تطوير وتنمية القاهرة الإسلامية بشركات إستثمارية

تطوير وتنمية القاهرة الإسلامية بشركات إستثمارية2019-12-03T14:28:14+00:00

تطوير وتنمية القاهرة الإسلامية بشركات إستثمارية

الأهرام الاقتصادى 7/12/1992

 

تعرضت القاهرة الإسلامية إلي العديد من الدراسات والجتهادات والتصورات التى تهدف إلي تطويرها وتنميتها عمرانياً واقتصادياً واجتماعياً، فكانت منها الدراسات الأكاديمية كرسائل علمية لنيل درجات الماجستير والدكتوراة، وكانت منها البحوث التى تقدم فى الندوات والمؤتمرات، وكان منها الدراسات المتعمقة التى وجدت لها مكانا فى الكتب والمجلات. وعلى الجانب التنفيذى تتصارع الوزارات حول دورها فى الإرتقاء بهذه المنطقة التى اعتبرها اليونسكو تراثا انسانيا يجب المحافظة عليه فقامت وزارة التعمير بإنشاء جهاز خاص بتطويرها تضم لجنته التوجيهية الممثلين لوزارات الأوقاف والثقافة ومحافظة القاهرة وبعض الخبراء فى آخر محاولة لإنقاذ هذه المنطقة التاريخية من اندثار بعد أن عجزت الوزارات الأخرى على مواجهة المشاكل العمرانية والإجتماعية والإقتصادية التى تعانى منها هذه المنطقة. وعندما تفاقمت المشاكل لم تجد محافظة القاهرة حلا إلا إيقاف تراخيص البناء فيها لمدة عام يتكرر بعد عام … ومع ذلك ظهر العديد من الأبنية فيها دون ترخيص … واستمرت المنطقة تعانى من آثار القوانين والتشريعات التى كانت السبب الأول فى تدهور حالتها، فوزارة الأوقاف لا تستطيع إزالة التعديات التى وقعت داخل وخارج المبانى الاثرية وكم من قضية خسرتها بسبب قانون العلاقة بين المالك والمستأجر والتى مكنت السكان من تملك المبانى الأثرية إلي أن جاءهم الزلزال فزلزلهم … ووزارة الثقافة تحتمى بقانون الآثار الذى يعطيها الحق فى تطوير المناطق المحيطة بالمبانى الأثرية دون تحديد لحدود لهذه المناطق، الأمر الذى يتداخل من ناحية أخرى مع اختصاصات الهيئة العامة للتخطيط العمرانى بوزارة التعمير من جهة ثانية وجهاز التخطيط العمرانى – إن وجد – بمحافظة القاهرة من جهة ثالثة … والعالم يقف شاهدا على هذه المهزلة الإدارية ويأسف لما يصيب التراث العلمى فى المنطقة من إنهيار وتدهور- ومرة تدخل البنك الدولى وعرض خدماته بتوفير 400 مليون دولار للإرتقاء بهذه المنطقة وتفشل الأجهزة المحلية للإستفادة  بهذا العرض … وكأن التراث الحضارى هنا لا يهمها من قريب أو من بعيد … وقدمت المذكرات لمحافظة القاهرة لإنشاء جهاز تنتقل إليه اختصاصات كل الجهات المتشابكة فى التعامل مع المنطقة ولم يلق هذا الإقتراح أى موافقة مع أن الأمثلة موجودة فى صنعاء اليمن وفاس المغرب. 

وعندما زلزلت الارض زلزالها وظهرت من النفوس أوزارها وسارع الجميع لإنقاذها وتكالبت الأجهزة تسعى لإتخاذ موقع الصدارة للتصدى لما أصابها وبدأ كل مسئول يدعى أنه وحده المسئول وانبثقت التصورات والاقتراحات واختلطت الأوراق والاختصاصات حتى كادت الأمور تصل إلي حد الاشتباك بالقول لا بالفعل. وهنا تظهر الحاجة الملحة إلي إنقاذ هذه المنطقة التى سجلت كتراث انسانى بعد أن فشلت كل المحاولات لإنقاذها. وتعود بنا الذاكرة إلي ما جرى فى غير القاهرة من مدن، ونخص بالذكر هنا ما تقرر بالنسبة لتطوير المناطق المتخلفة فى المدن البريطانية بعد ما أصابها من تدهور واضمحلال، فلجأت الدولة إلي صيغة فريدة وهى أن تخصص لكل منطقة متدهورة هيئة خاصة تقوم على تطويرها واستثمارها … وهنا يدخل العامل الاستثمارى محركا لعمليات التطوير …ويظهر ذلك فى منطقة ميناء لندن وميناء مدينة ليفربول وغيرها من المناطق … وأصبحت لهذه الهيئات استقلالها المإلي والإدارى والاستثمارى وذلك فى إطار من التنظيم العمرانى والحفاظ على التراث الحضارى والالتزام بالطابع المعمارى وبدأت هذه الهيئات الإستثمارية تخطط وتجذب الاستثمارات وتمنح التصاريح بالبناء وهذه هى الصيغة الأقرب نفعاً للقاهرة الإسلامية فالشركات الإستثمارية التى قد تكون فيما بينها هيئة إستثمارية تختص بتطوير المنطقة وتستثمر كل مقوماتها السياحية التى تتمثل فى ترميم المبانى الأثرية وتطوير محيطها العمرانى بمنهج الاستثمار الحضارى فهناك مساحات لتطوير الخانات والفنادق القديمة ومساحات لإنشاء المطاعم ذات الطابع ومساحات لإنشاء مراكز الانتاج الحرفى للتسويق الداخلى والخارجى، وهناك مساحات للشركات السياحية والبنوك ومساحات للمهرجانات الأدبية والفنية وهناك قاعات للعروض التراثية الشعرية والموسيقية وهناك الحمامات التقليدية والساحات الشعبية، ولا يقدر على ذلك إلا الشركات الكبرى المتخصصة ذات الخبرات السابقة فى التنمية العقارية بالمساهمة الشعبية وتطوير البشر مع تطوير الأثر. 

