صورة الإسلام فى أجهزة الإعلام

صورة الإسلام فى أجهزة الإعلام2019-12-01T11:44:45+00:00

صورة الإسلام فى أجهزة الإعلام

 

جريدة الوفد 21/6/1994

 

أثارت الأحداث الأخيرة موجة من التعليقات والتداخلات الفكرية من ذوى المشارب الثقافية والسياسية المختلفة تدعو جميعها الى ضرورة الحفاظ على الاستقرار والالتزام بالقانون، والبحث عن أسباب الفتنة والاغتراب وجذور التطرف والارهاب … ويدعو البعض منهم الى حرية الفكر واتاحة الفرصة الاعلامية للرأى والرأى الآخر، ويدعو البعض الى ضرورة تأصيل القيم الاسلامية الصحيحة فى وجدان الشباب حتى لا ينحرف ، والبعض الآخر لا يقر مقولة ” الاسلام هو الحل ” والبعض يشير الى ضرورة تعظيم العقوبات والارتقاء بمستوى الشرطة لتكون معبرة عن الوجه الحضارى وهيبة الدولة كما هى فى بلاد العالم القريبة والبعيدة . مع تطوير جهاز الأمن حتى يكون قادرا على مواجهة متغيرات الأمن الداخلى وإعطائه الدعم اللازم كما للقوات المسلحة بالنسبة للأمن الخارجى. والبعض يدعو الى مواجهة المستقبل بمزيد من الديمقراطية والمشاركة الشعبية فى الاحداث بهدف انماء الانتماء ، والبعض يرى انه مبعد عن الصورة لاختلافه فى الرأى. ويلتقى البعض فى مناظرات فكرية عن الدولة الدينية والدولة المدنية وتنشر الكتب والمقالات التى تعظم النقائص عند الخلفاء والأمراء فى العصور الاسلامية المختلفة ويرد عليها البعض بتمجيد غيرهم من أصحاب الفضل والفضائل.

وهكذا تتصارع الافكار وتتعدد الآراء وتتشعب المداخلات الأمر الذى قد يصل من ناحية الى حد الارهاب الفكرى مستغلا حرية التعبير، ومن ناحية أخرى الى حد الارهاب المسلح المتولد عن الكبت وضعف عمليات التنوير. ومع هذه الصورة القاتمة التى تزيدها قتامة ما يلقاه المسلمون فى أنحاء العالم من قهر وإبادة. ومع هذه الصورة يسود القلق وتتوقف الخطى وتسوء صورة المسلمين كل المسلمين  فى الداخل والخارج… سواء منهم من انحرف عن الطريق أو من يسير على الصراط المستقيم. وهكذا يؤخذ الاسلام بجزيرة المسلمين الضعفاء منهم والمستضعفين … وهكذا تسوء الصورة الحضارية للاسلام حتى أصبح الحديث فى الاسلاميات يقدم بالتحفظ والحرب وتدور حوله الكلمات بالتلميح لا بالتصريح خشية الاتصاف بالتعصب أو الاتهام بالتطرف … واتجه حديث البعض الى الاصول أكثر منها الى الفروع والى اللب أكثر منه الى القشور واتجه حديث للبعض الآخر الى الفروع والقشور فقط مع أن صورة الاسلام هى فى أصوله وفروعه كما هى فى لبه وقشوره. واختلاف الحديث هنا فى الأهم أكثر منه فى المهم. مع ان الحديث فى كليهما واجب وفيما يخص الجماعة أكثر ما يخص الفرد مع ان كليهما واحد وفى التعامل مع حركة التاريخ أكثر منه فى العودة الى السلف مع ان كليهما مرتبط بالآخر.

