرر المؤتمر على المنصة معلنا أنه سوف يبلغ رئيس الوزراء بهذا التوقف.. ويتصل بالنائب العام لإجبار المترجمين على العمل.. وقد كان.. واستأنف المترجمون أعمالهم ويخرج المؤتمرون من القاعة بحثا عن الجديد من مطبوعات المؤتمر فيقال لهم إنها في المطار.. أعداد خاصة عن عمارة القاهرة أعدت في لندن ونقلت بالطائرة.. وكأن لا توجد في مصر مطابع أو ناشرين…
وفي اليوم الرابع والأخير بدأ مندوب الإقليم الخامس الذي يضم دول شرق آسيا في إلقاء كلمته.. ولكن بمقدمة أشار فيها إلى الفوضى وعدم التنظيم الذي أصاب المؤتمر.. وكل يلقي اللوم على الأخريين.. وكانت كلماته القوية الجارحة تشق قلوب الحاضرين من المصريين… هكذا بدأ المؤتمر.. وهكذا انتهى في صورة مزرية سوف يذكرها المؤتمرون من الأجانب تعززها الصور التي التقطوها لأحياء القاهرة وشوارعها ومبانيها التي فقدت كل مقومات النظافة والجمال..

والسؤال الذي تبقى على ألسنة المؤتمرين من المصريين بعد هذه المأساة هل من مسئول يسأل… هل من تحقيق يجري… هل من مجيب…؟ لقد ضاع المال.. وأكثر من ذلك صورة مصر التي لا تقدر بمال….

word
pdf