تـوزيع الأدوار لحل مشكلة الإسكــان

تـوزيع الأدوار لحل مشكلة الإسكــان2019-12-11T12:57:18+00:00

تـوزيع الأدوار لـحل مشكلة الإسكـــان

دكتور عبد الباقي إبراهيم

رئيس مركز الدراسات التخطيطية والمعمارية 

وكبير خبراء الأمم المتحدة في التنمية العمرانية 

 وأستاذ التخطيط ورئيس قسم العمارة بجامعة عين شمس سابقا

حرص الرئيس حسنى مبارك على مشاركة جميع الجهات والخبراء المتخصصين في مصر لتقديم كل فكر ناضج ورأى سديد يهدف إلى المساهمة في حل مشكلة الإسكان بكلياتها وجزئياتها .. ولأهمية الجانب الهندسي للمشكلة جمع سيادته عمداء كليات الهندسة لتقديم الخطط والبرامج التي يمكن تنفيذها لحل المشكلة ، وبعد ذلك انبثقت اللجان المتخصصة في المجالات الاقتصادية والاجتماعية والتشريعية والصحية والهندسية والتخطيطية والمعمارية ، وفى مكان آخر دبت روح العمل في لجنة الإسكان بمجلس الشعب لتناقش العديد من الدراسات الموضوعية المرتبطة بمشكلة الإسكان كبداية لحلقة أوسع من المناقشات . وفى صعيد آخر تقوم أكاديمية البحث العلمي بتشكيل اللجان المتخصصة في مجال البناء والتشييد والتعمير لتعطى بعض تصوراتها في نفس المشكلة, وسبق ذلك اللجان القومية المتخصصة تبحث وتقدم الاقتراحات والتوصيات وتبعها مجلس الشورى الذي أكمل دراسته ووضع توصياته واقتراحاته.. وعلى مدى عام اجتمعت ندوة وزارة التعمير والإسكان وانتهت بتقديم العديد من التوصيات والاقتراحات والآراء تغطى كل الجوانب التشريعية والاقتصادية والاجتماعية والتنظيمية والتخطيطية والمعمارية والبحثية للمشكلة.. وكانت الخطة القومية للإسكان التي وضعت عام 1976 مرجعا لدى معظم هذه اللجان .. وعلى الجانب السياسي والحزبي قامت لجنة الإسكان بالحزب الوطني تقدم اقتراحاتها بشأن توصيف مستويات الإسكان وأساليب التمويل والتنفيذ.. وفى المجال البحثي تحركت أجهزة الهيئة العامة لبحوث الإسكان والبناء والتخطيط تبحث في الإسكان العشوائي وتنظيم أجهزة المقاولات وإسكان محدودي الدخل والإمكانيات .. وعلى الجانب الآخر يقوم خبراء معهد التخطيط القومي بدراسة الإسكان من خلال مناقشات مجلس الشعب أو الإسكان في إطار خطط التنمية الاقتصادية والاجتماعية.
وفى إطار متابعة الخطة وتقييم الأداء تقوم الإدارة المركزية في الجهاز المركزي للمحاسبات بتقييم مشروعات الإسكان في المناطق المختلفة من مصر وذلك من النواحي الاقتصادية والفنية والمحاسبية.. وفى المجال التعليمي تبادر جامعة عين شمس بإنشاء مركزا لبحوث الإسكان يتكون من شعب نوعية ينبثق عنها لجان متخصصة في التخطيط والعمارة والهندسة والصحة والزراعة والاقتصاد والبيئة والاجتماع وذلك بهدف التحرك نحو اقتحام مشكلة الإسكان علميا وتعليميا.. هذا بالإضافة إلى العديد من المقالات والتحقيقات التي تظهر بين حين وآخر على صفحات الصحف اليومية والأسبوعية.

