حتى يستعيد المعماري المصري دوره الحضارى

حتى يستعيد المعماري المصري دوره الحضارى2019-12-10T14:52:31+00:00

حتى يستعيد المعماري المصري دوره الحضارى

دكتور عبد الباقي إبراهيم

رئيس قسم العمارة بجامعة عين شمس

 

 

لم يستسلم المعماري المصري لهزيمته في المؤتمر الخامس عشر للاتحاد الدولي للمعماريين الذي عقد في القاهرة من 20 إلى 24 يناير 1985م، بل سارع في لحظة الفشل إلى جمع شتاته ونظم لقاءا عاما في القاهرة حضره المعماريون العرب الذين شاركوا في هذا المؤتمر.. لإيضاح الوجه الحضاري للمعماري المصري في بناء صروح الحضارة القديمة والمعاصرة، فكان لقاءا علميا ومهنيا عبر فيه المعماريون العرب من مصر والجزائر وتونس والأردن والعراق والسودان والكويت والسعودية عن آمالهم وآمانيهم فكانت بداية لوحدة الفكر والهدف والبحث عن صيغة مهنية علمية تجمع شتات تجمعاتهم المحلية سواء أكانوا تابعين إلى منظمات هندسية أو إلى منظمات معمارية.. وقد عبر الجميع على تعطشهم إلى عقد مؤتمر عام للمعماريين العرب يزودون فيه عن كرامتهم المهنية والعلمية ويأخذون فيه قيادة أنفسهم بأنفسهم في المجالات التنظيمية والتعليمية التى ترتبط بتراثهم الحضاري العريق، بعد أن تركت ساحة العمل المعماري خاوية إلا من الأجانب الذين أقبلوا على هذه المنظمة يفرغون فيها أفكارهم الفنية ويجرون فيها تجاربهم المعمارية بعد أن وصف أحدهم في مجلة إيطالية بأن العالم العربي أصبح ملعبا للعمارة العالمية كل يحاول أن يظهر فيه قدراته وابتكاره وجلس المعماري في صفوف المتفرجين على اللعبة.

لقد أبدى المعماريون المصريون ترحابهم وحفاوتهم بزملائهم العرب الذين توافدوا إلى مصر بلد الحضارة والتاريخ أثناء انعقاد مؤتمر الاتحاد الدولي للمعماريين ودعوهم إلى حضور المؤتمر الأول للمعماريين المصريين والذي تتحدد له 20 ابريل 1985م، والذي يشارك في الإعداد له الهيئة العامة لبحوث الإسكان والبناء وأقسام العمارة بالجامعات المصرية وشعبة العمارة بنقابة المهندسين وجمعية المهندسين المعماريين، وجمعية إحياء التراث التخطيطي والمعماري كأكبر تجمع يجمع كل المعماريين في مصر تحت مظلة واحدة ونحو هدف واحد هو الارتقاء بالبيئة العمرانية للمدينة المصرية وحتى يستعيد المعماري المصري دوره في بناء الحضارة المعاصرة، فتاريخ الشعوب يقرأ في عمارة كل عصر.

لقد ساعدت بعض الأحداث التى تعرضت لها العمارة في مصر إلى إغفال الدور الحضاري للمعماري بعد أن أخذت سلامة المنشآت أهميتها الأولى عند المسئولين وبدأت تعد الدراسات وتقدم المذكرات بحثا عن أسلوب أكثر فعالية للتأكد من سلامة المنشآت على مر مراحل تنفيذها المختلفة، وأصبحت سلامة المنشأ هو الشغل الشاغل بالنسبة للرأي العام، وهنا فقدت العمارة المصرية أهميتها الوظيفية والتشكيلية التى تعبر عن حضارة العصر وأصبحت المدينة المصرية المعاصرة مثالا للقبح المعماري وهذا ما أشار إليه معظم المتحدثون في المؤتمر الأخير للاتحاد الدولي للمعماريين والذين انتشروا في أنحاء القاهرة يسجلون ما أصابها من تخلف معماري لم تشهده في أي عصر من عصورها.. فالعمارة كانت ولا تزال الشاهد المجسم والأثر المرئي لحضارة الشعوب.. ولم تكن حسرة المؤتمرون الأجانب على ما أصاب المدينة المصرية من تخلف حضاري إلا لتقديرهم لقيمة تراثنا المعماري العريق الذي كان ولا يزال بالنسبة لهم منبعا للعلم والمعرفة والدراسة والبحث، فلا يمر وقت حتى تجد كبار معماريهم والأساتذة منهم وطلبة العمارة يفدون إلى مصر للتنقيب عن القيم الحضارية في العمارة التاريخية في مصر ثم يشيرون في تعجب واستفهام إلى ما قد أصابنا من تخلف معماري في أحياء القاهرة المعاصرة.

