شارع الأزهر … بين الثقافة والتعمير

شارع الأزهر … بين الثقافة والتعمير2019-11-28T09:24:52+00:00

شارع الأزهر … بين الثقافة والتعمير

دكتور / عبد الباقى إبراهيم

رئيس مركز الدراسات التخطيطية والمعمارية

 

        على الصفحة الأولى من جريدة الأهرام 28/11/1996 عنواناً يقول – تقرير لمبارك حول إعادة تخطيط منطقة الحسين والأزهر – نفق لمرور السيارات تحت الميدان وتخصيص شوارع للمشاه – جاء هذا الخبر عن تصريح للدكتور إبراهيم سليمان وزير الإسكان بأن الرئيس مبارك طلب تطوير السياحة الدينية فى منطقة الحسين والجامع الأزهر ذات الطبيعة الخاصة. مع تقديم تقريراً مفصلاً لسيادته حول هذا المشروع الضخم فى ليلة القدر .. والمعروف أن الحكومة قد إعتمدت مبلغ 50 مليون جنيه لتنفيذ المرحلة الأولى من ترميم الجامع الأزهر. وأن مشروع تطوير منطقة الأزهر قد إنتهت الوزارة من تصميمه وهو يتضمن تحويل المساحة الواقعة بين مسجدى الأزهر والحسين إلى مساحة للمشاه فقط بعد إقتراح مبنى مشيخة الأزهر الحالية وإنشاء نفق لمرور السيارات تحت الميدان بنقلها من كوبرى الأزهر إلى طريق صلاح سالم .

          وقد بدأت دراسة هذا المشروع منذ أكثر من عامين بواسطة مجموعة من المهندسين والمخططين والخبراء المصريين. وذلك من خلال جهاز القاهرة الفاطمية التابع لوزارة الإسكان والتعمير وبالتنسيق مع محافظة القاهرة التى لديها جهاز مشابه لتطوير القاهرة القديمة.

          وعلى الصفحة الأولى من جريدة الأخبار 1/12/1996 أى بعد ثلاثة أيام من نشر الخبر السابق، نشر العنوان التالى بالبنط العريض : مشروع عالمى متكامل لتطوير منطقة الأزهر- نفق لعبور السيارات من ميدان الأوبرا إلى صلاح سالم . صرح بذلك فاروق حسنى وزير الثقافة بأن الوزارة قامت بالإشتراك مع برنامج التنمية التابع للأمم المتحدة بعمل دراسة متكاملة لكيفية تطوير منطقة الأزهر والحسين تم فيها الإتفاق على العناصر الأساسية للشكل النهائى للمنطقة بما يتناسب مع أهميتها المعمارية الأثرية والدينية. يتضمن الحفاظ على طابع المنطقة والصناعات الحرفية الشهيرة والمنازل القديمة. وأكد الوزير أن فريدريكو مايو “ رئيس منظمة اليونسكو العالمية ” قد وعد بتقديم كافة الخبرات الدولية اللازمة فى مجال الترميم الأثرى وتخطيط المنطقة. وإقترحت الدراسات عمل نفق لمرور السيارات بدأ من ميدان الأوبرا إلى شارع صلاح سالم بحيث تخصص شوارع المنطقة للمشاة فقط ويتم الحفاظ على الطابع الإسلامى والحرفى للمنطقة .

          وعن خطورة حفر نفق فى المناطق الأثرية قال الوزير أن هذه التجربة تم تنفيذها من قبل فى روما حيث المبانى الأثرية ترجع إلى القرن الثانى عشر وفى منطقة ” الهال ” والحى اللاتينى فى باريس وكثير من المناطق الأثرية العالمية التى يرجع بعضها إلى ألف سنة .. ويختتم الوزير فاروق حسنى تصريحه بأنه يتم التنسيق مع وزارة الإسكان والتعمير وجهاز القاهرة الفاطمية بنفس الوزارة ومحافظة القاهرة فى عمل تصور كامل لتطوير منطقة الأزهر والحسين .

