رسالة إلى وزير الثقافة

رسالة إلى وزير الثقافة2019-11-20T14:29:08+00:00

رسالة إلى وزير الثقافة

متى تمنح جوائز الدولة التقديرية والتشجيعية فى العمارة ؟

الدكتور عبد الباقي إبراهيم

رئيس مركز الدراسات التخطيطية والمعمارية

 

 

تغطى خريطة جوائز الدولة التقديرية والتشجيعية قطاعا عريضا من التخصصات الثقافية شاملة الفنون بكل أقسامها التشكيلية والموسيقية والسينمائية والعلوم الاجتماعية بكل جوانبها الصناعية والزراعية والتموينية والتسويقية والمالية… وفى كل هذه التخصصات لا نرى للعمارة وضعا على خريطة جوائز الدولة وكأن العمارة لم تصل إلى أهمية كل هذه التخصصات مع العلم بأنها بالنسبة للفنون تعتبر أم الفنون وبالنسبة للعلوم الاجتماعية تعتبر هى الغلاف الذى يوفر متطلبات المجتمع فى السكن والعمل والترويح… وهى بالنسبة للعلوم الاقتصادية تستنزف حوالى 40? من استثمارات الخطط الخمسية أو السنوية فى المبانى والإنشاءات وأى وفر فى أى جانب من الجوانب المعمارية يمثل حجما كبيرا فى اقتصاديات الدولة.. ومع ذلك فأهمية العمارة ودور المعمارى لم يصل بعد إلى قناعة المسئولين عن الثقافة فى مصر دون سائر دول العالم اجمع. فقد اعتبر المجلس الأعلى للثقافة العمارة كجزء من الفنون وان كانت هى أم الفنون.. وعندما أعطاها اعتبارها وخصص لها شعبة للعمارة لم يوفر المجلس ما يساعد على انتشار الثقافة المعمارية.. سواء بالنشر فى مجلات معمارية متخصصة أو البرامج التليفزيونية التى تدخل كل بيت لترفع من قيمته الفنية والمعيشية وتهيئ له بيئة سكنية صحية وتعاونه على البناء الذاتى واستثمار مدخراته البسيطة فى عمليات البناء حتى يخف الضغط على اقتصاديات الدولة. هنا وقف أهل العمارة فى شعبة العمارة مكتوفى الأيدى.. فحلت الشعبة وضمت فى التنظيم الجديد لشعبة الفنون التشكيلية والعمارة وبعد فترة طغت الأنشطة الفنية على الأنشطة المعمارية وأصدرت وزارة الثقافة على لسان وزيرها حكمها بإعدام العمارة إذ أن الوزارة لا تستطيع إعانة أى مجلة معمارية بحجة أنها لا تهم إلا عدد قليل من المعماريين.. وهنا وجد أهل العمارة أنفسهم خارج الدعوة الثقافية للوزارة.. ويعود المجلس الأعلى للثقافة بعد ذلك لفصل شعبة العمارة عن شعبة الفنون التشكيلية كما كان من قبل.. وتتكرر المأساة.. والعمارة لا تجد صاحبا.

وللعمارة فى كل المنظمات المهنية والعلمية فى العالم جوائزها.. التقديرية والتشجيعية إلا فى مصر.. ومن العجب العجاب أن المنظمات المعمارية فى العالم تهدئ جوائزها إلى أحد رواد العمارة فى مصر.. وهو المهندس حسن فتحى فى حين منحته الجهات المسئولة عن الثقافة فى مصر الجائزة التقديرية فى الفنون باعتبار العمارة أحد الفنون.. وبعد ذلك توقف الاعتراف بالإنتاج المعمارى ومن ثم بالمعمارى نفسه وأصبحت جوائز الدولة التقديرية للفنون تمنح لبعض الشخصيات بحكم السن والوظيفة.. أما الجوائز التشجيعية فهى لا تزال بعيدة عن أعين المعماريين المصريين.

