زحف العمران الصناعى على الأرض الخضراء

زحف العمران الصناعى على الأرض الخضراء2019-12-12T08:54:42+00:00

زحف العمران الصناعى على الأرض الخضراء

الدكتور عبد الباقى إبراهيم

 

الأهرام 4/3/1986

فى الوقت الذى تعمل فيه الدولة بكل قواها لزيادة الرقعة الزراعية فى البلاد سواء أكان ذلك عن طريق إستصلاح الأراضى البور أو عن طريق تعمير الصحارى وتهيئة المناطق الجديدة لإستقبال مياه السد العالى ، نشاهد المدن المصرية وهى تزحف مندفعة على الأراضى الزراعية مستقطعة منها مساحات شاسعة دون ما رقيب أو قوة تكبح جماحها .

حديـث الأرقـام
تشير الأرقام إلى مدى تضخم المدن المصرية التى زاد عدد سكانها بمقدار مرة ونصف مرة على ماكانت عليه منذ ربع قرن مضى ، فالمدن المصرية تستوعب فى الوقت الحاضر حوالى 38% من جملة السكان بالبلاد ، ومع الزيادة المستمرة فى عدد السكان بمعدل نصف مليون نسمة فى العام نجد أن معدل الزيادة فى سكان المدن يبلغ حوالى أربع مرات معدل الزيادة فى سكان الريف ، وتنعكس هذه الظاهرة بدورها على الإمتداد العمرانى لهذه المدن على حساب ما يحيط بها من الأراضى الزراعية التى لا تستطيع أن تتسع بالمعدل الذى يقابل هذا التضخم ، ففى الوقت الذى بلغ فيه تضخم المدن حوالى مرة ونصف مرة على ماكانت عليه من ربع قرن ، نجد الأراض الزراعية قد زادت بمقدار 10% وفى نفس الوقت تدل الأحصائيات على أن المدينة المصرية سوف يتضاعف سكانها فى الخمسين سنة القادمة بمعدل يقارب معدل الزيادة فى الرقعة العمرانية ، فإذا ماتركت المدن المصرية بعد ذلك على حريتها فى التوسع والإمتداد فإن ذلك سوف يكون على حساب الأراضى الزراعية التى هى عنصر من عناصر الإنتاج بالبلاد وسوف تلتهم منها ما يقرب من 30 ألف فدان فى الخمسين سنة القادمة ، وذلك إذا ماإستثنينا من هذه المدن تلك التى تتيح لها الظروف أن تمتد فى غير الأراضى الزراعية .

والقريـة أيضـاً
أما بالنسبة للقرى فإن معدل إمتدادها العمرانى يبلغ حوالى 1% فى العام وهذه نسبة بسيطة إذا قيست بمعدل الإمتداد العمرانى للمدينة ، فقد دأب إمتداد القرية على أن يسير فى أضيق الحدود وذلك بسبب حرص الفلاح على كل شبر من الأراضى الزراعية ، وهكذا أصبحت القرية المصرية كتلة سكنية متماسكة ، وإذا سار تخطيط القرية المصرية بعد ذلك على أساس مناطق الإمتداد الجديدة دون أن يعوض عنها من المساحة الحالية للقرية شىء فإن هذه القرى قد تستقطع فى تخطيطها الجديد حوالى 40 الف فدان بمعدل عشرة أفدنة للقرية الواحدة .

