تعمير سيناء استراتيجية قومية

تعمير سيناء استراتيجية قومية2019-12-10T14:56:19+00:00

تعمير سيناء استراتيجية قومية

 دكتور عبد الباقي إبراهيم

رئيس مركز الدراسات التخطيطية والمعمارية 

وكبير خبراء الأمم المتحدة في التنمية العمرانية 

 وأستاذ التخطيط ورئيس قسم العمارة بجامعة عين شمس سابقا

أعدت هيئة البحوث العسكرية بالقوات المسلحة ندوة عن الدراسات الإستراتيجية لتعمير سيناء استهلها المشير عبد الحليم أبو غزالة بكلمة موجها فيها الأنظار إلي سيناء قد تعرضت للعديد من الغزوات كما تعرضت أيضا للعديد من الدراسات التي حان لها الوقت لأن تنتقل إلي حيز لتطبيق والتنفيذ، فقد تعاقبت علي سيناء مجموعات من الخبراء والاستشاريين تعمل كل منها في نطاق برنامج عمل خاص له مكوناته الخاصة وله أهدافه الخاصة دون أن يكون بينها رابط أو تنسيق، فجامعة قناة السويس لها مراكزها الخاصة تليها أجهزة البحوث الأكاديمية ثم تليها أجهزة التخطيط العمراني ثم أجهزة الدراسات والبحوث التي تتعاقد مع الشركات الأجنبية أو المحلية. كل ذلك يدور حول التعرف علي مقومات التنمية الإقليمية. وتنتهي هذه الدراسات المتناثرة والمتداخلة والمتكررة إلي مجلدات ضخمة من الورق لا يقرأها إلا القليل مع ما فيها من إهدار للطاقات والخبرات والأموال, هذا في الوقت الذي يوجد فيه جهاز خاص بتعمير سيناء يمكن أن يكون مركزا لكل هذه الدراسات وما ينبثق عنها من برامج واستثمارات كما هو حاليا مركزا لتنفيذ المشروعات.

