خسائرنا من المعونة في الاستشارات الدكتور عبد الباقي ابراهيم بدأت موجة المعونة الخارجية في مجال الأعمال الإستشارية في نهاية السبعينات حيث كانت المعونة الخارجية مرتبطة بضرورة التعاقد مع المكاتب الإستشارية في الدول المانحة والتي بدورها تتعاون مع المكاتب المحلية للقيام عادة بالمساعدة في تجميع البيانات والمعلومات اللازمة للدراسات المختلفة أكثر منها في المساهمة العملية في إنجاز هذه الدراسات حتى أن الكثير من الشركات الإستشارية التي كانت تعمل في تخصص معين كانت تميل إلي التعاقد مع المكاتب المحلية البعيدة عن هذا التخصص حتى تستقل هى بتوجيه الدراسات وتحديد النتائج . ولما كانت الأجهزة المحلية في ذلك الوقت ليس لها الخبرة الكافية في وضع شروط التعاقد ونطاق الأعمال الإستشارية لجأت بعض الوزارات إلي التعاقد مع شركات أجنبية للقيام بهذه المهمة نيابة عنها. وهكذا كانت الشركات الإستشارية الأجنبية تضع نطاق العمل الإستشاري للشركات الإستشارية الأجنبية الأخرى .. والتي يتم التعاقد معها على أساسها. لقد أنفقت الدولة على الخدمات الإستشارية الأجنبية أموالاً طائلة منها ما يدخل ضمن القروض بالعملات الصعبة لترد إلي أصحابها مرة أخرى وتتحمل الدولة فوائدها بعد ذلك ومنها ما يدخل في المكون المصري بالعملة المحلية والخسارة هنا مضاعفة إذا ما قيس العائد الإستثماري لكل هذه الأموال التي أنفقت على العديد من الدراسات التي قدمت في العديد من المجلدات لتحتل العديد من الأرفف في الوزارات لا تجد من يتابعها أو يطورها أو حتى ينفذ بعض نتائجها.. ومنها ما كان ضد الإستراتيجية القومية وكان من نتيجة ذلك أن انخفض مستوى الأداء في الأجهزة الفنية إلي الحد الذي بدأت معه تسعى إلي الإستعانة بالمكاتب الإستشارية والخبرات المحلية. ولكن في إطارات مبهمة من نطاقات الأعمال التي كانت تعد مثلها المكاتب الأجنبية نفس الأجهزة الفنية التي لم تستوعب الدرس فهبط بذلك مستوى الأداء في الأجهزة الفنية المحلية كما هبط في المكاتب الإستشارية المحلية التي تعاملها الدولة كموردي الأعشاب أو الأخشاب حتى أن بعض هذه الأجهزة الفنية قامت بدعوة بعض المكاتب الإستشارية لتورد لها بالمقطوعية عدد معين من اللوح الهندسية على نفس الإستمارة التي أعدتها لتوريد الأدوات الهندسية وإن دل ذلك على شىء فإنما يدل على مدى المستوى الهابط الذي وصلت إليه أجهزة الدولة في الأداء ولم تترك الشركات الإستشارية الأجنبية أي أثر للإرتقاء بمستوى أداء الأجهزة المحلية وكان الأجدى أن ترتبط الخدمات الإستشارية بتطوير الأجهزة المحلية وأقرب الأمثلة على ذلك ما تم في مجال التنمية العمرانية حيث انفقت الملايين على الخبراء والدراسات وخلت المحافظات من أجهزة التخطيط المحلي القادرة على دفع التنمية العمرانية لها أجهزة محلية قادرة على التعامل المستمر مع التنمية العمرانية بمساعدة الخبراء المصريين . هذه بعض الأدلة على ما أنفق على الدراسات التي قامت بها المكاتب الإستشارية الأجنبية في مجال التنمية العمرانية ولم تتطور معها الأجهزة المحلية . لقد آن الأوان للعمل على الإرتقاء بمستوى أداء الأجهزة الفنية في الدولة سواء في القطاع العام أو في القطاع الخاص وهذه من مسئولية النقابات المهنية والمنظمات العملية أساساً ثم دعم الدولة ثانياً مع ضرورة الإطلاع على الخبرات الأجنبية في هذا المجال فالهدف هنا ليس فقط في الإرتقاء بإدارة وتنظيم المكاتب الإستشارية المحلية في القطاعين العام والخاص ولكن في المنافسة في سوق الإستشارات على المستوى الدولي العربي والأفريقي بصفة خاصة فتصدير الخبرات والعمالة الفنية لا يقل أهمية عن تصدير المنتجات الصناعية أو الزراعية التي تعني بها الدولة وتوفر لها كل الإمكانيات والتسهيلات حتى تخرج بعد التأكد من صلاحيتها مغلفة في أحسن تنافس بها المنتجات العالمية فلا أقل من أن تعطي الخبرات والعمالة الفنية نفس الأهمية حتى تخرج للسوق العالمية في أحسن صورة شكلاً وموضوعاً . |
خسائرنا من المعونة في الاستشاراتcpas2019-12-04T08:46:20+00:00