حتى لا يولد قانون الإدارة المحلية ضعيفا

حتى لا يولد قانون الإدارة المحلية ضعيفا2019-12-08T14:16:40+00:00

حتى لا يولد قانون الإدارة المحلية ضعيفا

دكتور عبد الباقي إبراهيم

 

طالعتنا صحف يوم 23/5/1988م بالملامح الرئيسية لمشروع قانون الإدارة المحلية الذي أخذ حقه من الدراسة المستفيضة والبحث العميق فيما يتعلق بطريقة انتخاب أعضاء المجالس المحلية وليس فيما يتعلق بمضمون الإدارة المحلية سواء بالنسبة لأجهزة التخطيط المحلى أو تنفيذ المشروعات، الأمر الذي ربما تعالجه بنود اللائحة التنفيذية لمشروع القانون.

وبالنسبة لأجهزة التخطيط المحلى لم يأت المشروع الجديد بجديد فالمادة 8 فقرة (1) تقول ينشأ بكل إقليم اقتصادي لجنة عليا للتخطيط الإقليمي يرأسها أحد المحافظين في الإقليم ويتولى رئيس هيئة التخطيط الاقليمى الأمانة العامة للجنة. هذا وقد سبق منذ حوالي عشر سنوات أنه قسمت الجمهورية إلى ثمانية أقاليم اقتصادية وعين لكل إقليم لجنة عليا ورئيسا لهيئة التخطيط الإقليمي ومع ذلك لم تتكون أجهزة التخطيط الإقليمي أو تمارس نشاطها، ولم تجتمع لجان التخطيط الإقليمي أو تمارس عملها إلا مرات قليلة في البداية. وتجمد نشاط التخطيط الإقليمي هذه الفترة الطويلة.. فالمشروع الجديد لم يغير شيئا فيما سبق إقراره والمشكلة التى نواجهها في مصر دائما إننا نضع مشروعات قوانين دون إدراك للإمكانيات التطبيقية لهذه القوانين. ويشهد بذلك قوانين الإسكان والتخطيط العمرانى واستصلاح الأراضي.. وغيرها.. وكثيرا ما يبدأ المشروع من منطلق جديد دون تقويم للتجارب السابقة أو الآراء التى طرحت أو الدراسات التى تمت فى كل مجال.

إن تقسيم الدولة إلى أقاليم تخطيطية لا يزال موضع البحث فى وزارة التخطيط وهناك لجنة خاصة لتقسيم الجمهورية إلى أقاليم اقتصادية. ولم تصل هذه اللجنة بعد أكثر من ثلاث سنوات على تكوينها إلى نتيجة واضحة أو أسلوب علمي للعملية التخطيطية على المستوى القومي أو الاقليمى أو المحلى. وهناك تعارض كامل بين مبدأ تقسيم الدولة إلى أقاليم اقتصادية يتم فى إطارها وضع برامج التنمية الاقتصادية الاجتماعية تقوم به وزارة معينة وبين مبدأ تقسيم الدولة إلى أقاليم عمرانية يتم فى إطارها تنفيذ برامج التنمية العمرانية وتقوم به وزارة أخرى. فهناك أجهزة للتخطيط الاقليمى الاقتصادي تابعة لوزارة معينة ولكنها لا تعمل.. فى الوقت الذي توجد فيه أحد أجهزة للتخطيط الاقليمى العمرانى التى تعمل بهمة ونشاط فى إطار أحد هذه الأقاليم الاقتصادية ولا تتبع الوزارة الأولى وفى أسوان هناك مبنيين متجاورين الأول يرفع اسم جهاز التخطيط الاقليمى لأسوان.. والآخر يرفع اسم جهاز التخطيط الاقليمى لجنوب مصر.. ولا علاقة بين الجهازين, إلا فى تضارب الاختصاصات وتداخلها ومع ذلك فالأبنية قائمة ولائحة العمل موجودة ولكن لا يوجد أحد مؤهل للعمل.. وهكذا تضيف مشروعات القوانين أعباء جديدة على ميزانية الدولة دون فائدة أو عائد. ومن ناحية أخرى نجد أن محافظتى شمال وجنوب سيناء تنتميان إلى الإقليم الاقتصادي الثالث الذي يضم محافظات القنال والشرقية. هذا في الوقت الذي يناقش فيه خبراء مجلس الشورى مشروع قانون باعتبار شبه جزيرة سيناء إقليما تنمويا مستقلا كمنطقه حره, وفى الوقت الذي تم فيه دراسة إقليم قناة السويس كإقليم تخطيطي مستقل. والحديث عن الدراسات التخطيطية لأقاليم مصر الاقتصادية من ناحية أو العمرانية من ناحية أخرى تملأ المخازن فى الوزارات المعينة. فمزيد من الدراسات ومزيد من مشروعات القوانين فى غياب الأجهزة القادرة على تنفيذ الدراسات أو تطبيق القوانين. وهكذا تبدأ الأمور عند القمة السياسية وتنتهي عند القمة السياسية. ويستمر التضارب والتناقض سائدا بين الأجهزة التنفيذية…. فهناك وزارة تخطيط المناطق والقرى السياحية وتديرها، ووزارة أخرى لتخطيط المناطق والقرى السياحية وتديرها، وهناك وزارة تخطيط المناطق العمرانية وتديرها، وهناك وزارة أخرى لتخطيط مناطق عمرانية أخرى وتديرها.. فأين مشروع قانون الإدارة المحلية من كل هذه التداخلات والتناقضات. هذا فى الوقت الذى توصلت فيه دول العالم من حولنا إلى صيغ تخطيطية إدارية تنظيمية تتكامل فى إطارها الجوانب الاقتصادية والاجتماعية والعمرانية للعملية التخطيطية التى تتم على كل المستويات القومية والإقليمية والمحلية.

