سوء التصرف المحلى فى سوق القاهرة الدولى

سوء التصرف المحلى فى سوق القاهرة الدولى2019-12-02T12:47:58+00:00

سوء التصرف المحلى فى سوق القاهرة الدولى

     د. عبد الباقي إبراهيم

 

الأهرام الاقتصادى 28/6/1993

 

لقد حان الوقت لأن تتحول الهيئة العامة للمعارض والأسواق الدولية إلي شركة خاصة تساهم فيها الدولة بالأرض والمبانى وتتولى الشركة استثمار هذا المشروع الكبير الذى بدأ انشاؤه عام 1962 وافتتح رسميا عام 1972 ، وتدهورت حالته حتى انضم بجدارة إلي أسرة المناطق العشوائية بعد أن نشأت فيه العديد من المحلات التجارية المنشأة بكل أنواع المواد من الخشب الحبيبى إلي الطوب والخرسانة دون تخطيط أو تنسيق أو تجانس وبلا مراقبة أو مراجعة الأمر الذى أهله للحصول على لقب العشوائية.

وكتبت عنه مؤسسة الاستا للسياحة تقريرا يسىء إلي سمعة مصر قبل أن يسىء إلي السوق الدولية نفسها الأمر الذى حدى بالهيئة الخاصة بقاعة المؤتمرات الدولية فى مدينة نصر المجاورة للسوق الدولية أن تقوم ببناء قاعة كبيرة للمعارض الدولية ملصقة بها وسوف تقضى قضاء مبرما على ما تبقى من السوق الدولية الذى بدأت أوصاله تتقطع بين مجموعة من الاستعمالات. فقد تحولت احدى صالاته الكبيرة إلي محكمة لأمن الدولة وتحولت مبانى العرض الزراعى إلي مجموعة من الأكشاك والمحلات التجارية الصغيرة. وتم التعامل مع المشروع الذى أحكم تخطيطه وتصميمه بطريقة عشوائية لا نظام فيها ولا إنتظام.

فقد تحولت منطقة المركز الثـقافى والترفيهى (المسرح وصالة العرض والمطعم) إلي مجموعة من المبانى المتنافرة. وتحول موقع الصالة الكبرى رقم (1) إلي حديقة فقيرة التنسيق. واختفى البرج رمز السوق من الصورة الحضارية للمشروع. وعندما أنشئت الصالة المغطاة بمضامنها فى منطقة استاد القاهرة وعلى الجانب الشرقى للسوق تراجعت صورة السوق الدولية التى لم تجد الرعاية أو العناية على مدى عشرين عاما تدهورت فيها مرافق السوق ومبانيه. ولا يكاد يستوعب معرض الكتاب لمدة أسبوعين فى السنة كما يستوعب المعرض الصناعى لمدة أسبوعين آخرين وتبقى مرافق السوق تنعى من بناها … وتأتى بعد ذلك الهيئات الحكومية تستقطع الأوصال المتبقية من السوق لتبنى عليها مجموعات من المبانى المتنافرة والمتواضعة معماريا.

وأخيرا دخلت وزارة الثـقافة لتجرب حظها فى محاولة لاستغلال مبنى الحلبة الدائرى الذى صمم ليكون معرض الحيوان الملحق بالمعرض الزراعى المصمم فى المخطط العام للمشروع – والحلبة فى شكلها الحإلي لا تصلح إلا لرقص الخيل أو لعرض الفنون الشعبية أو كحلبة للملاكمة أو ساحة للتزحلق على الجليد – ويحيط بمبنى الحلبة مجموعة متنافرة من المبانى التى خصصت لعرض شركات الأثاث والبلاستيك والأدوات المنزلية والمنظفات وأكشاك المأكولات وهى تمثل محيطا عشوائيا لمبنى الحلبة الذى ترى فيه وزارة الثـقافة ضالتها لتحويلها إلي قاعة للعروض السيمفونية والبإليه … وشر البلية ما يضحك … ولم تلجأ إدارة السوق إلي هذا الابتذال إلا لعدم قدرتها على استثمار مبانى السوق الأمر الذى عرضها إلي الملاحظات المستمرة من جهاز المحاسبات وخاصة من الإدارة المركزية لمتابعة الخطة وتقييم الأداء…

السوق الدولية هى الواجهة الاقتصادية لمصر … أو هو بمثابة فاترينة مصر … على العالم الخارجى الأمر الذى يستدعى مراجعة مستقبله استثماريا وعمرانيا حتى يتناسب مع عصر النهضة المصرية وموقعها على الخريطة التجارية للعالم … وهنا يختلف أسلوب التسويق لاستغلال السوق فى إطار التكامل الاقتصادى العربى من ناحية وإطار حركة التجارة الدولية من ناحية أخرى … وبذلك يمكن زيادة استغلال صالات السوق ومرافقه بعد تطوره ليواكب العصر … كما هو الحال فى منطقة الأسواق الدولية فى العالم التى لا تهدأ حركتها على مدار العام الواحد.

