حسن فتحي فى توشكى

حسن فتحي فى توشكى2019-11-07T13:17:50+00:00

حسن فتحي فى توشكى

لدكتور عبد الباقي إبراهيم 
كبير خبراء الأمم المتحدة فى التخطيط العمرانى سابقاً
ومؤلف كتاب ( المعماريون العرب – حسن فتحي )

 

كانت للملاحظات التى أبداها السيد الرئيس حسنى مبارك أثناء زيارته الأخيرة لمشروع توشكى على النماذج المعمارية والتخطيطية التي عرضت على سيادته – محلاً للاهتمام الكبير من كبار المعماريين والمخططين  والخبراء فى مصر ممن لم يكن لهم دور فى هذه الأعمال التى وضح أنها لم تكن على مستوى الحدث القومى الكبير .. فقد تدارسوا الموقف فيما لو قدر لهم المشاركة  بالفكر والخبرة والتجربة و في البداية أجمعوا على تساؤل واحد .. ماذا كان يفعل المعماري العالمي حسن فتحي لو كان موجوداً أو مدعواً للمشاركة في وضع النماذج المعمارية والتخطيطية والتي يحتاجها هذا المشروع القومي الكبير .. وكانت الإجابة التي وافقت الجميع .. أنه ربما كان لا يدعى لهذا العمل لأنه ليس معروفاً لدى الكثير من المسؤولين، مع أنه خبير عالمي انتشر فكره في كل أرجاء العالم وتدرس نظرياته في كل جامعات العالم إلا مصر- فكم عانى حسن فتحي من الروتين الحكومي الذي كان يبعده عن أداء رسالته في مصر .. وربما كان سيخضع للقانون تسعة الخاص بالمناقصات إذا ما دعي للتقدم بعطائه لهذا العمل، على أساس الشروط المرجعية التي يعدها صغار الموظفين في إدارة العقود والمشتريات لتخطيط وتعمير توشكى ، وتكون النتيجة الحتمية استبعاده عن هذا المشروع القومي الكبير لأن غيره تقدم بأرخص العروض. اللهم إلا إذا جاءت دعوته مباشرة من رئيس الجمهورية، كما حدث عندما دعاه المرحوم الرئيس أنور السادات لتصميم استراحته في النوبة. ومع كل ذلك فقد أجمع الخبراء و كبار المعماريين على أنه إذا ما دعي للمشاركة في المشروع لكان أول عمل يقوم به هو إنشاء مركز لبحوث البناء بالتكنولوجيا المتوافقة مع البيئة في موقع المشروع، حيث يقوم المركز بدراسة البيئة الطبيعية للمواقع المختلفة في توشكى وتحليل التربة في كل منها والبحث عن أنسب أسلوب للبناء بها من المواد الطبيعية المتاحة محلياً .. ثم يبدأ بعد ذلك في إنشاء نماذج مختلفة من مساكن للفلاحين و مساكن للعمال و مساكن للموظفين و لكبار المسؤولين وذلك لإجراء الاختبارات عليها في موقع المشروع لقياس معدلات العزل الحراري للحوائط في الجهات المختلفة، كما تم من قبل مثل النموذج الذي أقامه في فناء مركز بحوث البناء في الدقي في الستينات .. ثم يقوم المركز في نفس الوقت بدراسة الاحتياجات المعيشية لكل فئة من الفئات الأربعة ويضع المرادفات المختلفة للنماذج المعمارية المتوافقة مع البيئة بحيث تواجه الفروق الكبيرة بين درجات الحرارة في الصيف والشتاء .. مع وضع النظم المختلفة لبناء الأسقف وملاقف الهواء وطرق ترطيبه صيفاًوشتاءً .. ويقوم حسن فتحي بعد ذلك بدراسة النظام التخطيطى للمجموعات السكنية كوحدات جوار، تضم كل فئة من الفئات الأربع موفراً الخصوصية لكل وحدة جوار، بتحديد طرق المشاة في الداخل مع الطرق الواسعة المناسبة للسيارات حولها من الخارج .. كما أشار بذلك السيد الرئيس في ملاحظاته. وعلى جانب آخر اتفقت مجموعة الخبراء من تلاميذ حسن فتحي ومريديه أنه كان سوف يضع الأسلوب الأمثل للاستيطان البشري في المنطقة بما يتناسب مع أساليب الاستثمار الزراعى المختلفة سواء في مجمعات سكنية للشباب الذي يحصل كل منهم على عشرة أفدنة في إطار مزرعة تعاونية كبيرة. أو في مجمعات سكنية للعمال الزراعيين الذين سوف يعملون بأحدث نظم الاستزراع في المشروعات الزراعية الكبيرة .. أو في مجمعات سكنية للمواطنين الذين سوف يقومون بالخدمات الفنية والإدارية والصحية والأمنية والتجارية، وسوف يكون حسن فتحي حريصاً على وضع المسجد الصغير كمركز للإشعاع الديني والثقافي والاجتماعي في كل من هذه المجمعات على غرار نمط المسجد الذي أقامه في قرية القرنة في الأقصر، وكان حسن فتحي لن ينسى أن هذه المجمعات البشرية الجديدة سوف تحتاج إلى وسائل الترفيه من خلال المركز الثقافي للقرية الذي يضم صالة المسرح المكشوف والمكتبة وقاعة الاجتماعات والسينما والتلفزيون، وكان لن ينسى توفير وسائل الرياضة خاصة السباحة وركوب الخيل، وكان لن ينسى مبنى المدرسة والسوق ومحلات الصناعات الحرفية التي تخدم المجمعات السكنية المختلفة التي تنبثق عن التخطيط العام لإقليم توشكى المبني على أساس نظام تقسيم الأراضي للاستزراع سواء المزارع التعاونية التي يتملكها الشباب أوالتقسيمات المخصصة للمشروعات الكبيرة التي تطبق بها أحدث أساليب الزراعة للتصدير أو للاستهلاك المحلي، وذلك بخلاف المناطق السياحية وما تحتاجه من مجمعات للإقامة والإعاشة والترفيه معتمدة على سياحة السفاري الصحراوية أو الآثار الموجودة فى المنطقة خاصة منها ما هو من عصور ما قبل التاريخ .. وكان لن ينسى مباني خدمات الطرق أو محطات الأتوبيسات والاستراحات المتوفرة معها. هذا بخلاف مطارات الطائرات الكبيرة والهليكوبتر .. كما اتفق الخبراء والعلماء من تلامذة حسن فتحى على أن إضفاء الطابع المعمارى على منطقة توشكى هو فى ذاته عامل جذب سياحي يتطلع  إليه رواد سياحة الصحراء خاصة لو كان هذا الطابع يحمل اسم حسن فتحى المعروف في كل أرجاء العالم.

