بذور المدن الجديدة فى وادى توشكا

بذور المدن الجديدة فى وادى توشكا2019-11-27T09:20:32+00:00

بذور المدن الجديدة فى وادى توشكا

الاهرام الاقتصادى مايو 97

 

المدن الجديدة فى وادى توشكا لن تكون كغيرها من المدن التى أقيمت من قبل فهى لا تخضع لأسلوب التخطيط العمرانى التقليدى الذى يعتمد على رسم الخرائط  ذات الألوان المميزة لاستعمالات الأراضى للمدينة فى صورتها النهائية بعد عشرين عاما أو يزيد مدن توشكا لن تكون كغيرها من المدن التى أقيم فيها اسكان بلا سكان، ومدت بها شبكات الطرق والمرافق التى لم يستعملها أحد. لن تكون جامدة محددة الحجم والسكان وإن لم تحقق أهدافها، ولن تكون فاقدة الطابع مكررة الانماط والارتفاعات بلا تواصل مع محيطها البيئى. لن تكون كمدن الاشباح فارغة من الحياة. ولكنها سوف تنبت من بذور منتقاة تزرع فى قلب الصحراء، تنمو وتترعرع ثم تتشعب حتى يقوى سوقها وتأتى ثمرها. سوف تبدأ جنينا فى رحم الصحراء تأخذ مقوماتها الحياتية من الحبل السرى الذى يربطها بالوادى إلى أن تتشكل ملامحها العضوية وتمر بمرحلة المخاض وتولد لتحاط بالرعاية والعناية حتى تشب ويقوى عودها وتستطيع أن تخطو خطواتها الاولى معتمدة على نفسها، سوف تبدأ كفسيلة تحاط بالعنايةالفائقة حتى تنمو ويظهر زهرها ثم ثمارها فهى تحتاج إلى إدارة خاصة فى كل مرحلة من مراحل نموها وسوف تخضع لأسلوب الإدارة فى التنمية أكثر منها لأسلوب الخرائط والمخططات. سوف لا تنمو عمرانيا فقط ولكنها سوف تنمو بمقوماتها الاقتصادية والاجتماعية والعمرانية معا فى منظومة واحدة لا ينفصل فيها عنصر عن الآخر.

وسوف يتحدد مكانها فى الإطار العام للتنمية الإقليمية والاستثمارية للوادى الجديد وفى ضوء المقومات الاقتصادية والمكانية للمشروعات الزراعية والصناعية والتعدينية والسياحية. وسوف تأخذ ملامحها العمرانية من البيئة التى تقام فيها سوف تقام مبانيها من الحجر المتوفر وتزود بضروريات الحماية من الحر الشديد والبرد القارس. سوف تنتشر أفقيا على الأرض ولن ترتفع عنها كثيرا. لا مكان فيها للعمارات ولكن للمبانى التى تطل على أفنية كبيرة تتوفر بين المجموعات السكنية وصغيرة داخل الدور الكبيرة. سوف تدب فيها الحياة منذ أن يطأ أرضها رواد التعمير من مهندسين وعمال وزراع مع الفرق المساندة من أطباء وإداريين وسوف تبدأ نواة المدينة من مجموعة الاستراحات الفندقية التى تتحول بعد ذلك إلى فنادق والمبانى الخدمية والترفيهية والتجارية التى تلتف حول مركز النواة حيث المسجد والمكتبة وقاعة الاجتماعات والوحدة الصحية فى جهة ودار البلدية فى جهة أخرى حيث تبدأ الرعاية العمرانية والاجتماعية للسكان الاوائل … وحيث يعود نظام البلديات التى تتولى التنسيق والتشجير وترعاه وتشق الطرق والمرافق وتصونها وتقيم شبكات التغذية بالمياه والكهرباء والغاز وتوفرها … البلدية هنا هى المضيفة للوفود الجديدة من شباب العمال والخبراء. والاداريين حيث توفر لهم كل وسائل الراحة والامان إلى أن تدب الحياة فى النواة وتبدأ فى الامتداد على طول شرايين الطرق والممرات المغطاة التى تحمل المساكن ومبانى الخدمات أولا للعائلات الحديثة التكوين وما تتطلبه من رياض أطفال ومدارس ابتدائية وثانوية يتم ذلك على مراحل متتالية تنمو عناصرها مع توفر الاعداد المناسبة من السكان الجدد فى كل مرحلة من مراحل النمو. كل شىء ينمو … الاسكان مع المرافق مع الخدمات فى منظومة من النمو العضوى … وهكذا تنمو النواة نموا عضويا بهياكلها الاجتماعى والعمرانى معا. فى المدن الجديدة بتوشكا سوف يتوفر الاسكان حيث تمنح الارض مجانا لمن يعمرها وتساهم الدولة فى دفع عمليات البناء بإقامة مراكز للبناء فى كل مدينة جديدة لتوفير مواد وتجهيزات البناء فى وجود العمالة الماهرة والمهندسين وهو ما يعتبر مرفقا جديدا من مرافق المدينة التى تعتمدعلى سواعد أبنائها فى البناء والتعمير والتنمية المستمرة. هنا لا مكان للمقاولين.  هنا يقيم رواد البناء بصفة دائمة كمكون أساسى فى البنية الاجتماعية للسكان فى المدن الجديدة. لن تكون هناك تفرقة أو فصل بين الفئات المختلفة فى مناطق الإسكان بل سوف تعيش كل الفئات فى قالب من التكافل الاجتماعى والعمرانى وهكذا تنمو وحدة الجوار بين أفراد المجتمع مع النمو الاجتماعى والعمرانى فى صورة عضوية مستمرة التكوين متكاملة العناصر لن تجد فيها أراضى فضاء كما فى غيرها من المدن المرسومة.  سوف تنمو المدن الجديدة كما تنمو الاشجار فى الصحراء متشابكة متكاثفة فى شكل واحات تتوفر لها الحماية والآمان تنمو بكل عناصرها السكنية والخدمية وبكل مرافقها فى منظومة واحدة مترابطة دون فراغات بينها.