وإذا كانت مشكلة السكان قد تعرضت لمثل هذا الاهتمام على فترات زمنية متفاوتة إلا أنها لم تحظى بمثل هذا الحجم من الاهتمام كما هو في الفترة الحالية الأمر الذي ينم عن ايجابية الفكر وموضوعيته بعد التجارب الطويلة التي تعرضت لها مشكلة الإسكان والظروف القاسية التي أوصلتها إلى هذه الحالة الصعبة التي أدت إلى إعادة وزارة الإسكان لتتولى الأعباء الجسمية لهذه المشكلة وبدأت الوزارة في تجميع قواها الفنية والتنظيمية لاقتحام المشكلة.
والمتتبع لنتائج أعمال اللجان المختلفة ولتوصيات الندوات والمؤتمرات المتتالية لا يجد إلا تكرارا لتشخيص المشكلة بالأرقام والأعداد وترديدا لسلبيات قوانين الإسكان المتتالية وضرورة قيام القطاع الخاص بمزيد من المساهمة في حل المشكلة ثم سردا للنقص في العمالة والمواد، ثم في ضرورة مساهمة الدولة فى الإسكان الشعبي وضرورة القضاء علي ظاهرة الشقق المغلقة والمساكن التي توقف إنهاؤها ثم ترديدا لضرورة الامتداد الأفقي علي الأراضي الصحراوية بعيدا عن الأراضي الزراعية ثم ضرورة مد المرافق في الأراضي الجديدة وتقسيم الأراضي وبيعها بأثمان مدعمة.. ثم ضرورة الارتقاء بمستوى الريف حتى يقل الضغط علي الحضر.. أو بترك سوق الإسكان للعرض والطلب.. أو أن مشكلة أخلاقية وليست فنية أو أن مشكلة الإسكان مشكلة تخطيطية وليست تنفيذية أو أن المشكلة تنظيمية أكثر منها فنية أو أنها تشريعية أكثر منها تنظيمية.. كما تتكرر الاقتراحات بإنشاء مجلس أعلي للإسكان.. أو هيئة عليا لإسكان ذوى الدخل المحدود.. أو إنشاء وزارة للإسكان الشعبي.. إلي غير ذلك من الاقتراحات التنظيمية.. ثم تظهر دعوات بضرورة إنشاء إسكان الإيواء استعدادا لإيواء الكوارث أو الحد من الوحدات السكنية ذات الغرفة الواحدة وتوفير الوحدات التي تتكون من غرفتين أو ثلاثة.. وأخيرا تقام الشركات العامة لإسكان الشباب ثم الشركات العامة التي تتاجر في الإسكان الفوق المتوسط أو تنشئ الفنادق.. وقبل ذلك ظهرت الدعوات بضرورة الارتفاع بالمباني السكنية بإضافة أدوار عليها أو بضرورة تعديل قانون المباني لإعطاء الفرصة لزيادة الأدوار علي الشوارع الضيقة. ثم تخرج دعوة أخرى إلي دعم قانون التخطيط العمراني لإمكانية تنظيم حركة التعمير.. ودعوة أخرى الي ضرورة التوسع في تدريب العمالة الفنية. ثم اقتراح بإنشاء شرطة الإسكان مثل شرطة المرافق.. واقتراحات بزيادة نسب الربح في الإسكان عند تقدير الإيجارات واقتراحات أخرى لرفع الإيجارات القديمة.. واقتراحات بتحديد القيمة الإيجارية لتمثل 15% ألي 25% من دخل الفرد.. واقتراح بدعم مواد البناء واقتراح آخر بتركها حرة في الأسواق.. وهكذا العديد من التوصيات والاقتراحات والآراء المتضاربة أو المتجانسة أو الآراء العاجلة التي تصدر نتيجة للانفعالات اليومية والضغوط النفسية.. الأمر الذي يؤثر علي عملية اتخاذ القرار في شأنها.. وهنا تتوقف القرارات ولا يصدر منها إلا سهل التنفيذ أو قريب التحقيق.
