خلخلة القاهره

خلخلة القاهره2019-11-27T08:08:48+00:00

خلخلة القاهره

  دكتور / عبد الباقى ابراهيم

     رئيس مركز الدراسات التخطيطيه و المعماريه

 

 

لا شك أن مدينة القاهره قد شهدت من المشروعات العمرانيه و المعماريه الكثير الامر الذى اتخمها و لم يعد بها متنفس. فازدادت كثافات المرور و تضاعفت على شراينها المختلفه ..    و لا تزال المشروعات تقام فى المدينه لتجذب اليها مزيدا من السكان و مزيدا من الانشطه ثم مزيدا من مشاكل المرور و مزيدا من التلوث البيئى .. و هكذا دون توقف او اعادة النظر فى المستقبل  الذى ينتظر القاهره فى ضوء  هذا التكدس العمرانى الرهيب .. بالبناء الجديد من جهه و بزيادة ارتفاعات المبانى  من جهه اخرى .. حتى اصبحت شوارع القاهره جراجات عامه  و زاد الضغط على مرافقها و سوف يزيد .. و لم تعد الكبارى العلويه تفيد فى حل مشكلة المرور بعد اختناقها بما تحمله من سيارات. و القاهره فى عصرها الحديث تتعرض لهجمه قويه من زيادة  التعمير و البناء على كل ارض فضاء حتى الحدائق العامه اصبحت محلا للبناء  و التشييد و تشهد على ذلك حديقة الازبكيه و غيرها مما التى امتدت يد البناء الحكومى اليها.  و اذا كان القطاع الخاص له ما يبرره فى البناء على الاراضى التى يمتلكها فما بال الاجهزه الحكوميه و هى تحذو حذوه و هى تعلم الجوانب السلبيه التى تنتج  عن ذلك ..

و الدوله لا تزال تمتلك مساحات كبيره من الاراضى الفضاء التى يمكن  ان تستغلها كمتنفسات خضراء و لها عائدها الاجتماعى الذى يقدر بالملايين بدلا من عرضها على المستثمرين لاستثمارها فى مزيد من العمارات لتستوعب  مزيدا من السكان و الانشطه المختلفه بما تولده من كثافه مروريه تضاف الى الشرايين المجاوره لها بالاضافه الى المشاكل الصحيه و البيئيه التى تنتج عن هذا التضخم العمرانى .. هكذا  تقوم اجهزة الدوله كما تعودت  بعدم ترك أى ارض فضاء الا و تحولها الى غابه من الخراسانه المسلحه سواء فى شكل مبانى اداريه او مشروعات استثماريه. دون اعتبار لحاجة مدينة القاهره الى كل سنتيمتر مربع يمكن اضافته الى نصيب الفرد من المناطق الخضراء و الذى يقدر حاليا بحوالى 7 , 0 م2 بينما هى فى المدن العربية تصل من 7 ، الى 10 م2 للفرد . وها هو مبنى مجلس الوزراء وقد اضيفت له أجنحة جديدة  لإستيعاب الزيادة فى موظفيه كما إنه أهدر حديقة القصر بمبنى مركز المعلومات الذى سوف يضيق كذلك بموظفيه وهكذا تستمر الحلقة دون إستراتيجية واضحة لتخطيط القاهرة وخلخلتها من السكان و الانشطه المختلفه .. فإن كل ما ينفق فيها من إستثمارات عمرانية هو فى الواقع يضيف مزيدا من المشاكل العمرانية  و مزيدا من الاعباء الماليه وهناك العديد من نقط الإختناقات المرورية التى سببتها أجهزة الدولة فى بناء مصالح لها على اراضى تمتلكها عند تقاطعات الشوارع  دون النظر لأهداف الاستراتيجيه  العمرانية للمدينة .. وهناك العديد من مبانى الدولة التى وضعت فى غير محلها  على ضفاف النيل و شواطئه  و غيرها من المناطق .ضاربة بذلك أسوأ الأمثلة للتنمية العمرانية كما يشاهد فى مبانى جامعة القاهرة التى تكدست بشكل يجعلها أقرب إلى المناطق العشوائية وكما يشاهد فى مبانى جامعة عين شمس التى تزداد يوما بعد يوم على جانبى أحد الشرايين الرئيسية فى المدينة ضاربه بذلك أسوأ الأمثلة فى الأختناقات المرورية ،والدولة من ناحيه اخرى تسعى إلى مد شرايين المرور تحت الأرض وفوق الأرض لمواجهة المشاكل المرورية مؤقتا فى المدينة الكبيرة دون النظر إلى المشاكل الجانبية التى سوف تسببها هذه السياسات التعميرية على المدى البعيد . وها نحن نشاهد الطريق الدائرى الذى كان بمثابة حزام أمن حول القاهرة أصبح بفعل فاعل شريان رئيسى داخلى فى جسم المدينة بسبب ما يبنى خارجه وداخله من مشروعات عملاقه . وهكذا تقف أجهزة التخطيط العمرانى وخبراؤها بلا طائل وتقف التنمية العمرانية وإدارتها غير قادره على  مواجهة القرارات السياسية التى تتعامل مع جسم القاهرة بالأسلوب الذى يهمها ولايهم غيرها فمعسكرات قوات الأمن بنوعيها لاتزال تحتل كثيرا من الأراضى فى داخل المدينة و على اطرافها الأمر الذى يمكن أن يتوفر منها مساحات كبيرة كمناطق خضراء بدلا من الأستثمار العقارى الكثيف الذى لاتحكمه قوانين تخطيطية أو تنظيمية . لقد دبت فوضى التعمير فى كل المناطق العشوائية منها أو التى تستثمر عشوائيا .

