على هامش مؤتمر السكان

على هامش مؤتمر السكان2019-12-02T08:25:28+00:00

على هامش مؤتمر السكان 

المشردون يبحثون عن مأوى

  د. عبد الباقى إبراهيم

كبير خبراء الأمم المتحدة فى التنمية العمرانية سابقا

 الاقتصادى 5/9/1994

 

يتسع المؤتمر الدولي للتنمية والسكان الذى يعقد حالياً بالقاهرة للعديد من الموضوعات التي تمس مجالات التنمية الإقتصادية والبشرية فى ضوء الإنفجار السكاني الذي سيشهده العالم خلال القرن الحادي والعشرين، والذي سوف تتأثر به الدول النامية قبل المتقدمة والمجتمعات الفقيرة قبل الغنية، وإذا كان موضوع تنظيم النسل أوالتناسل قد يطغي على أعمال المؤتمر، إلا أن الموضوعات الأخرى لن تقل أهمية وفى مقدمتها مواجهة البطالة و ايواء من لا مأوى لهم بعد تفشي مرض العشوائيات حول التجمعات السكنية فى العالم الثالث، الأمر الذي توليه الأمم المتحدة أهمية خاصة من خلال إعدادها للمؤتمر الثاني للمستوطنات البشرية الذي سوف يعقد فى مدينة اسطنبول بتركيا عام 1996م وذلك بعد عشرين عاماً من إنعقاد المؤتمر الأول فى فانكوفر بكندا عام 1976م الذي انبثـقت عنه منظمة الأمم المتحدة للإستيطان البشري التى إتحذت نيروبى مقراً لها مع برنامج الأمم المتحدة للبيئة. وأصبحا تحت قيادة واحدة. وسوف يناقش مؤتمر المستوطنات البشرية مستقبل المدن خلال القرن الحادي والعشرين وذلك على ضوء ما سوف تسفر عنه قرارات المؤتمر الدولي للتنمية والسكان. وهكذا ترتبط المؤتمرات إرتباطاً وثيقاً فى تحديد الصورة المستقبلية للمستوطنات البشرية عمراناً وسكاناً .. وقد سبق أن أولت الأمم المتحدة موضوع إيواء من لا مأوى لهم أهمية خاصة عام 1992م. وانعقدت لذلك الندوات والمؤتمرات على جميع المستويات لتعطي مؤشراً لأهمية هذا في مستقبل البشرية على هذا الكوكب المزدحم. وكان لمصر فى ذلك دورها فى المشاركة فى هذه المؤتمرات والندوات. الأمر الذي أثار حفيظة المهندس حسب الله الكفراوي وزير التعمير والاسكان فى ذلك الوقت بالبحث عن منهج جديد لمواجهة مشكلة الاسكان في مصر .. ليس من خلال بناء المزيد من الاسكان الإقتصادي الذي لا يتحمل تكاليفه المعدمون والفقراء ولكن من خلال أسلوب جديد لإيواء من لا مأوى لهم ..

وكانت دعوته فى ذلك الحين إلى طرح هذا المشروع على المؤسسات الإستشارية المحلية بتقديم رؤياها ومقترحاتها للتنمية المتكاملة لإستيطان من لا مأوى لهم فى التجمعات السكنية الجديدة حول القاهرة واختار لذلك موقعين الأول شرق القاهرة والآخر غربها ليكونا مشروعين رائدين تنبثق منهما بعد المتابعة والتقويم سياسة قومية لإيواء من لامأوى لهم كبديل لسياسة للاسكان الإقتصادي الذي لا يستفيد منه إلا الفئة الأقل من المتوسط التي تستطيع توفير المقدمات التي تتراوح ما بين 5
و 10 آلاف جنيه للوحدة السكنية الصغيرة وذلك بخلاف ما يتبع ذلك من أقساط يـــــصعب تسديدها، الأمر الذي أدى إلى إصدار القرارات بتسديدها على مدى 40 عاماً بدلاً من 20 عاماً أو ثلاثين .