ورئيس الدولة ينتظر ما تسفر عنه كل هذه الاجتماعات والمؤتمرات والندوات من برامج واقعية الهدف صالحة التنفيذ محددة الزمان والمكان.. مقدرة الاستثمارات اللازمة من الداخل والخارج.. والصورة مع ما يجرى حول مشكلة الإسكان لا تبشر إلا بمزيد من الاقتراحات والتوصيات سواء منها ما يمس المشكلة بكليتها أو ما يمس جزئياتها التنظيمية أو التشريعية أو الفنية. وتقف المشكلة عند هذا الحد مرة أخرى الأمر الذي يتطلب مدخلا تنظيميا وإداريا توزع منه الأدوار وتتحدد فيه المهام والاختصاصات و لا تترك بعد ذلك للاجتهادات والطفرات الزمنية خاصة وأن مشكلة الإسكان متشعبة الجوانب تتحرك علي المستوى القومي وتتعامل مع كل أجهزة الدولة التخطيطية والتنفيذية. ووزارة الإسكان هنا ليست إلا الجهاز الفني لتنفيذ ما يوكل إليها من خطط وبرامج. وتحديد الأدوار يشمل الأجهزة التي تخطط كما يشمل الأجهزة التي تنفذ أو تشرع أو تبحث… كل في دائرته يجمعهم هدف واحد ونظام واحد وأسلوب واحد.. كخطة عسكرية تعبر بها حاجز الإسكان الكبير.
ويبدأ دور الجهاز المركزي للتخطيط بتحديد الاستثمارات الخاصة بمشروعات الإسكان علي مستوي القومي في إطار الخطط الخمسية.. كما تحدد هيئة التخطيط الإقليمي فيه مواقع الإنتاج وتحدد مسارات الحركة بين الرقعة السكانية القائمة والمناطق الجديدة بهدف تخفيف الضغط السكاني علي كل من الريف والحضر علي حد سواء بعيدا عن الفلسفة القديمة التي تدعو إلي توفير الخدمات في الريف للحد من الهجرة إلي المدن والتي كانت أساس كل ما تعانيه الدولة الآن من مشاكل.. حيث بدأت الدولة في توفير عوامل الاستقرار في المناطق القديمة بدلا من عوامل الطرد قبل أن توفر عوامل الجذب في المناطق الجديدة وهنا لابد أن تعدل أجهزة التخطيط في أهداف الخطط الخمسية من زيادة الدخل القومي بنسبة معينة إلى تحقيق الاستراتيجية العمرانية بتوفير عوامل الجذب فى المناطق الجديدة مع عوامل الطرد من المناطق القديمة مع ما يترتب على ذلك من إعادة صياغة تشريعات المحليات ونظم الضرائب وقوانين الإسكان والمرافق… كما يبدأ في نفس الوقت دور هيئة التخطيط العمراني كإحدى هيئات الجهاز المركزي للتخطيط في تحديد مواقع الإنتاج مع مواقع الإسكان في التجمعات الجديدة والقديمة وتحديد مرحلية البناء والتعمير في المناطق الجديدة قبل المناطق القديمة تعزيزا لقوى الجذب في الأولي وقوى الطرد في الثانية.. وتضع لكل منهما نظم التخطيط والبناء وتحدد نوعيات الإسكان تبعا لنوعيات السكان.. كما تبدأ برامج الارتقاء بالبيئة العمرانية القائمة واستغلالها لتحريك السكان من المناطق القديمة إلى المناطق الجديدة.. كما تبدأ في مساعدة أجهزة التخطيط العمراني في المحليات للقيام بهذه المهام الكبيرة في ضوء متطلباتها المحلية وفى إطار تحقيق أهداف الاستراتيجية العمرانية في الدولة.
ويبدأ دور أجهزة الحكم المحلى في نفس الوقت بالاعتراف بأنه لا يمكن أن تقسم الدولة الى أقاليم تخطيطية لها كياناتها الجغرافية دون أن يكون لها كياناتها الإدارية .. وذلك بتحويل المحافظات إلى مديريات والأقاليم التخطيطية إلى محافظات لكل محافظة مجلس وزرائها المحليين, وتقل أعداد المحافظات بذلك من 26 محافظة إلى 9 محافظات يمكن تنميتها اقتصاديا واجتماعيا وعمرانيا في إطار الاستراتيجية العمرانية للدولة بحيث يكون لكل محافظة قوانينها وتشريعاتها المحلية وللدولة قوانينها وتشريعاتها القومية .. وهنا يمكن ربط الإسكان بمواقع الإنتاج وبذلك يصبح الإسكان عاملا لزيادة الإنتاج واستقرار العمالة في المجتمعات الريفية أو الحضرية الجديدة.