لقد حان الوقت لأن تأخذ  الدوله موقفا جادا فى هذا الشأن بعد أن تخلفت القاهره عن  غيرها  من المدن العربية التى تأخذ بمنطق التخطيط العلمى السليم .وإذا كانت الدولة وهى على مشارف نهضة إقتصادية كبيرة فلابد وأن تنعكس اهتماماتها على نهضتها العمرانية حيث يقيم البشر ويعمل ويتنفس .

إن خلخلة القاهرة تحتاج إلى إستراتيجية ثابتة لاثؤثر فيها التقلبات الوزارية وتراعى فى سياقها الجوانب الأقتصادية والإجتماعية والعمرانية  على مدى الابعاد الزمنيه المختلفه ، لقد تعرضت القاهره لكثير من   القرارات التنفيذية التى كانت تعالج المشاكل بعد تفاقمها، تبعا لظروف الحال . وليس فى إطار عملية  تنمويه متكامله لها أبعادها التنظيمية والإدارية والتنفيذية . فالتخطيط لا يفى بأهدافه مالم يجد له خططا تنفيذية وإستثمارية تضمن تسييره كعملية مستمرة تتعامل مع المتغيرات الطارئه ولكن فى إطار التوجه الإستراتيجى الثابت . لقد كانت القاهرة التى تضم 20% من سكان القاهرة كما مهملا على مر السنين الماضية وقد ترك مصيرها للأهواء المتعاقبة مع الأهتمام الزائد بالمناطق ذات الأهمية الخاصة كما بالنسبة لميدان التحرير الذى كان بمثابة لوحة رسم تقام فيه المشروعات ثم تمحى لتستقبل مشروعات اخرى ثم تمحى وهكذا إلى وقتنا هذا .. لقد فقدت المعادى طابعها الحدائقى وأنحسرت فيها الخضرة وأنتشرت فيها العمارات العالية دون أى أعتبار بيئى أو أجتماعى أو حضارى . بل غلبها الأستثمار بهدف جمع المال . كما فقدت ضاحية مصر الجديده طابعها و اصبحت يخجل منها حفيد البارون امبان. و فقدت مدينة نصر كيانها الذى خططت عليه. كما فقدت جاردن سيتى طابعها و فقدت الزمالك شخصيتها و تضخمت  منطقة المهندسين فى غفلة من المنطق التخطيطى عندما  أبديت فكرة زيادة الأدوار فى هذه المنطقة لمواجهة مشكلة الإسكان دون أى أعتبار لأى قواعد أو أسس أو هدف إستراتيجى .لقد وفرت الدوله لكل هذه المناطق الوسائل القانونيه التى ساعدت على تفاقم مشاكلها العمرانيه. لقد غاب إهتمام الدولة بالمدينة الكبيرة فترة طويله و أن كان  رئيس الدولة  قد امر بتشكيل لجنة لدراسة حالتها منذ خمس سنوات .. الا ان هذه اللجنة أنهت أعمالها  دون أن يشعر بها احد او ينتج عنها شيء .

وإذا كانت الدولة تهتم فى المقام الأول بالنهضة الأقتصادية فإن المردود العمرانى لهذه النهضة لايزال غائبا أو متغيبا ولم يدخل بعد فى إهتماماتها  اللهم إلا اخيرا بعد تشكيل اللجنة الوزارية لإعادة التوازن العمرانى والمعمارى التى يرجى ان يكون فيها الامل اذا ما اخذت الدعم  و الاهتمام. و ها هو مجلس المحافظين يصدر قراراته اخيرا فى 3/9/1997 بمنع البناء فى الاراضى الفضاء التى تمتلكها الدوله داخل كردونات المدن لاستعمالها مناطق خضراء   و يرجى أن يكون فى ذلك بدايه لتحقيق  الامل.

word
pdf