ويعتمد الأسلوب الجديد على توظيف المشاركة الشعبية في عمليات التنمية والبناء بعد أن نال هذا الأسلوب حظاً وفيراً من البحث والدراسة من قبل المنظمات الدولية وخاصة منظمة الأمم المتحدة للإستيطان البشرى، وهو يعتمد على قدر كبير من التنظيم والادارة بالاضافة إلى الجوانب الفنية الأخرى. وقد قدمت العديد من الدول النامية العديد من التجارب فى هذا المجال وقد أثرت منظمة الامم المتحدة  للإستيطان البشرى على تنظيم وإدارة عمليات التنمية المتواصلة والمتكاملة إقتصادياً واجتماعياً وعمرانياً، وقد خصصت لذلك مؤتمراً دولياً يعقد فى نيروبي من 3 إلى 7 أكتوبر1994م كأحد المؤتمرات التحضيرية لمؤتمر اسطنبول عام 1996م، وقد قدمت فى مؤتمر نيروبي ورقة عمل عن تقييم العملية التخطيطية كآلية للتنمية العمرانية المتواصلة وإدارتها فى مصر وصلت فى نهايتها إلى نظرية جديدة للإستيطان البشرى فى التجمعات السكنية الجديدة التي تنتقل إليها المجتمعات القديمة بجذورها الإجتماعية والمهنية فى إطار من التنمية المتوازنة والمتواصلة معتمدة على الآليات التي أفرزت المناطق العشوائية ولكن بدون العشوائية. وهنا تدخل المنظمات غير الحكومية عاملاً هاماً فى توجيه حركة التعمير فى المجتمعات الجديدة بهدف خلق المناخ التنموى والعمراني لإيواء من لا مأوى لهم. وإذا كان لنظرية التكافل الإجتماعي فى التنمية والتعمير التي وضعها حسن فتحي نتائجها الإيجابية والسلبية عند تطبيقها على قرية القرنة على الضفة الغربية لمدينة الأقصر، إلا أنها كانت قاعدة إنطلاق لتطويرها واستحداث الآليات التي تضمن نجاحها. وقد تم مناقشة هذا الموضوع فى الندوة الدولية عن حسن فتحي وعمارة الفقراء التي عقدت فى القاهرة فى مارس 1992م وكان الهدف منها هو الوصول بنتائج هذه النظرية إلى وضع سياسة عامة لعمارة الفقراء أو إيواء من لا مأوى لهم على المستوى المحلي والدولى ومدى مساهمة المنظمات الدولية فى دفع هذه السياسة ودعمها مادياً وفنياً من خلال الجمعيات الخيرية والمنظمات غير الحكومية التى سوف تلعب دوراً هاماً فى مؤتمر القاهرة للتنمية والسكان. وقد أشارت الندوة الدولية عن عمارة الفقراء إلى إمكانية توجيه أموال الزكاة إلى بناء مجموعات المساكن لإيواء من لا مأوى لهم مع إيجاد القاعدة الإقتصادية التي توفر فرص العمل مع السكن فى مواقع تحددها المخططات العمرانية للمدن كما تم بالنسبة لمشروع التنمية المتكاملة لإستيطان من لامأوى لهم فى التجمعات السكنية الجديدة حول القاهرة، والذي تبناه المهندس / حسب الله الكفراوي عام 1992م وتوقف بعد تركه لمنصبه كوزير للتعمير والاسكان وحل محله البحث عن اسكان ذوى الدخول العالية من فيلات وقصور فى المدن الجديدة المتاخمة للقاهرة. ومع ذلك أمكن التحايل على تطبيق نفس النظرية على مشروع توطين أهالى منطقة القرنة فى منطقة الطارف غرب الاقصر والتي تم التعاقد عليه خلال شهر أغسطس 1994م وقد وضعت شروطه المرجعية لجنة قيادية تضم مجموعة من كبار المسئولين فى وزارة التعمير برياستنا وذلك بقرار اللجنة الإستشارية للتعمير رقم (38) بتاريخ
21/ 8/ 1983م وتتضمن أهداف الشروط المرجعية لهذا المشروع توطين سكان منطقة القرنة القديمة فى الموقع المختار فى منطقة الطارف غرب الأقصر وذلك بتوفير كل وسائل الإستيطان البشرى التي تتناسب مع مقومات الأهالي الإقتصادية والإجتماعية والعمرانية واستخدام تكنولوجيا البناء المتوافقة مع البيئة الإجتماعية للسكان والبيئة الطبيعية للمكان. وذلك فى ضوء نظم تخطيطية وتصميمية وإنشائية يتوافر لها المرونة والحركة بحيث يمكن تطبيقها على كافة المباني السكنية والإنتاجية وحتى تتم عملية الإستيطان الجديدة دون إحداث أي خلل فى التركيبة الإجتماعية والإقتصادية لسكان المنطقة. وتركز الشروط المرجعية للمشروع على دور المشاركة الشعبية للأهالي فى العمليات التخطيطية والتصميمية فى مراحلها المختلفة ضماناً لواقعية التنمية العمرانية وتنمية الكفاءات المحلية من خلال البرامج التدريبية وإنشاء مركز للبناء بالجهود الذاتية يكون مقراً للإستقبال وتوفير مواد وعناصر البناء اللازمة للتنمية العمرانية دون الإعتماد على نظام المقاولات، وقد وضع لهذا المركز نظامه الإدارى والمالي على أن يتولى الإستشارى المتعاقد معه مع الاجهزة المحلية القيام بمهام المراحل الأولى للتنمية المتكاملة إقتصادياً وإجتماعياً وعمرانياً بمشاركة الأهالى إلى أن تستكمل الإدراة المحلية مقوماتها الإدارية والفنية لتتولي متابعة عمليات التنمية المتكاملة بنفسها بعد ذلك. وإذا كان هذا المشروع قد تلقى نصيباً من المعونة الأمريكية إلا أن نتائجه إذا تحققت كما قدر لها سوف تكون أساساً لتطبيقه على مجتمعات عديدة فى أنحاء مصر غير مجتمع القرنة القديمة. ففي واقع الامر إن الشروط المرجعية لمشروع الطارف وضعت لتكون نموذجاً لإيواء من لا مأوى لهم ونقلهم من المناطق الفقيرة أوالعشوائية إلى المناطق الجديدة فى التجمعات العمرانية حول القاهرة أوغيرها من المدن المزدحمة بالسكان، الأمر الذي يتطلب إيجاد الآليات الإدارية والمالية التي تتعامل مع المناطق المتخلفة أو الفقيرة داخل المدن كمناطق إرسال من ناحية ومناطق الإستيطان البشرى لإيواء من لا مأوى لهم فى المجتمعات الجديدة كمناطق للإستقبال بحيث تتكامل فعاليات أجهزة الارسال من ناحية مع أجهزة الإستقبال من ناحية أخرى كإحدى آليات الإدارة المحلية وقد وضع الإطار العام لهذه الآليات التي تعمل بالتوازى كما تضمنه مشروع التنمية المتكاملة لإستيطان من لا مأوى لهم من سكان مدينة القاهرة فى التجمعات السكنية الجديدة حول القاهرة والذي أعلن عنه فى نهاية عام 1992م ولم تتحقق أهدافه الإنسانية بعد التغيير الوزارى الأخـــير .