وينظم مشروع قانون الإدارة المحلية إسلوب الإجراءات المالية التى تتولاها الإدارات المحلية فى كل محافظة كل على حده دون الربط بين الأجهزة المالية والأجهزة التخطيطية ودون إشارة إلى العلاقة الوظيفية بين جهاز التخطيط الاقليمى الاقتصادي وإدارات التخطيط المحلى فى كل محافظة. كما لم يتطرق مشروع القانون الجديد إلى وضع الإدارات المحلية للبيانات والمعلومات التى يفترض فيها تغذية العملية التخطيطية على المستوى المحلى وعلاقتها بالجهاز المركزي للتعبئة والإحصاء الذي يفترض فيه تغذية العملية التخطيطية على المستوى القومي. وبعد كل ذلك لا يوجد فى المشروع الجديد أى ذكر لإدارات البيانات والمعلومات لكل إقليم تخطيطي. التى يفترض فيها تغذية العملية التخطيطية على المستوى الاقليمى إن وجد كما لم يفرق مشروع القانون الجديد بين مفهوم التنمية المحلية للمناطق المأهولة والتي تمثل 4? من مساحة مصر والتنمية المحلية لمناطق الجذب السكاني حيث تختلف أسس الإدارة المحلية لكل منها خاصة فيما يرتبط بالتمثيل فى المجالس المحلية حيث يختلف الأمر فى المناطق المكدسة بالسكان عنها فى المناطق التى تعانى من قلة السكان.

وبعد كل ذلك فان الفصل بين تقسيم الدولة إلى أقاليم اقتصادية من جهة وتقسيمها إلى أقاليم عمرانية من جهة أخرى ثم تقسيمها إلى أقاليم إدارية من ناحية ثالثة سوف يعرقل عملية التنمية القومية وبالتبعية سوف يقضى على مشروع القانون المقترح للإدارة المحلية قبل أن يولد. وإذا كانت الصيغة التى وردت على صفحات الجرائد اليومية لم تتضمن كل مواد القانون المقترح فالأمل معقود على محتوى المواد التى لم ترد على هذه الصفحات أو التى ربما تظهر بوضوح فى اللائحة التنفيذية للمشروع. وإذا كان الشيء بالشيء يذكر فهل آن الأوان لتعديل قانون التخطيط العمرانى الذي استمر تطبيقه أكثر من خمس سنوات ويرتبط ارتباطا وثيقا بمشروع قانون الحكم المحلى بل هما فى الواقع مكملان لبعضهما البعض.. والقرار بعد كل ذلك لمجلس الشعب..

word
pdf