وإذا كانت الدولة قد أولت الفنون المسرحية والموسيقية والسنيمائية والتشكيلية كل اهتمامها كقواعد للثقافة المصرية، فإن العمارة لم تأخذ نصيبها من الاهتمام وهى أم الفنون كما يسميها الفنانون أنفسهم وهى العلم الجامع لكل الفنون.. بل هي الفن المحيط بالإنسان والغلاف الذي يقيم فيه ويعمل ويعيش بداخله.. هي بيئته الثقافية والحضارية.. هي الأثر الثابت والمتحدث الأول عن ماضيه وحاضره ومستقبله.. من هذا المنطلق كانت دعوة المعماريين إلى عقد المؤتمر الأول للمعماريين المصريين في الفترة من 20 إلى 23 ابريل 1985م، ليثبتوا جدارتهم ودورهم الحضاري في بناء مصر الحاضر والمستقبل كما كان دورهم في الماضي.

ويركز المؤتمر الأول للمعماريين المصريين على دور المعماري في التنمية الاقتصادية، وهو دور له حجمه وأهميته فهو المتعامل فنيا مع ما يقرب من 48? من الاستثمارات الموجهة إلى قطاع البناء والتشييد، ولا يقتصر دوره هنا على الصياغة المعمارية الأكثر اقتصادا في التكاليف ولكنه يضيف إليها قيمة أخرى هي القيمة الفنية أو الحضارية التى تعبر عن الملامح المعمارية للبيئة المحلية، والقيمة الحضارية أو الفنية هنا لها دورها الاقتصادي خاصة في بناء الشخصية المعمارية التى هي في حد ذاتها عنصر الجذب السياحي سواء أكان ذلك فيما يقام من عمران في المدن والقرى، أو ما يتصل بالمشروعات السياحية كالفنادق والقرى السياحية.. والأمثلة عديدة حولنا في جنوب أسبانيا والمغرب وتونس واليونان.. فقد فطن المسئولون عن السياحة في هذه البلدان إلى أن الطابع المعماري المحلى في كل ما يقام من عمران فيها هو عنصر قوى من مقومات الجذب السياحي.. ومصر تفتقد هذا الاتجاه في تنمية مناطقها السياحية، ولدينا الأمثلة فيما يقام حول البحيرات المرة والتمساح بالإسماعيلية أو على الشواطئ الشمالية من سيناء من أمثلة معمارية متنافرة أفقدت هذه المناطق مقوماتها السياحية.. بل وكان يمكن لما يقام من مدن جديدة على الأراضي الصحراوية أن يكون لها طابعها المعماري المتميز، وتضيف إليها مقومات سياحية جديدة وذلك دون إضافة لتكاليف الإنشاء.
كما يهدف المؤتمر الأول للمعماريين المصريين إلى إثراء الوعي الثقافي لدى الجماهير حتى تتفاعل مع القيم الجمالية والحضارية للبيئة العمرانية في المدن والقرى فصورة مصر وحضارتها تشاهد فيما يراه الإنسان في شوارع مدنها وقراها.. هي الصورة المجسمة أمام كل من يدخل مصر آمنا.

word
pdf