رضاهم غاية لا تدرك

رضاهم غاية لا تدرك2019-12-02T12:10:46+00:00

رضاهم غاية لا تدرك

بين الإستشارى والمقاول

  أ.د عبد الباقي إبراهيم

رئيس مركز الدراسات التخطيطية والمعمارية

 

 

 

العلاقة بين الاستشارى والمقاول استمرت فترات طويلة من الزمن تشوبها الحساسية والتحفز وهو ما قد يصل بها فى بعض الأحيان إلي التصادم والخلاف، فالاستشارى يضع تصميماته ومواصفاته واشتراطاته كما يراها من وجهة النظر الفنية البحته دون إدراك للمتغيرات الاقتصادية والمتقلبات فى سوق البناء والتشييد، الأمر الذى لا يستطيع المقاول مواجهته فى الدول التى لا تنعم بالاستقرار الاقتصادى والسياسى كما أن الاستشارى يضع من التفاصيل والتصاميم ما يراه صالحا للمشروع بغض النظر عن الإمكانات المحلية فى التنفيذ وتوفر العمالة القادرة على الإنجاز والاتقان. والمقاول من ناحية أخرى يسعى إلي تحقيق أكبر عائد ممكن من اعماله سالكا فى ذلك مختلف الطرق والأساليب ومرتكنا إلي أضعف الثغرات فى الشروط والمواصفات، ويرجع ذلك فى مجمله إلي تخلف معظم المكاتب الاستشارية العربية عن مواكبة نظيراتها فى الدول المتقدمة من حيث الجوانب التنظيمية والإدارية والمالية والفنية والتعاقدية وهو ما توفره لها المنظمات التى ترعى هذه المكاتب من إصدارات وكتيبات تهدف إلي الارتقاء بمستوى الأداء لهذه المكاتب وفتح الأسواق المحلية والعالمية أمامها حتى غزت الدول العربية وتضاءل بالتإلي دور المكاتب الاستشارية العربية فى السوق الاستشارية خاصة بالنسبة للمشروعات الكبرى أو المشروعات التى تدعمها المساعدات الأجنبية. وعلى الجانب الآخر ظلت مهنة المقاولات لفترة طويلة يحركها المجتهدون ممن لا مهنة لهم … فهى تضم خليط من البشر تسلق جدار المقاولات من خلال الممارسات البدائية بلا قاعدة فنية أو ادارية أو تنظيمية أو مالية بخلاف مثيلاتها فى الدول المتقدمة وهكذا ارتبط الضعف التنظيمى والادارى والفنى والتعاقدى لمعظم المكاتب الاستشارية العاملة بالضعف التنظيمى والادارى والفنى والتعاقدى فى قطاع المقاولات وكانت النتيجة هذا الانهيار العمرانى الذى تشهده العديد من المدن العربية مع اهدار الموارد وضعف استثمارها. وقد بدأ الخروج من هذا المأزق فى مصر بإنشاء الاتحاد المصرى لمقاولى التشييد والبناء فى محاولة للارتقاء بمستوى هذه المهنة فنيا وتنظيميا وإداريا. هذا فى الوقت الذى لم يتقدم فيه الاستشاريون فى مصر بإنشاء اتحاد يجمعهم ويسعى إلي الارتقاء بمستوى أدائهم تنظيميا وإداريا. إن الارتقاء بمستوى المهنة الاستشارية مع الارتقاء بمستوى مهنة المقاولات سوف يفرز فى النهاية جوا من الثقة فى العمل والارتقاء بالأداء، وبذلك يسهل أن يجتمع الاستشارى والمقاول على كلمة سواء … فهما يمثلان وجهى عملة البناء والتشييد والارتقاء بوجه لابد وأن يواكبه ارتقاء بالوجه الآخر، وإلا فقدت العملة صلاحيتها، ويبقى أمام الاتحاد المصرى لمقاولى التشييد والبناء أن يقدم لأعضائه من الإصدارات والتوجيهات ما ينفعهم فنيا وتنظيميا وإداريا ويسعى فى نفس الوقت لإنشاء الاتحاد المصرى للمكاتب الاستشارية الذى يقدم لأعضائه من الإصدارات والتوجيهات ما ينفعهم ويرتقى بهم فنيا وتنظيميا وإداريا، وبهذا يرتقى الجانبان فى صورة متوازنة بتفهم كل طرف التزامات ومتطلبات الطرف الثانى وبذلك يصبح رضا المهندس غاية تدرك من قبل المقاول ورضا المقاول غاية تدرك من قبل الاستشارى. وعندئذ تقوم الثقة عند المنظمات العربية والمؤسسات المالية فى كل من الاستشارى العربى والمقاول العربى القادرين على منافسة نظرائهم من الاستشاريين والمقاولين الأجانب سواء فى السوق العربية أو السوق الدولية وخاصة فى الدول الأفريقية والآسيوية. إن الارتقاء بالأعمال الاستشارية والارتقاء بأعمال المقاولات هما فى حقيقة الأمر أساس هام للتنمية الاقتصادية والاجتماعية للدولة، الأمر الذى يجب أن تعيه وهى تشاهد حركة التقدم المتنامية فى دول النمور الخمس فى جنوب شرق آسيا والتى تقدم المثل الطيب والنموذج العملى لتقدم الدول النامية. واذا كان الاتحاد المصرى لمقاولى البناء والتشييد قد بدأ خطواته الأولى للارتقاء بمستوى هذه المهنة، فإن ذلك لابد وأن يستكمل بقيام الاتحاد المصرى للمكاتب الاستشارية بنفس المقومات التشريعية والقانونية التى تهدف إلي الارتقاء بمستوى المهنة الاستشارية… وهنا يمكن تطبيع العلاقة بين المقاول والاستشارى وترتقى صناعة البناء والتشييد التى تمثل ما يقرب من نصف الاستثمارات فى برامج التنمية الاقتصادية والاجتماعية للدولة…

word
pdf