شريف المصري وزيرا للإسكان

شريف المصري وزيرا للإسكان2019-12-03T08:51:49+00:00

شريف المصري وزيرا للإسكان

  د. عبد الباقي إبراهيم

 

 

المهندس شريف المصري هو اسم الفنان عادل إمام في فيلم “كراكون في الشارع” الذي حاول فيه البحث عن حل لمشكلة الإسكان بعد التجارب التي مر بها على مدى الفيلم من بداية انهيار العمارة التي كان يسكن فيها ثم تحويله إلى مخيمات الإيواء على أمل انتظار وحدة سكنية وإذا به يجد أمامه طابورا طويلا من المنتظرين منذ تسعة عشر عاما .. ثم ينتقل إلى المسكن مع أحد أقارب زوجته ثم إلى سكن المقابر ثم تحول إلى دفع عربون لشقة وهمية وكان فريسة لإحدى عمليات النصب ثم حاول بعدها البحث عن اسلوب لبناء مسكنا لنفسه على غرار المباني المؤقتة التي يستخدمها المهندسون المشرفون على تنفيذ المشروعات الكبرى وهو أحدهم .. وبنى له مسكنا متحركا لم يجد له موقعا مناسبا بعد أن ذاق الأمرين من الروتين على طول مراحل التجارب التي مر بها إلى أن ساقته الظروف ليظهر في أحد البرامج التليفزيونية كمثل للشباب الطموح المجتهد القادر على بناء مسكنه بنفسه .. وكانت الدعوة للشباب للاتصال به للعمل معا على بناء مجموعة من المساكن بالجهود الذاتية على أحد المواقع الصحراوية وإذا بالروتين يلاحقهم لطردهم من الأراضي الصحراوية التي تملكها الدولة وهي أرض بلا حدود. واتخذت شرطة المرافق استعداداتها لإزالة هذه المساكن العشوائية إلى أن جاءت مكالمة من رئيس الدولة الذي تابع المشكلة على التليفزيون لوزير الداخلية تطالبه بترك هؤلاء الشباب في تعمير الأرض وبناء مساكنهم بأنفسهم دون أن تتحمل الدولة أي أعباء مالية .. وعلى الفور انسحبت شرطة المرافق من الموقع الجديد وبدأ الشباب في بناء مساكنهم على الأرض الصحراوية المتوفرة بمساحات لا حدود لها .. وقبل أن ينتهي الفيلم كنت أتوقع أن تظهر صحف الصباح التالي وهي تنشر في عنوانها الرئيسي نبأ تعيين المهندس شريف المصري وزيرا للإسكان بعد أن فشلت كل أجهزة الدولة التي تعامل معها المهندس الشاب في إيجاد حل مناسب لمشكلته الإسكانية .. ولكن يظهر أن مخرج الفيلم الذي عالج المشكلة بطريقة واقعية تراجع عن المشهد الأخير إذ رآه يدخل في السياسة العامة للدولة .