وإذا كان مؤتمر القاهرة للتنمية والسكان يتعرض إلى العديد من الموضوعات التى تهم التنمية والحد من الإنفجار السكاني فى العالم فإن توجهاته الانسانية تركز على المجتمعات الفقيرة بسكانها وعمرانها، وسوف تناقشه بإسهاب المنظمات غير الحكومية التي تراعي هذه الفئة من السكان وسوف يكون لإيواء من لا مأوى لهم نصيب كبير من المناقشات، عسى أن تنتقل توصياته إلى حكومات الدول المشاركة بتوعية المجتمع الدولى بخطورة الأوضاع المتردية التي تعيش فيها الفئات المحرومة  والفقيرة التى لا تتلقى نفس الرعاية والعناية التي تتناسب مع حجمها كغالبية سكان الدول النامية، وعلى الجانب الآخر سوف يتطرق المؤتمر الدولى الثاني للإستيطان البشرى الذي سوف يعقد فى اسطنبول عام 1996م إلى نفس الموضوع استمراراً لما سوف يتمخض عنه مؤتمر القاهرة من توصيات وقرارات ..

وسوف يكون لموضوع إيواء من لا مأوى لهم نصيبه الأوفر فى مناقشات مؤتمر اسطنبول عند عرض مستقبل المدن والمجتمعات الحضرية فى العالم .. وهكذا يصبح موضوع إيواء من لا مأوى لهم من الفقراء والمحرومين عاملاً مشتركاً بين المؤتمرين .. الأمر الذي لم يلق الرعاية أو العناية الكافية بعد من الأجهزة المحلية التي تعمل فى مجالات التعمير أو الاسكان أو الإدارة المحلية. إن التحدى الذي تواجهه مصر فى هذا المجال ليس هو فقط الحد من الزيادة السكانية كهدف ولكن الحد من التدني العمراني والإجتماعي الذى تواجهه مدن وقرى مصر على حد سواء فى الإطار الواضح للإستراتيجية القومية للتنمية العمرانية والتى بدأ إعدادها منذ أكثر من عام فى كل من أجهزة وزارة التخطيط والهيئة العامة للتخطيط العمراني بوزارة التعمير.

word
pdf