لقد بنيت معظم الدراسات التي أجريت في سيناء على أساس المقومات الإقتصادية والإجتماعية للتنمية وقياس ذلك بعوائدها الإقتصادية دون اعتبار أساسي للإستراتيجية الدفاعية التي لا تقاس بنفس المقياس, هذا المقياس الذي لا يدركه إلا أصحاب الأرض والقائمين على أمانها وأمنها والذين ارتوت رمال سيناء بدمائهم الطاهرة. من هنا كان الهدف من الندوة التي نظمتها القوات المسلحة خطوة على الطريق الصحيح فهي من أقدر الأجهزة التي تستطيع أن تنقل كل الدراسات إلى واقع عملي يرتكز على أساس الإستراتيجية القومية والدفاعية وفى نفس الإتجاه الصحيح توجه كل الأنشطة القطاعية والصناعية والزراعية والإجتماعية وفى أولها هذه الخطوة التي أقدمت عليها وزارة الإسكان البناء مصنعين للأسمنت الأول في جنوب سيناء والأخر في شمالها, وهذه البادرة تمثل أساسا لانطلاق عمليات التعمير والتي تحقق إستراتيجية التنمية كما تحقق استراتيجية الدفاع في نفس الوقت , وبذلك تبدأ سيناء بعد توفر البنية الأساسية فيها مرحلة أخرى أكثر تقدما وأكثر سرعة في التعمير والتنمية . وإذا كانت سيناء تأخذ الأولوية الأولى بالنسبة للإستراتيجية الدفاعية فان مجالات التنمية الإقتصادية الإجتماعية سوف تكون السند القوى لهذه الإستراتيجية ففي مرحلة السلم كثيرا ما يغفل المخططون إحتمالات الحرب وما تتطلبه من تنظيمات دفاعية تدخل في توجيه عمليات البناء والتعمير, من هنا فإن إسناد دراسات التخطيط الإقليمي أوالعمراني للشركات الأجنبية قد تم في إطار من نطاق الأعمال التقليدية التي لا تعطى للإستراتيجية الدفاعية حقها في الدراسة وهذا في حد ذاته إحدى متطلبات السيادة القومية التي لا يمكن أن توكل دراستها إلى الهيئات أو الشركات الأجنبية, وما يقال بالنسبة للوضع الاستراتيجي لسيناء ينطبق على غيرها من أقاليم مصر بمدنها وقراها فالإستراتيجية الحضرية القومية التي وضعت لمدن مصر دون قراها لم يكن لها أن تتعامل مع استراتيجية الدفاع عن هذه المدن أو هذه القرى ولذلك فإن نتائج هذه الدراسة انصبت على العوائد الإقتصادية قبل العوائد الإجتماعية ودون إعتبار للإستراتيجية الدفاعية للمدن والقرى, كما أن المخططات التي وضعت للعديد من المدن المصرية وعلى رأسها القاهرة والإسكندرية ومدن القناة وغيرها من المدن لم تظهر فيها متطلبات الإستراتيجية الدفاعية وألا لما أصرت بعض الدراسات على ضرورة استنزاف كل الإمكانيات المتاحة للبناء في المدن والقرى القائمة والتي تعانى من الضغط السكاني على مبانيها ومرافقها وألا لما أصرت بعض الدراسات على ضرورة الزيادة في ارتفاعات المباني في العديد من المناطق خاصة في القاهرة والجيزة وكأنها خطة مدبرة تهدم إستراتيجية الدفاع التي تسعى إلى خلخلة المناطق المبنية والإنتشار على أكبر مسطح ممكن من الأرض مهما كان الثمن ومهما كانت التضحيات فقيمة الأرواح هنا لا تقدر بالعائد الاقتصادي وأمن الدولة ومستقبلها لا تحكمه الحسابات الرقمية فتصور واحد لحالة أي حي من أحياء القاهرة المكتظة عند حدوث أي اعتداء جوى عليه مهما كان ضعيفا لدليل قاطع على أهمية البعد الاستراتيجي الدفاعي عند إعادة تخطيط المدن القديمة أو بناء  المدن الجديدة . من هنا تتحدد مقومات الإستراتيجية القومية للتعمير التي في ضوئها يمكن مراجعة كل المشروعات العمرانية المخطط لها مهما كانت هذه المشروعات.

وإذا كانت الإستراتيجية القومية للتعمير بمقوماتها الدفاعية تهدف إلى خلخلة الرقعة المبنية من المدن والقرى وذلك بمنح آفاق جديدة للانتشار العمراني على الأراضي الجديدة وبنفس النسيج العمراني للأقاليم القائمة فإن هذا الهدف لا يمكن أن يتحقق بانتشار مشروعات الإسكان بقدر ما يتحقق بانتشار الأنشطة الإقتصادية والإجتماعية أولا كأساس لإنتشار مشروعات الإسكان, كما أن خلخلة المدن من السكان والإسكان لن يتحقق إلا بخلخلة الأنشطة الإقتصادية والإجتماعية القائمة فيها أو على الأقل وقف أي أنشطة اقتصادية أو تجارية أو اجتماعية جديدة في المدن القائمة فالإنسان يسعى دائما إلي مراكز العمل ومصادر الأرزاق أينما كانت. وهنا تخرج بعض الآراء التي تنظر إلي هذا الاتجاه نظرة اقتصادية بحته في ضوء ما يتحمله من حجم أكبر من الأنفاق. ولكن في علم اقتصاديات التعمير والبناء العديد من النظريات التي تستطيع أن تواجه هذه الآراء وترد علي تساؤلاتها وفي ذلك أنفاء لحجة الضعف في الإمكانيات أو السعي وراء المعونات، فلأمر لا يحتاج إلا تغير المفاهيم التقليدية في المعالجة كما يحتاج إلي تغيير في المناخ والتربة التي يغرس فيها النبات الجديد حتى يثمر.

word
pdf