ومع كل ذلك يبدأ دور هيئة بحوث الإسكان والتخطيط والبناء بضم نشاط اللجان القومية المتخصصة في الإسكان والمرافق وضم نشاط اللجان المتخصصة في أكاديمية البحث العلمي والجامعات تركيزا للعمل وتوحيدا للأساليب وتوفيرا للجهد والمال والاستفادة الكلية من الطاقات الفنية والتخصصية بحيث تلتزم الهيئة بالبحوث النوعية وتترك الدراسات التخطيطية لأجهزة التخطيط الإقليمي أو العمراني أو معهد التخطيط القومي .. بحيث تعالج الهيئة البحوث النوعية كمشاكل تصميم الوحدات السكنية للفئات المختلفة في المناطق المختلفة بالمواد المختلفة وبأساليب الإنشاء المختلفة… كما تضع المعايير التخطيطية للتجمعات السكنية المختلفة في المناطق المختلفة وتحت الظروف الاقتصادية والاجتماعية المختلفة .. كما تقوم بتقييم مشروعات الإسكان الجديدة والقديمة واستخلاص نتائج تجاربها وتطوير أسس التخطيط العمراني والتصميم المعماري وذلك بإصدار الكتيبات والدوريات اللازمة لذلك. كما تقوم الهيئة بخبرائها في تشريعات الإسكان بمراجعة القوانين والتشريعات القائمة ووضع البدائل التشريعية للتغيير أو التعديل أو الإلغاء .. وذلك من واقع تقييم التجارب السابقة كما تقوم الهيئة بخبرائها في اقتصاديات الإسكان بوضع أسس التعامل مع النوعيات المختلفة للإسكان للفئات المختلفة من السكان وفى الجهات المختلفة من الدولة .. وذلك بخلاف قيام أجهزتها الهندسية بتقييم الجديد من أساليب التشييد وصناعة البناء الواردة من الخارج أو المنتجة من الداخل قبل تداولها مع استمرار النشر والأعلام عنها وعن خصائصها.
ويظهر دور أجهزة الأعلام مع كل ذلك في تخصيص برامج عن عالم الإسكان وهو لا يقل أهمية عن عالم الحيوان وعالم الطيران وغيرها من البرامج .. هنا يتعرف المواطنون على أنظمة البناء وعلى الأصول الهندسية والمعمارية .. وعلى لوائح ونظم التراخيص .. ويتذوقون القيم الجمالية والمعمارية .. ويشاهدون نماذج للمساهمة الشعبية في البناء والتشييد .. بل يتعرفون على المناطق الجديدة وما بها من عوامل جذب والمناطق القديمة وما بها من عوامل طرد .. كما تعرض عليهم المكملات المعمارية من تجهيزات وأثاث .. وتحرك فيهم القدرة على المساهمة الذاتية في التركيب والصيانة .. وغير ذلك من متطلبات معيشية .. ويتعرفون أيضا على آراء الخبراء والمتخصصين كما يتعرفون على آراء السكان أنفسهم وهنا يمكن ربط الإنسان بالإسكان داخله وخارجه.
ومع كل الأدوار التي تقوم بها أجهزة التخطيط والحكم المحلى والبحث العلمي والأعلام تقوم وزارة الإسكان كجهاز تنفيذي يشرف على أجهزة المقاولات بتطوير وسائل التشييد والبناء تنظيميا وفنيا بما يضمن تحقيق أهداف الخطط القومية تبعا للبرامج المحددة في المناطق المعينة وفى المواقع المحددة بما يناسب كل منها من مواد وأساليب للبناء.
من كل هذه الأجهزة تقوم المؤسسات التشريعية بمتابعة الخطط والبرامج والإطلاع على المنجزات والتجارب العلمية في مجال الإسكان ومراجعة القوانين والتشريعات بعد دراستها وتقييمها واقتراح تعديلها من قبل الخبراء وذلك لدفع التشريعات والقوانين اللازمة فى مجلس الشعب على أسس علمية سليمة وحتى لا تخرج التشريعات نتيجة لانفعالات ذاتية أو متطلبات وقتية تمليها ظروف العمل السياسي في مجتمع تطحنه المشاكل.
لقد تعرضت مشكلة الإسكان إلى كل جوانب التشخيص والتحليل كما تعرضت إلى كل الاقتراحات والآراء والتوصيات ويبقى اتخاذ القرارات .. لا يتم إلا في ضوء توزيع الأدوار والمسئوليات بالأسلوب العلمي الذي يضمن نجاح المعركة المتعددة الجوانب والتخصصات .. ولنرجع إلى منطق التخطيط لحرب أكتوبر 1973م .. إن الدولة في حاجة إلى تنمية أجهزتها المتعاملة مع مشكلة الإسكان واستقرارها واستمرارها في العمل والتطوير حتى لا تتأثر بتغيير الوزراء أو الوزارات.

word
pdf