في نفس اليوم الذي عرض فيه الفيلم الذي حقق المعجزة ظهرت إحدى الصحف القومية تزف بشرى إنشاء مليون وحدة سكنية بالمحافظات في الخطة الخمسية الجديدة, وقد تحدد نصيب القاهرة منها بحوالى 134 ألف وحدة لإسكان حوالى 670 نسمة وفي الإسكندرية 111 ألف وحدة لإسكان حوالى 555 نسمة, وهكذا وزعت أعداد الوحدات السكنية على المحافظات المختلفة فبلغ مليون و66 ألف وحدة لإسكان حوالي 5.33 مليون نسمة, ولم يتضح من التصريحات التي صدرت بالصحيفة عما إذا كانت هذه الأعداد مرتبطة بالخطة القومية للاستيطان البشري خارج المناطق المأهولة بالسكان وهي الخطة التي تجمع بين توفير السكن مع توفير العمل أي الجمع بين مكان السكن ومكان العمل, أو أن الأمر مجرد توفير أعداد من الوحدات السكنية في ضوء الاستثمارات المتاحة وفي المواقع المتاحة. وإذا كانت هذه التصريحات قد حددت عدد الوحدات السكنية التي سوف يقوم القطاع الخاص ببنائها على أراض يملكها بالمدن بحوالى 264 ألف وحدة إلا أنها لم توضح عما إذا كان هذا التقدير مبني على أساس الأراضي الصالحة للبناء أو على أساس تقديري لقدرة القطاع الخاص على البناء وفي أي مستوى من مستويات الإسكان. ولم توضح الخطة الخمسية مع ذلك دور القطاع الخاص الذي لا يمتلك أراض بالمدن في بناء إسكانه بنفسه وهو يبنى بالأساليب العشوائية حوالى 70? من الحجم الكلي للإسكان. كما لم يتضح من هذه التصريحات عما إذا كانت الشركات المتخصصة التي سوف تنشأ في المحافظات لإقامة آلاف الوحدات السكنية من تمويل صناديق الإسكان هي امتداد لشركات القطاع العام أو هي تابعة للقطاع الخاص ومدى مساهمة هذه الشركات في خفض تكلفة البناء بعدم التعامل مع مقاولي الباطن وباطن الباطن ..
إذا كانت الدولة تسعى في الخطة الخمسية الجديدة إلى توفير فرص عمل لاستيعاب نسبة كبيرة من البطالة الظاهرة فكان الأولى أن توجد في نفس الوقت فرص الإسكان لهم في مناطق التعمير الجديدة خارج المدن المزدحمة في المحافظات المغلقة .. ويعني ذلك تحديد المواقع التي سوف تتوفر فيها فرص العمل الجديدة لتكون الأنسب لمشروعات الإسكان, وهنا يظهر التساؤل عن مفهوم الاستراتيجية القومية في التعمير وهل هي مبنية على توفير الإسكان والخدمات حيث يقيم الناس؟ أو هي توفير الإسكان والخدمات حيث يجب أن يقيم الناس؟ وهناك فرق كبير في المنهجين ويظهر أنه لا توجد هناك إستراتيجية قومية معلنة تتحرك في إطارها أجهزة الدولة المختلفة أو يعي بها أفراد المجتمع من المواطنين .. فهناك العديد من المدارس والمستشفيات ومباني الجامعات والخدمات وغيرها وكلها تبحث عن مواقع ملائمة لها في إطار الاستراتيجية القومية للتعمير, وهي نابعة عن الاستراتيجية القومية للبعد المكاني للتنمية الاقتصادية الاجتماعية. إن الحالة المصرية تستدعي بالضرورة البحث عن اسلوب في التنمية الاقتصادية الاجتماعية العمرانية يتلائم مع الوضع الحالي لتوزيع السكان في مصر وهي حالة تختلف كل الاختلاف عن حالات كثيرة في العالم الذي نأخذ عنه الخبرة والمعرفة ولابد من إسلوب للتنمية الاقتصادية الاجتماعية العمرانية نابع من واقع التجربة في الشارع المصري كما عالج أحد أبعادها فيلم عادل إمام “كراكون في الشارع” .
تقول فقرة من التصريحات التي ظهرت في الصفحة الأولى للجريدة القومية –بالنص- أنه سيتم تحويل المساكن العشوائية والمشتركة إلى إيواء عاجل, إذ لا تتمكن الأسر التي تقيم بها من تملك وحدات سكنية منخفضة التكاليف لعدم قدرتها على دفع مقدم الثمن أو قسط التمليك ولكن مساكن الإيواء العاجل تؤجر بإيجار رمزي مما يستلزم تدعيم صناديق المحافظات أو دعما من الدولة-إذا كان هذا النص قد ظهر بهذا الشكل الذي يحتاج إلى أحد علماء النفس لتفسيره حتى يستوعبه القارئ المتخصص قبل القارئ العادي والكل يعلم أن الدولة لا تقيم إسكانا عشوائيا بل يقيمه القطاع الخاص فكيف إذن يمكن للدولة أن تحول إسكانا خاصا إلى مساكن للإيواء .. إن هذا اللبس أو الغموض في النص قد يرجع إلى سبب واحد وهو أن محرر الصفحة الرئيسية لم يستوعب الموضوع إذ لا يمكن أن يعجز صاحب التصريح عن التعبير عنه. إن ذكر تعبيرات المساكن العشوائية والمشتركة ومساكن الإيواء العاجل في هذه الفقرة الغامضة ينم على أن هناك موضوعات هامة لم تعلن عنها الدولة بشان هذه النوعيات من الإسكان .. وعما إذا كانت جزءا لا يتجزأ من الخطة الخمسية الجديدة للإسكان, أو هي خطة تنفيذية ترى الدولة إحاطتها بالسرية والكتمان حتى لا تثير الفئات المستفيدة من الإسكان العشوائي الذي يحيط بالعديد من المدن والقرى ويكاد يقضي عليها اجتماعيا وأمنيا وحضاريا بعد أن عجزت أجهزة الدولة على مواجهته على مدى الثلاثين عاما الماضية لدواعي سياسية أو أمنية .. الأمر الذي أفصح عنه المهندس شريف المصري في فيلم “كراكون في الشارع” في معالجة درامية بعد أن عجزت عنه المعالجات الفنية والتخطيطية ..

word
pdf