شركات خاصة لتنمية المناطق والمجتمعات الجديدة

شركات خاصة لتنمية المناطق والمجتمعات الجديدة2019-11-25T11:37:25+00:00

شركات خاصة لتنمية المناطق والمجتمعات الجديدة

   د.عبد الباقي إبراهيم

 

في الوقت الذي يبدأ فيه تنفيذ قانون شركات قطاع الأعمال بهدف فصل الإدارة عن الملكية لتحرير شركات القطاع العام بالقدر الذي يمكنها من تحقيق أهدافها .. وبداية لمشاركة القطاع الخاص في ملكية بعض أسهمها. وفي الوقت الذي تسعى فيه الدولة لبيع المشروعات المحلية وتعظيم دور القطاع الخاص في بناء الاقتصاد القومي, لايزال هناك الكثير مما يتطلب التطوير لتحرير الاقتصاد القومي ومنها المدن والمجتمعات السكنية الجديدة التي لاتزال تدار بإسلوب القطاع العام, الأمر الذي حد من نموها وتحقيقها أهدافها في جذب الفائض السكاني من المناطق المزدحمة في المدن القديمة وتوفير عوامل الاستيطان البشري فيها. لقد دأبت العديد من دول العالم على نقل مسئولية التنمية العمرانية للمناطق الجديدة أو المتخلفة إلى شركات خاصة تعمل على تنميتها بالأسلوب الاستثماري في إطار الاقتصاد الحر كما في أمريكا, وفي إنجلترا على سبيل المثال عملت حكومة تاتشر على تحديد المناطق المتخلفة في أرجاء الدولة وخصصت لكل منها هيئة تنمية تعمل بإسلوب القطاع الخاص, تتعامل مع آليات السوق في إطار النظم العامة للتنمية العمرانية, فلم يعد التخطيط العمراني دراسات جامدة تبنى على أساس أرقام ومعادلات جامدة بل أصبح عملية مستمرة تتولاها أجهزة قادرة على توجيهها ودفعها حتى تصل إلى أهدافها الاستثمارية. لقد تعلمت إنجلترا الدرس من مدنها الجديدة وغيرت من سياستها في التنمية العمرانية حتى تصبح مكونا في برامج التنمية الاقتصادية الاجتماعية وتغيرت بالتبعية مناهج التخطيط العمراني المتكامل التخصصات وأصبح الجانب التنظيمي والإداري هو المحرك الحقيقي لعمليات التنمية العمرانية لتحقيق أهدافها الاستثمارية, واتجهت تاتشر عام 1986 إلى إلغاء سبعة أقسام تخطيط مدن من واحد وعشرين قسما في الجامعات البريطانية وأصبحت الجوانب الاقتصادية والاستثمارية والإدارية المحرك الأساسي للنظرية التي تبنى عليها العملية المستمرة للتنمية العمرانية المتعددة الجوانب السياحية والصناعية والزراعية والسكنية. وفي نفس الاتجاهات تطورت مهام الأجهزة القائمة على التنمية العمرانية لتكون قادرة على إدارة تطوير المدن القائمة بإسلوب إدارة التنمية العمرانية لمناطق التنمية الجديدة بإسلوب آخر.

كما شهدت بعض الدول العربية تطورات هامة في هذا الاتجاه, ففي المملكة العربية السعودية تكونت شركات خاصة لتطوير المناطق ذات الأهمية الخاصة مثل المنطقة المركزية لمكة المكرمة أو المنطقة المركزية للمدينة المنورة أو لغيرها من المناطق والمدن الجديدة في الجبيل وينبع. كما ظهرت شركات أخرى تعمل بنفس المنهج الإداري في تنمية المناطق القديمة أو الجديدة في المغرب فجهاز إنقاذ المدينة العريقة في فاس يعمل بإسلوب القطاع الخاص سواء في التمويل أو الإدارة مع مشاركة الدولة بحوالى 5٪ من رأس المال. وقبل كل ذلك هناك التجربة الناجحة لشركة واحات عين شمس (مصر الجديدة) التي عملت على جذب سكان القاهرة شمالا على الأراضي الصحراوية كمترددين ثم كمستوطنين, فأقامت المنشآت التي تساعد على التردد السكاني كحلبة سباق الخيل وأراضي الجولف والنوادي الرياضية والأسواق التجارية والفندق الكبير .. مع تشجير الشوارع العريضة وتهيئة وسائل الانتقال المتميزة .. ومن ثم بدأت في توفير المباني السكنية مع تقسيم الأراضي ووضعت لها شروطا خاصة بالبناء لتحفظ للمدينة الجديدة طابعها كما وضعت النظم التي تساعد على الجذب السكاني للاستيطان بالإيجار أو التملك فكان مشروعا استثماريا وفرت له الدولة الامتيازات الخاصة, الأمر الذي افتقدته شركات القطاع العام عند تعاملها مع المواقع الجديدة مثل مدينة نصر أو المعادي الجديدة أو غيرها من المدن الجديدة وإن كانت قد وفرت وسائل للإيواء البشري أكثر منه الاستيطان .