لم يعد الحديث فى الاسلاميات يتحمل الاقتصار على البحث فى الاصول الفقهية أو ترديد الجوانب الاخلاقية والسلوكية أو توضيح العبادات والمعاملات ولكنه لا بد وأن يتعدى ذلك الى التناول الاسلامى للجوانب الحياتية والتنموية اظهارا لمبادىء الوسطية وتوازن الماديات بالمعنويات وتأكيدا للقاعدة الاسلامية ” لا ضرر ولاضرار “. وذلك بهدف اظهار الصورة الحقيقية للاسلام فى الداخل والخارج على حد سواء ليس بالحديث أو المقال ولكن بالكلمة والصورة الحية معا، بالعربية والانجليزية معا. وللاعلام المرئى هنا دوره الاساسى فى التأثير والتنوير … فلنطرح الجوانب الحياتية للاسلام بكل تفاصيلها دون حرج أو تحفظ فى فقرات قصيرة وعلى فترات قريبة حتى ترتبط بوجدان المجتمع وترتقى سلوكياته ومعاملاته … ليس بالوعظ والارشاد فقط ولكن بالآية والحديث فى الغلاف الدرامى الذى يخاطب العامة والخاصة ، الكبير منهم والصغير ، والقارىء منهم والأمى، والغنى منهم والفقير … والأمثلة على ذلك كثيرة ومتعددة ويبقى أن نجد من يخرجها الى الواقع والتنفيذ.

وإذا أعلنا عن مهرجان القراءة للجميع فليكن بنص أول آية نزلت فى القرآن ” اقرأ باسم ربك الذى خلق “، مع صورة المكتبات باقبال الاطفال والشباب ، وإذا عرضنا لموضوع العادات الاستهلاكية فليكن بنص الآية أو الحديث الذى ينهى عن الاسراف أو التقتير مع الصورة المناسبة للجوانب الحياتية المختلفة، وإذا عرضنا لموضوع البيئة فليكن بنص الآية أو الحديث الذى يحض على النظافة أو اماطة الأذى عن الطريق مع صورة لازالة المخلفات وتجنيب المارة عواقب الحفر والتكسير فى الأرصفة. وإذا عرضنا لموضوع العمل والانتاج فليكن بنص الآية أو الحديث الذى ينص على الاتقان والاخلاص فى العمل مع صورة العامل فى كل مواقع العمل. وإذا عرضنا لموضوع التجارة فليكن بنص الآية أو الحديث الذى ينص على عدم الغش فى البضاعة أو الميزان مع صورة للتاجر فى متجره الثابت أو المتحرك … وإذا عرضنا لموضوع الزى فليكن بنص الآية أو الحديث الذى ينص على حرية الاختيار بما يتناسب مع طبيعة المهنة من ناحية والمتطلبات الأخلاقية والاجتماعية من ناحية أخرى (وبهذه المناسبة إذا كان الخمار يعد تطرفا من ناحية فان الاسراف فى اظهار المفاتن يعد أكثر تطرفا من ناحية أخرى… وهكذا).

وإذا عرضنا لموضوع العادات الغذائية فليكن بنص الآية أو الحديث الذى ينظم هذه الظاهرة مع صورة المعدة وهى تحتوى العناصر الثلاثة للغذاء والماء والهواء ثم الأثار الجانبية لهذه العادات الغذائية على الانسان. وإذا عرضنا لموضوع العناية بالاشجار فليكن بنص الآية أو الحديث مع الصورة المعبرة من الطبيعة. وإذا عرضنا لموضوع العناية بالحيوان فليكن بنص الآية أو الحديث مع الصورة المعبرة عن ذلك. وإذا عرضنا لموضوع النظام فى الصفوف أو فى الحديث أو فى السير أو فى الجلوس فليكن بالآية والحديث مع الصورة الحية المعبرة عن كل ناحية من هذه النواحى. وإذا عرضنا لموضوع التعليم فليكن بنص الآية أو الحديث مع الصور المكملة لذلك. وإذا عرضنا لموضوع الوقاية والصحة فليكن بنص الآية أو الحديث مع الصور المتحركة التى تعبر عن ذلك.

وبهذا المنطق يمكن مخاطبة الجماهير العريضة التى تعنيها الجوانب الحياتية فى الداخل والخارج باللغتين العربية والانجليزية … وهذا لا يعنى اغفال العرض الاعلامى للقواعد الفقهية أو تفسير الآيات القرآنية أو الحث على الفضائل وأداء العبادات. وذلك فى جرعات أكبر وعلى فترات أطول.

word
pdf