وإذا كان رجال الأعمال العرب والسعوديين منهم على وجه الخصوص قد تقدموا باقتراح للسيد رئيس الجمهورية بانشاء شركة عقارية لتطوير المناطق التى أصابها الزلزال فى وسط القاهرة … فهنا هو مجالها … فى القاهرة  الإسلامية ولندع منطقة وسط القاهرة ليخف عنها التزاحم السكانى وتفتح ساحاتها للمناطق الخضراء عوضا عن حديقة الأزبكية والعتبة الخضراء وغيرها من المناطق المفتوحة التى أغلقها التكالب على فرص العمل العشوائى والتزاحم على الخدمات، فالدولة قد بدأت فى الأخذ بمنهج إيواء من لا مأوى لهم خارج القاهرة تخفيفا على قلبها الضامر. فإذا جد الجد فالأمر فى النهاية بين أيدى نواب الشعب لإصدار التشريعات التى تمكن مثل هذه الشركات العقارية من أداء المهام التى توكل إليها بتفويض من الدولة وتحت رقابتها. ويستطيع أن يضع هذه الشركات المسئولين عن هيئة الإستثمار إذا أرادوا فإن لم يستطيعوا فالمسئولون عن قطاع السياحة … فالإستثمار فى القاهرة الإسلامية هو فى النهاية إستثمار سياحى وانتاجى أكثر من استثمار عقارى وهنا لن تقف الأمور عند إمكانية توفير المبالغ الخاصة بتطوير البنية الأساسية من الباب الأول أو الثانى أو الموازنة السنوية أو الخمسية بل تتحرك الأمور بقوة الدفع الإستثمارية الذى لا ينتظر موافقة المدير ثم الوكيل ثم الوزير الذى لا يبت فى الأمر إلا إذا رجع لصاحب الأمر- من البشر- طبعا. 

إن العالم يتحرك من حولنا البعيد منه كما يتحول من حولنا المباشر حتى أصبحت القاهرة وخاصة مناطقها التاريخية وصمة عار فى جبين العالم التى هى من تراثه  لقد جاء خبراء اليونسكو وراحوا على مدى السنين منذ عام 1980. ولم يتركوا وراءهم إلا التقارير والأضابير … وتدفق العلماء والمختصون يقدمون النصح والنصيحة كل بمنظوره الخاص … ولم يتركوا الا الكلمة الطيبة التى ترضى المسئول … والحال يستمر على نفس المنوال …  والأثار تفنى والإستثمار السياحى لها بالتالي يزول … وتبقى الأجهزة المعنية تدور حول نفسها حتى انقطع نفسها ولم تجد الحل ، ولن تجده إلا بالإتجاه إلي جذب الشركات الإستثمارية لتطوير وتنمية القاهرة الإسلامية. 
وإذا استقر الأمر على اختيار هذا البديل الاستثمارى لتنمية وتطوير القاهرة الإسلامية فإن القانون لابد وأن يعطى المستثمرين الحق فى التمتع بالإمتيازات التى يتمتع بها المستثمرون فى المجتمعات الجديدة وغير ذلك من الإمتيازات التى تفرضها طبيعة الإستثمار والتنمية والتطوير فى هذه المنطقة بصفة خاصة. مع تحديد علاقة الشركات الإستثمارية بالأجهزة المحلية التى يقتصر اختصاصها على النواحى الأمنية والصحية والتعليمية فقط على أن تترك جميع جوانب التنمية والاستثمار للشركات المستفيدة من المشروع . وهنا يقتصر دور الدولة كما فى المجتمعات الجديدة على توفير المرافق والخدمات فى إطار برامج التنمية للشركات الإستثمارية. ويمكن للدولة فى هذه الحالة بعد أن تثبت جديتها فى التعامل مع هذه المنطقة التاريخية أن تلجأ إلي البنك الدولى لتمويل إنشاء البنية الأساسية كما تم الاتفاق عليه بالنسبة للتنمية والإستثمار للشركات السياحية فى مناطق البحر الأحمر. 

إن تنمية وتطوير القاهرة الإسلامية قد يحتاج إلي صيغة لشركة قابضة يتبعها عدد من الشركات الإستثمارية التى تعمل فى المجالات المختلفة أو فى التعامل مع القطاعات العمرانية المختلفة. وبهذه الصورة يقتصر دور هيئة الأثار على الحفاظ على مبانيها مع إعطاء الشركة القابضة أحقية إستثمارها بما لا يضر بالأثر ويضمن صيانته وإحياءه وبهذه الصورة تصبح المبانى الأثرية محركا للتنمية الإقتصادية والعمرانية وتأخذ دورها المتفاعل مع المجتمع المحلى فى المنطقة وذلك بهدف تطويره إقتصادياً وإجتماعياً وثقافياً بالتوازى مع التطور العمرانى والإستثمارى للمنطقة التراثية … ويبقى بعد كل هذه التوجهات ضرورة إحكام التنظيم الإدارى لعمليات التنمية المستمرة فى المنطقة وهو ما يمكن أن تقوم به الشركات الإستثمارية  بقدرة وفعالية لا تتوفر لدى الأجهزة الحكومية التى عجزت عن القيام بدورها فى تطوير هذه المنطقة ، الأمر الذى أدى إلي وصولها إلي هذا الوضع المتفاقم الذى نعانى منه الآن، ويبقى بعد كل ذلك إتخاذ القرار من قبل صاحب القرار.

word
pdf