الأراضـى الصحراويـة
وهكذا نجد أن المدن والقرى المصرية فى إمتدادها فى المستقبل قد تستقطع حوالى 70 الف فدان من الأراضى الزراعية الخصبة بطميها وإنتاجها ، الأمر الذى يجب تداركه من الآن فى عمليات التخطيط الإقليمى فى الدولة بإعادة توزيع السكان والتجمعات السكنية على حساب الأراضى الصحراوية .
إن جذور المشكلة لا تزال تكمن فى تزايد السكان فى المدن وتضخم عددهم بسبب زيادة معدل الهجرة من الريف إليها عن معدل الهجرة خارج هذه المدن وقد يستلزم التخطيط الإقليمى للبلاد بعد ذلك توزيع السكان والتجمعات السكنية إلى خارج المناطق الزراعية أو إلى حدودها الشرقية والغربية ، وربما تطلب هذا الإتجاه توجيه التجمعات الصناعية الجديدة إلى حدود الوادى الأخضر لتجذب إليها الأيدى العاملة من المناطق المزدحمة فى مدن الدلتا أو الصعيد بدلاً من أن تتجه إلى الأيدى العاملة فى تجمعاتها المتضخمة وبهذا يمكن تخفيف الضغط الكبير على الأراضى الزراعية ويقل كذلك الزحف العمرانى عليها .

سـوء حالـة الإسكـان
وتدل الدراسات التحليلية فى تخطيط المدن والقرى المصرية على أن المشكلة ليست فى درجة التزاحم فى السكان بقدر ماهى فى سوء حالة الإسكان بها ، فإذا ما قدرنا الكثافات السكانية بالحد الأقصى الذى يتناسب مع ظروفنا وإمكانياتنا المحلية فإن الدراسات التخطيطية فى هذا المجال تشير إلى أن المساحة التى قد تحتاجها مضاعفة سكان المدينة فى الخمسين سنة القادمة يمكن حصرها فى حدود 40% من مساحتها الحالية ، وطبقاً لهذا التفكير يصبح معدل إمتداد المدينة فى المتوسط حوالى 3,3 فدان على ألف نسمة ، ويزيد هذا المعدل الى ما يقرب من 4,5 فدان اذا ما ادخلنا فى الإعتبار حسابنا لمقدار الإمتداد فى مساحات المناطق المفتوحة والمدارس والمبانى التجارية والعامة .
وعلى هذا التقدير فإن المساحة التى قد تستقطعها المدن الواقعة وسط الأراضى الزراعية تبلغ حوالى 12 ألف فدان فى إمتدادها المستقبلى والمشكلة بعد ذلك تنحصر فى توجيه هذه الإمتدادت خاصة فى الإتجاه الرأسى .
وتدل الدراسات التخطيطية كذلك على أن المساحات الحالية للقرى تستطيع أن تستوعب السكان الحاليين بها فى التخطيط الجديد لها ، على أن يقابل إمتداد هذه القرى فى الإتجاه الرأسى فى الدور الثانى لمبانيها السكنية ، كما تدل هذه الدراسات كذلك على أن المسارات الحالية للمدن تستطيع أن تستوعب فى تخطيطها الجديد حوالى 15% زيادة على سكانها الحاليين إن لم يكن أكثر إذا ما أعيد تخطيطها على أساس سليم وخطة إسكانية واضحة تصمم فيها الوحدات السكنية بحيث تستوعب الحد الأدنى لمستلزمات الحياة مع تنظيم وسائل المعيشة للسكان لعمل نماذج موحدة من الأثاث تتناسب مع التصميمات المعمارية وعلى أن نبنى إقتصاديات خطة الإسكان على أساس تطور صناعة البناء فى البلاد بعمل نماذج موحدة لمختلف التركيبات المعمارية والإنشائية وبذلك تنخفض تكاليف الإنشاء إلى أقل حد ممكن بالإضافة إلى سرعة التنفيذ وسهولته .

إنه لا يزال أمامنا فى هذا الشأن طريق طويل فى مجالات الأبحاث النوعية والدراسات التخطيطية ، ليس فقط حتى نستطيع بناء مدننا الجديدة مع المحافظة على كل شبر من الأراضى الزراعية المحيطة بها بل حتى نستطيع بناء الريف وأن نقرب فيما بين بيت الفلاح الذى ورثه منذ آلاف السنين والمعمل الذرى الذى يعمل للمستقبل .

word
pdf