بعد هوجة الجامعات ابحثوا في المحتوى والمضمون

بعد هوجة الجامعات ابحثوا في المحتوى والمضمون2019-11-10T14:16:13+00:00

بعد هوجة الجامعات ابحثوا في المحتوى والمضمون

الدكتور/ عبد الباقي إبراهيم
أستاذ كرسي التخطيط العمراني
ورئيس قسم العمارة بجامعة عين شمس سابقاً

 

 

تابعنا كما تابع كل المهتمين بتطوير الجامعات ما نشر وما كتب وما قيل عن تطوير الجامعات بما يتناسب مع متطلبات القرن الحادي والعشرين وشاهدنا وسمعنا المناقشات التي دارت في مجلس الشعب قبل أخذ الأصوات على مادتين من قانون تطوير الجامعات وجدت الحكومة أهميتهما البالغة وضرورة الإسراع في الموافقة عليهما فوراً أما المواد الأخرى فتعرض على مجالس الكليات والأقسام ونوادي هيئة التدريس والأحزاب أولاً قبل صياغتها في صورتها التي سوف تقدمها الحكومة لمجلس الشعب بعد ذلك وجاءت أهمية المادتين في أنهما يوضحان مهام أعضاء هيئات التدريس ما دون الستين ومهام الأعضاء ما بين الستين والسبعين عاماً ثم رعايتهم اجتماعياً بعد هذه السن. وانتهت الهوجة بسلام بعدما تعرضت له من أحاديث وكلام .. كان هذا هو الشكل ولكن بعد ذلك أين المحتوى وهو الأهم والأجدى بالتطوير إذا كنا نبحث عن التطوير.

ويحضرني بهذه المناسبة أنني عندما عينت رئيساً لقسم العمارة بكلية الهندسة بجامعة عين شمس عام 1983 أن طلب مني زملائي الأعزاء أن أعد لهم دراسة لتطوير القسم فسعدت جداً بهذه المبادرة وكنت شغوفاً بأن أقوم بهذه الدراسة. خاصة وأنه كانت لي تجربة سابقة حيث طلب مني الدكتور مصطفى كمال حلمي عندما كان أميناً للمجلس الأعلى للجامعات أن أعد له دراسة مقارنة عن مناهج الدراسات المعمارية في الجامعات الأجنبية وأخرى عن مناهج التخطيط العمراني وكان لنا لقاءات وحوارات في هذا الشأن وكنت يومها مدرساً متميزاً في البحث والنشر العلمي. المهم رحبت بطلب الزملاء الأعزاء من أعضاء هيئة التدريس بالقسم ومكثت أكثر من ثلاثة أشهر أعد دراستي لتطوير المناهج في قسم العمارة وكان اهتمامي في المقام الأول بالمحتوى والمضمون للمواد المختلفة أكثر من التنظيمات الشكلية. وقد رأيت أن أبدأ دراستي بالاطلاع على محتوى المواد التي كانت تدرس في السنوات المختلفة فجمعت من قدامى الطلبة كراسات المحاضرات التي كان يلقيها أعضاء هيئة التدريس في المواد المختلفة في السنوات المختلفة سواء كانوا من داخل القسم أو من خارجه. وكان أن وجدت عجباً .. فمادة تاريخ العمارة كانت صورة طبق الأصل لما كنت أتلقاه قبل ذلك التاريخ بأربعين عاماً .. وما تلقيته بعد ذلك عندما ابتعثت للحصول على درجة البكالوريوس مرة أخرى في جامعة ليفربول بإنجلترا حيث يبدأ التاريخ من العصر الفرعوني ثم العصر اليوناني ثم الروماني ثم العصور الوسطى وعصر النهضة والثورة الصناعية، هذا الخط التاريخي الذي شكل الحضارة الغربية. وكانت العمارة الإسلامية يشار إليها في عرض هذا التاريخ على أنها منتج حضاري ثانوي – هكذا تقول المراجع الأجنبية – وكانت مادة إنشاء المباني تتضمن بإسهاب أساليب الإنشاء بمواد الخشب والحديد.. تماماً كما يدرسونها في بلاد الخشب والحديد. كما هو متوفر في المراجع الأجنبية.. وكانت مادة نظريات العمارة تعرض للفكر المعماري لرواد العمارة في الغرب ما قبل الحداثة وما بعد الحداثة في عمارة القرن العشرين كما تعرضه المراجع الأجنبية دون الإشارة من بعيد أو قريب لرواد العمارة من العرب القدامى أو المعاصرين.. وكانت المواد التصميمية المتكاملة موزعة بين أعضاء هيئة التدريس كل في مجال محدد دون تكامل بينهم.