تقول الدراسات النظرية والتطبيقية الخاصة بدراسة جدوى إنشاء المدن الجديدة تحت إشراف خبراء الاقتصاد إن إنشاء هذه المدن يسير بمعدلات بطيئة مما يؤخر ظهور عوائدها الاستثمارية, وبالتالي فمن المتوقع عدم التمكن من الانتهاء من إنشائها حسب البرامج الزمنية المخططة بل قد تحتاج إلى فترات زمنية أضعاف ما هو مخطط بحوالى اثنى عشرة مرة من الفترة السابقة وهي عشر سنوات. كما تقول الدراسة التي تشير أيضا إلى أن حجم العمالة التي توفرت في المدن الجديدة عام 1989 بلغ 9810 عاملا من إجمالي حجم العمالة المخططة بالجيل الأول من هذه المدن والذي كان مقدرا له 699070 فرصة عمل أي أن ما تحقق لا يزيد عن 8.4٪ من المخطط كما تقول الدراسة أيضا أن الحد الكلي للسكان المقدر حتى نهاية عام 1989 في الجيل الأول من المدن الجديدة بلغ 134511 نسمة مقارنة بالحجم المخطط والذي يصل إلى 2.35 مليون نسمة أي بنسبة لا تزيد عن 6٪ من المخطط. كما أن عدد الوحدات السكنية التي نفذت حتى نهاية 1989 بلغت 53269 وحدة سكنية أي حوالي 10.2 ٪ من العدد المخطط وهو 522522 بمعدل 4.5 فرد للأسرة. وهكذا بالنسبة لحجم العمال في المصانع الذي بلغ 15٪ من المخطط وأن حجم الاستثمارات للبنية الأساسية والخدمات والإسكان وصل إلى 8٪ من المخطط هذا مع أن المدن الجديدة كما تقول الدراسة قد ساهمت في امتصاص 3.3٪ من حجم البطالة على المستوى القومي مع زيادة المعروض من الإسكان بحوالى 53 ألف وحدة سكنية وزيادة الإنتاج السنوي للقطاع الصناعي بما يعادل 5٪ عام 1989 كما ساهمت في تخفيض الفاقد من الأرض الزراعية وذلك إضافة إلى آثار المدن الجديدة على الاقتصاد القومي وتخفيض الزحام في المدن القائمة والضغط على المرافق بنسب محدودة جدا. وتجدر الإشارة هنا إلى أن الاستثمارات التي اقتصرت على الدراسات في الجيل الأول من المدن الجديدة بلغت حوالي 3 مليون جنيه وفي الجيل الثاني بلغت حوالي 2.5 مليون جنيه, أي بمجموع قدره 5.5 مليون جنيه .

ومن ناحية أخرى يشير عدد آخر من الدراسات الاقتصادية أو الاجتماعية أو التخطيطية إلى نفس النتيجة مع عدد من التوصيات لم تصل في إجمالها إلى منهج مفصل قابل للتنفيذ لتطوير النظام الإداري أو الاستثماري أو التخطيطي للمدن الجديدة سواء ما سبق منها في الجيل الأول أو ما بعدها في الجيل الثاني أو فيما يقام مستقبلا من مدن ومناطق جديدة للتعمير. إلا أن الوقت قد حان لإعادة النظر في إسلوب إدارة التنمية العمرانية للمناطق والتجمعات الجديدة في ضوء التحولات الاقتصادية التي تشهدها مصر ليس فقط بالنسبة للمدن أو التجمعات السكنية الجديدة ولكن أيضا بالنسبة لمناطق التنمية الأخرى خاصة إذا كانت السياحة تمثل أساس مقوماتها الاقتصادية مع غيرها من المكملات الزراعية أو الصناعية والخدمية. في هذا المجال لابد من الإشارة إلى أن تخطيط التجمعات السكنية الجديدة حول القاهرة لا يسمح إلا لإيواء 80٪ من ذوي الدخل المحدود و 20٪ من ذوي الدخل المتوسط وذلك في إطار حدود ثابتة مع ترك الأراضي حولها فضاء دون تخصيص لاستعمالاتها أو إسلوب تنميتها بحيث لا يسمح للشركات القائمة على بناء هذه التجمعات بالتعامل الاستثماري مع هذه الأراضي وكان أمام المجتمع الأول فرصة لاستثمار الأراضي الواقعة شماله حتى طريق القاهرة /السويس لإنشاء مشروعات مثل الحي الدبلوماسي أو مدن للملاهي أو مركز تجاري كبير أو مدينة للملاهي وتخصص الأراضي غربه للاستثمار الرياضي يرتبط بالنوادي الرياضية القريبة أو الاستثمار التعليمي يرتبط بالمؤسسات التعليمية القريبة, أو غير ذلك من الاستثمارات أو عوامل الجذب التي تساعد على التردد على المكان ثم على الاستيطان فيها لكل فئات المجتمع بنفس الاسلوب الإداري للتنمية الذي اتبعته شركة مصر الجديدة في بدايتها. ويعني ذلك أن تخطيط التجمعات السكنية الجديدة حول القاهرة قصد به جذب الفائض السكاني من القاهرة دون النظر إلى الجانب الاستثماري للتنمية العمرانية كعملية متكاملة لا يستطيع القيام به إلا شركات القطاع الخاص التي تدير مشروعاتها بإسلوب استثماري اقتصادي متحرر من الروتين مع تحقيقها لأهداف الاستراتيجية القومية للتعمير والالتزام بالمعايير التخطيطية للمكان .

من هنا تجيء الدعوة إلى إتشاء شركات من القطاع الخاص لتنمية المناطق والتجمعات الجديدة استكمالا لمسيرة الدولة لتحرير الاقتصاد القومي .

word
pdf