المدن الجديدة فى وادى توشكا بهذه الصورة سوف تكون مثالا للتنمية المتكاملة اقتصاديا واجتماعيا ثم عمرانيا تنمو وتنمو معها المرافق والخدمات فى كل مرحلة من مراحل النمو. هنا سوف تظهر أساليب جديدة فى الامداد بالمرافق والخدمات. كما سوف تظهر أساليب جديدة فى نظام تقسيم الاراضى،  بتوفير مساحات مختلفة تبعا للإمكانيات المتاحة لدى الفرد فى البناء بحيث تكون الافضلية لمن سبق فى التشييد فلا مضاربة على الاراضى،الارض لمن يعمرها.

والمدن الجديدة فى وادى توشكا سوف تكون مزارا للسياح فى القرن الحادى والعشرين ليروا كيف تنمو المدن فى البيئة الصحراوية بتكنولوجيا البناء المتوافقة وكيف ينمو البشر فى ظروف صحية وتعليمية وسكنية على أعلى مستوى من مستويات الحياة هذه هى المدن الجديدة الجاذبة لسكان الوادى حيث الافضلية فى المعاملة والافضلية فى الخدمات والافضلية فى الرعاية الصحية … الطائرات المروحية قابعة فى موقعها إستعدادا لأى طارىء سيارات النقل العام الصغيرة والمكيفة تتحرك بين مختلف الارجاء مجانا دون تذاكر أو كمسارى.

والإدارة هنا فى خدمة المجتمع والمجتمع فى خدمة التنمية المتواصلة. هنا لا مكان للخمول فالابنية مكيفة الهواء طبيعيا أو صناعيا … الحوائط سميكة وملاقف الهواء الرطب والاسطح النهائية بالاقبية والقباب ترسم خط للسماء. الاعمال الفنية من وحى البيئة فى كل ركن وكل ميدان صغير بجوارها الاسيلة التى توفر المياه الباردة فى الصيف هناك الثلاجات الكبيرة التى تحمل الغذاء لايام عديدة كل ذلك موضوع فى الحسبان … فى تقدير الطاقة وتقدير التكلفة الاستيطانية الفرق الترفيهية والقوافل الثقافية لها هنا مواسمها وأمكانها فالمجتمع هنا يعمل فى معركة التنمية والتعمير. الحركة دائبة بين الوادى القديم والوادى الجديد بلا انقطاع .. البريد والجرائد والمجلات تصل فى نفس اليوم التى تصدر فيه فى القاهرة. استقبال الاذاعة والتليفزيون يصل من كل أرجاء المعمورة. هنا أسماء الشوارع والطرقات المغطاة تسمى باسماء رواد الاستيطان من مختلف الفئات.

أما مدينة أبو سمبل … فهى العاصمة الجديدة للاقليم بها تتوفر الخدمات المركزية على أعلى مستوى فيها يتسع المطار لاستقبال الافواج الجديدة من السكان والسياح. وفيه تتحرك الطائرات الصغيرة الى كل المدن الجديدة المتباعدة. هنا تصل جميع الامدادات من الموانى النهرية أو البرية أو الجوية. هنا الحركة دائبة ليل نهار. هنا المحطة الاولى من مراحل الاستقبال فلابد وان تكون على هذا المستوى اللائق بالضيافة وحسن الاستقبال فى المعاملة والايواء.

هكذا يتم التعمير فى قلب الصحراء النائية هكذا تزداد قوى الاستقبال فى الوادى الجديد وتزداد معه قوى الارسال من الوادى القديم هكذا تتم التنمية بابعادها الاقتصادية والاجتماعية والعمرانية معا. فالموضوع ليس رسومات تخطط او ارقام فى جداول او تقديرات بلا سند ولكن الموضوع هو كيف تدار عملية التنمية المستديمة بابعادها الثلاثة ؟

 

word
pdf