ومن المعروف أن حسن فتحي لم يكن يحب النمطية في التصميم فكان يصمم لكل عائلة حسب متطلباتها المعيشية الأمر الذي أضفى على عمارته قيمتها الإنسانية والإبداعية المتوازنة مع طبيعة المكان وطموحات الإنسان وكان ذلك من خلال الاختلاف في التفاصيل مع الوحدة في التعبير. كان يفضل الامتداد الأفقي أكثر من الامتداد الرأسي خاصة في عمارة الصحراء وكان لا يقبل البناء لإسكان الأشباح كما في معظم مشروعات الإسكان المعطلة فكان يواجه متطلبات الإنسان في سكنه. كان حسن فتحي يعنى بمرحلية التنمية العمرانية ومستقبل الرواد القادمين للعمل في المشروعات الجديدة بداية من مرحلة الإيواء إلى مرحلة البناء بالمشاركة ثم مرحلة السكنى الدائمة.. وبالتالي يتم توفير الخدمات اللازمة لكل مرحلة بحيث تنمو المجموعات السكنية متكاملة متجاورة ومترابطة لإضفاء وحدة الجوار في المجموعات الاجتماعية المتجانسة في حياتها الجديدة. وبذلك تنمو المجتمعات العمرانية الجديدة بصورة عضوية وإنسانية. وهو ما يتطلب نظاماً خاصاً لإدارة عمليات الاستيطان البشرية في الأرض الجديدة.. هذا المفهوم الذي وضعه حسن فتحي الذي كان يعارض التخطيطات الجامدة والمقيدة لحركة المجتمع في البيئة الجديدة لقد وضع القواعد الإنسانية للتعامل مع الرواد الجدد وتوطينهم في مجتمعاتهم الجديدة .. وهذا ما طرأ على النظريات الحديثة لعمليات الاستيطان البشري في المناطق الجديدة واستحق على ذلك العديد من الجوائز العالمية.

– إن مشروع توشكى الذي يعتبر من أهم مشروعات الاستيطان البشري الذي تدخل به مصر القرن الواحد والعشرين لفي أمس الحاجة لفكر ومنهج وإنسانية حسن فتحي.. في مشروعات الإسكان والاستيطان. في هذا المشروع القومي الكبير حتى يكون الإنتاج المعماري والعمراني فيه على مستوى الحدث معبراً عن التجربة المصرية في البناء والتي تميز بها الإنسان المصري عبر تاريخه الطويل، فالفرصة لا تزال متاحة للوصول إلى هذا الهدف في المراحل الأولى للمشروع العظيم.

إن جماعة حسن فتحي التي تضم الخبراء من كبار وشباب المعماريين قد أجمعوا على ضرورة اللقاءات المستمرة لإحياء ذكرى هذا الراحل العظيم وتخليد اسمه في مشروعات عمرانية تحمل اسمه في مناطق الاستصلاح الصحراوية الجديدة وبصفة خاصة في مشروع توشكى القومي الذى توليه الدولة ورئيسها كل الاهتمام ..
كما أثاروا التساؤل عن مصير النتائج التي توصلت إليها الندوة العالمية التي عقدت في عام 1993 لتخليد عمارة حسن فتحي وهي الندوة التي حضرها خبراء من ألمانيا وإيطاليا وفرنسا وإنجلترا وأمريكا وسوريا وليبيا والسعودية قدم كل منهم خبراته وتجاربه في المشروعات التي قام بها بمنهج حسن فتحي في العمارة والتخطيط . واتفق الجميع على أن نتائج هذه الندوة العالمية التي أعلنت فيها عن جائزة حسن فتحي العالمية وحصل عليها أحد مراكز البناء في الهند وقالوا بأنه يمكن أن تكون في هذه النتائج والتوصيات أنسب الطرق العملية والوسائل المنهجية لتوجيه العمارة والعمران في مشروع توشكى الكبير .. رحم الله حسن فتحي.

word
pdf