في ضوء هذا الواقع للعملية التعليمية بدأت إعداد الأهداف الرئيسية للمنهج المقترح من خلال الواقع التاريخي والحضاري والثقافي والاجتماعي والاقتصادي لمصر والعالم العربي الإسلامي مع المرور سريعاً على تاريخ ونظريات العمارة في الغرب قمت بالإعداد التفصيلي لمحتوى المحاضرات المختلفة للمواد المختلفة في السنوات المختلفة مع إعطاء فرص الاختبارات في السنتين الأخيرتين من الدراسة تبعاً لقدرات ورغبات الطلبة لما يؤهلهم للعمل في مجال التصميم أو التنفيذ أو صناعة البناء أو إدارة المشروعات. خاصة وأن التوجه لدراسة الهندسة المعمارية لا يتم على أساس القدرات والموهبة ولكن على أساس مجموع الدرجات وهكذا تم تطوير المنهج معززاً بالمخططات البيانية في خمسة وستين صفحة وطبعت منها نسخاً للتوزيع على الزملاء أعضاء هيئة التدريس للدراسة وإبداء الرأي سواء بالإضافة أو بالحذف أو بالتعديل أو بالتبديل.. وحددنا لذلك موعداً حضره معظم أعضاء هيئة التدريس وشرحت لهم أهداف التطوير وتركت الأمر لهم بالموافقة أو الرفض أو التعديل .. فكان رد فعلهم كالآتي: قام أستاذ يقول بأن تطوير المادة التي سيقوم بتدريسها بالشكل المقترح سوف يتطلب جهداً كبيراً ويمكن الاكتفاء بالاعتماد على المراجع الأجنبية وقال آخر بأنهم ليسوا بخواجات ليطلب منهم تدريس محتوى محدد للمواد وطلب أن يترك لكل عضو هيئة تدريس الحرية في أن يضع المحتوى الذي يراه لمادته. وقال ثالث بأن هذا ليس بتطوير وفي رأيه أن التطوير الحقيقي هو أن يقسم القسم إلى ثلاثة أقسام متخصصة. حتى تتوفر للأساتذة فرصاً أكثر للترقي لرياسة الأقسام – وهكذا رفض السادة الزملاء الأعزاء تطوير المحتوى والمضمون كما اقترحته وقال أحدهم لنترك الأمور على ما هي عليه فليس عندنا الرغبة في تطوير المحتوى.. وقد كان فتركت الوضع على ما هو عليه طيلة مدة رياستي للقسم حتى عام 1986 عندما تركت الجامعة بعد سن الستين لأتفرغ للتأليف المعماري والتخطيطي النابع من تقرير التطوير. فنشرت مجموعة من الكتب نالت التقدير في العالم العربي والإسلامي ومنحت عنها جوائز من المنظمات العربية والإسلامية وأصبحت مراجع علمية بجانب المجلة المعمارية التي أصدرتها عام 1980 وأوقفتها عند بداية القرن الواحد والعشرين. واستمر عطاؤنا الفكري موصولاً لا ينقطع موجهاً إلى الجامعات والمنظمات في العالم شرقه وغربه. وبعد الهوجة التي صاحبت قانون تطوير الجامعات حان الوقت للعمل على تطوير المضمون والمحتوى العلمي للمواد حتى تواكب تطلعات القرن الواحد والعشرين في جميع المجالات بعد أن سبقنا في ذلك كثير من الجامعات في الدول التي تحيط بنا.

word
pdf