والعمارة فى مصر لا تجد لها صاحب.. فهى من الناحية المهنية تعتبر عملا هندسيا يقع فى نطاق اختصاص نقابة المهندسين التى ليس لها مثيل فى العالم. وللعمارة فيها شعبة خاصة. وهنا … تفقد العمارة جانبها الحضارى والثقافى. ومن ناحية الجوائز التشجيعية تعتبر عملا هندسيا تختص به أكاديمية البحث العلمى مع العلوم الهندسية الاخرى. . وهى ليست كذلك فى أى بلد من بلاد الدنيا. ومن الناحية العلمية تعتبر من اختصاص جمعية المهندسين المعماريين بصفتها الهندسية أولا وبصفتها المعمارية ثانيا.. وهى جمعية لا حول لها ولا قوة.. تعيش على الإعانات القليلة وعلى اشتراكات أعضائها المائة فى حين أن فى مصر خمسة عشرة ألف معمارى. وفى الناحية الثقافية فهى من اختصاص المجلس الأعلى للثقافة حيث يتأرجح وضعها كل حين وآخر مع الفنون التشكيلية بالضم أو الفصل والعمارة فى مصر بخلاف كل بلاد العالم ليس لها أب شرعى واحد يرعاها مهنيا وعلميا وثقافيا….. من هنا قام المؤتمر الدائم للمعماريين المصريين ليأخذ هذه المهمة السامية.

وعودة إلى الجوائز المعمارية نجد أن العالم يهتم بالعمارة العربية أكثر مما يهتم به العرب أنفسهم.. فهناك الغرفة التجارية البريطانية العربية تمنح جوائز معمارية لأحسن عمل معمارى وأحسن بحث معمارى فى العالم العربى ومؤسسة الاغاخان للعمارة الإسلامية ويرأسها زعيم الطائفة الإسماعيلية تمنح جوائز معمارية للمشروعات التى تلتزم بالشكل المعمارى التراثى بغض النظر عن المضمون الحضارى للإسلام.. وهناك الاتحاد الدولى للمعماريين الذى يمنح جوائزه المعمارية للشخصيات المعمارية البارزة فى العالم وبدأهم بالمهندس المصرى حسن فتحى. وهناك الأمم المتحدة التى تمنح جوائزها للمساهمين فى عمارة الفقراء وقد حصل عليها المهندس حسن فتحى أيضا الذى حصل من قبل على عدة جوائز معمارية من منظمات إيطالية وفرنسية وأمريكية.. وحسن فتحى بذلك يعتبر ظاهرة لم تتكرر فى مصر على مدى نصف قرن من الزمان وربما لا تتكرر بعد ذلك إذا استمرت العمارة فى مصر لا تجد لها الأب الشرعى الذى يرعاها مهنيا وعلميا وثقافيا كما هو الحال فى كل دول العالم.

ومن المفارقات الغريبة أن تجد أفواجا من طلبة كليات العمارة فى العالم يفدون مع أساتذتهم إلى مصر بحثا عن القيم الحضارية والفنية فى العمارة المحلية ينهلون من نبعها الفياض الذى لا يعطيه المسئولون عن العلوم والثقافة فى مصر نفس الاهتمام… وعندما بدأ الغرب يهتم بعمارتنا المحلية.. بدأنا نعى لأنفسنا وندرك مدى تخلفنا عن ركب الحضارة المعاصرة.. وعندما بدأ الغرب يمنح أحد روادنا المعماريين الجوائز التقديرية.. بدأنا نعى لأنفسنا وندرك مدى إهمالنا لأنفسنا… وليس أمام المسئولين عن الثقافة فى مصر إلا أن يعلنوا عن الجوائز المعمارية التقديرية والتشجيعية فى مصر لأحسن عمل معمارى متكامل الجوانب الفنية والاجتماعية والاقتصادية.. وأحسن بحث معمارى متكامل يهدف إلى الارتقاء بالبيئة الحضارية المصرية فى ضوء المحددات الاجتماعية والاقتصادية. وأحسن جهد معمارى فى مجال التأليف والنشر والتثقيف.
هنا فقط تسترجع العمارة المصرية شخصيتها الحضارية التى فقدتها… وهنا تعود إلى المعمارى المصرى كرامته وذاته.. وتعود إلى الحضارة المصرية صورتها المشرقة التى علمت العالم ولا تزال تعلمه.

word
pdf