          ومع هذه الإزدواجية فى الآراء والدراسات التى يتم بعضها فى وزارة التعمير والإسكان وجهاز القاهرة الفاطمية ويتم مثلها فى وزارة الثقافة ومنظمة اليونسكو. تتضح صورة التضارب فى الإختصاصات وتشتيت الجهود وغياب القرار الصحيح. ويتسائل المرء ما هى الدراسات التى سوف تقدم إلى السيد الرئيس مبارك فى ليلة القدر. هل هى دراسات وزارة الإسكان أو هى دراسات وزارة التعمير ؟ .. وصدق خبراء البنك الدولى وعلى رأسهم الدكتور إسماعيل سراج الدين عندما قدموا للدولة عام 1985 إقتراحاً إستعداد البنك لتمويل مشروع تطوير القاهرة الفاطمية بمبلغ 400 مليون دولار بشرط واضح وصريح هو أن يتم إنشاء هيئة مستقلة لتطوير هذه المنطقة تنتقل إليها بقرار جمهورى إختصاصات وزارات الثقافة والتعمير والأوقاف والمحافظة فيما يخص هذه المنطقة المحددة بحدود واضحة. وفضلت الدولة فى ذلك الوقت تفتيت أعمال التطوير والحفاظ على آثار القاهرة الفاطمية وتوزيعها على عدد من المنظمات والهيئات تعمل كل منها فى إتجاه دون رابط أو ترابط فأقامت المعونة الأمريكية مركزاً خاصاً بها متعاقد مع المكاتب الإستشارية الأجنبية فى تنفيذ مشروعاتها فى المنطقة الجنوبية من قاهرة العصور الوسطى ويدخل برامج الأمم المتحدة بمشروع آخر .. ثم تأتى المعونة الألمانية بمشروع ثالث ثم المعونة الفرنسية بمشروع رابع والمعونة الإيطالية بمشروع خامس .. وجميعها لن يصل إلى حل وتبقى قاهرة العصور الوسطى خاضعة للبحوث والدراسات والمسوحات والإقتراحات والآراء والتصريحات دون أى عمل تنفيذى فى الواقع العملى من خلال برامج تنفيذية وإستثمارية يمكن أن تقوم من خلالها الجهات المتاحة بالعمل كل فى نطاقه فى إطار المخطط التنفيذى للمنطقة .

          لقد تكررت الدعوات إلى هذه الصيغة العملية التى أقرها خبراء البنك الدولى ولكن يظهر أن كل وزارة أو جهة حكومية تريد أن تسثأثر بالمشروع حتى يكون لها السبق فى الإعلام والدعاية بلا أى نتيجة عملية فى الواقع. لقد أخذت الدولة بتركيز الإختصاصات فى الهيئات الهامة مثل الهيئة العامة للإستثمار وإدارات تنظيم البناء التى تتولى كل الموافقات .. فقد حان الوقت لأن تتوحد جهود العمل فى قاهرة العصور الوسطى فى هيئة عامة تتولى كل إختصاصات الوزارات والهيئات فيما يخص تطوير هذه المنطقة الهامة فى قلب القاهرة والعالم. ذلك تمشياً مع السياسة الحكيمة والعملية التى يتوخاها السيد الدكتور كمال الجنزورى رئيس الوزراء فى جميع توجهاته العملية .

          وإذا كانت الدولة فى حاجة إلى خبراء دوليين فى هذا المجال فهناك العديد من الخبرات المصرية التىعملت وتعمل على المستوى الدولى فى مصر والخارج فى مثل هذه المشروعات وهم أقدر من غيرهم وأنفع ولن يتأخروا عن خدمة مصر إذا ما دعوا .. إن مثل هذه المشروعات القومية تحتاج إلى جهود كل العلماء والخبراء من مختلف التخصصات. إن مشروع تطوير قاهرة العصور الوسطى الذى يوفر لمصر دخلاً كبيراً فى السياحة لا يقل أهمية عن مشروع ترعة السلام أو الدلتا الجديدة الذى يوفر مجالات كثيرة من التنمية.

لقد حان الوقت لأن تدرك الدولة مدى الأهمية القومية فى تطوير قاهرة العصور الوسطى القلب الحضارى للدولة.

word
pdf