فتستغل بعض الصالات لمعارض نوعية حتى تستعد الصالات الأخرى لاستقبال غيرها … وهكذا … فمن العبث أن يتوقف نشاط السوق طوال عشرة أشهر دون استغلال سياحى أو ترفيهى أو ثـقافى أو تجارى الأمر الذى يتطلب عقلية جديدة ومجددة لاستثمار هذا الموقع الهام فى القاهرة الذى يتكامل مع قاعة المؤتمرات الدولية من ناحية- واستاد القاهرة والصالة المغطاة والبانوراما من ناحية ثم أرض مستشفى الأمراض العقلية المزمع نقله واستثمار موقعه كمدينة كبيرة للملاهى من ناحية أخرى كما اقترحت ذلك المجموعة الاستشارية التى خططت السوق وصممت مبانيه .

إن هذه المنطقة الرياضية الثـقافية التجارية الترفيهية لابد من إعادة صياغتها من جديد بصورة متكاملة كما خطط لها عام 1968. وإذا كانت الدولة قد بدأت فى برنامج التحرر الاقتصادى وشرعت فى برنامج الخصخصة لمعظم مشروعاتها وشركاتها … فسوق القاهرة الدولية الذى يمثل 12. فدانا من الأرض هو الأولى بهذه الخصخصة والمستثمرون على الأبواب قادمون إذا ما أعدت لهم دراسات الجدوى الاقتصادية لاستثمار مبانى السوق ومرافقه والأمثلة أمام المسئولين كبيرة من حولنا فى العالم العربى وحول ما حولنا فى العالم الثالث والدول المتقدمة.

أن أخشى ما نخشاه أن يتحول سوق القاهرة الدولية فى يوم من الأيام سوق للجمال أو محطة كبيرة لأتوبيسات الأقاليم أو ورش لصيانة السيارات أو موقع للمعدات الثـقيلة أو سوق للخضار والأبقار … كبديل لسوق المطرية الأسبوعى. فمن العجيب أن ندعو إلي جذب الاستثمار من الخارج وفى أيدينا لا ندرى كيف نستفيد منها أو نستغلها فيما ينفع الدولة والمجتمع.

إن الزائر لسوق القاهرة الدولية فى الأيام المعدودة لافتتاحه سواء للمعرض الدولى للكتاب أوللمعرض الصناعى يرى مدى الاهتراء الذى وصلت إليه مبانيه ومرافقه حتى أصبح صورة منفرة بدلا من أن يكون صورة جاذبة لجموع الشعب ليستزيد ثـقافة أو ترفيها أو ترويجا فى مواسم العرض أو فى المناسبات القومية والدينية والشعبية..

وهنا يتفتق الذهن عن العديد من الأنشطة التى تدعم هذا الاتجاه – الحدائق الغناء والنافورات الراقصة بالموسيقى … استعراضات الفنون الشعبية … ساحات الباتيناج المطاعم والمقاهى الشعبية وقصص أبو زيد الهلإلي والأراجوز للأطفال والكبار … ملاعب لفرق الكرة الشراب معارض الفنون التشكيلية . الخريطة المجسمة الكبيرة لمصر وعليها كافة المعالم السياحية والعمرانية … معروضات الأسر المنتجة والانتاج الحرفى للشباب .

هنا تتوفر فرص كبيرة للعمل فى الضيافة والاستقبال والارشاد فى الصيانة والتشغيل فى الادارة والتنظيم … هنا يمكن أن ينمو عالم آخر ملىء بالأضواء والابهار … عالم يجذب إليه السياحة الخارجية كما يجذب إليه السياحة الداخلية … عالم يجد فيه الشباب متنفسا للحركة والانطلاق المنضبط.  عالم يرى فيه المجتمع ماضيه وحاضره ومستقبله على خريطة مصر المجسمة بنيلها وآثارها وثرواتها وارتباطاتها الاقليمية والدولية .. هذه مجموعة من الأفكار التى يمكن أن يوفرها موقع سوق القاهرة الدولية للمستثمرين من الداخل والخارج. ويمكن لوزارة الاقتصاد والتجارة الخارجية أن تقدم على فترة جديدة لاستثمار هذا السوق بتنظيم ندوة عالمية يعد لها بدقة وعناية يدعى إليها المستثمرون ليروا بأنفسهم امكانيات المكان والزمان فى هذه البقعة الجميلة من قلب القاهرة النابض بالحياة  ولتكن هذه دعوة مسبقة للمستثمرين من أصحاب المصانع فى مدينتى العاشر من رمضان والسادس من أكتوبر لاستثمار فاترنية مصر على مر أيام السنة من خلال الصورة الثـقافية والحضارية لمصر السبعة آلاف سنة.

word
pdf