عمرانيات

عمرانيات2019-11-28T14:51:55+00:00

عمرانيات

د.عبد الباقى إبراهيم

كبير خبراءالأمم المتحدة

فى التنمية العمرانية سابقا

 

 

الأهرام 2/1/1995

 

عرضت صفحة “قضايا وأراء” يوم 5 ديسمبر 1994 لعدد من الموضوعات التى تعالج مشاكل القرية المصرية والحاجة إلى مشروع قومى للعمران والتخطيط المستقبلى كتبها مجموعة من الزملاء الأعزاء منهم من عملوا معى فى الأمم المتحدة ومنهم من عمل معى فى لجنة الإعداد للاستراتيجية العمرانية للدولة.

وليسمح لى الزملاء الأعزاء فى إيضاح بعض الجوانب التى ربما غابت عن البعض منهم خاصة من ترك مصر للعمل بالخارج لأكثر من ربع قرن. وهذه فرصة أخرى لتجديد الاهتمام بتنمية الريف وتطوير القرية المصرية الذى ظهر بشكل واضح فى بداية الستينات بالبحوث والدراسات والمؤتمرات ولجان البحث العلمى التى شاركنا فيها من منطلق تخصصنا من خلال الدرجات العلمية التى حصلنا عليها وعملنا فى لجان الاسكان الريفى مع الراحل المعمارى حسن فتحى . لقد تغير المنظور العمرانى للقرية المصرية منذ الستينات بعد أن فقدت سماتها السكانية والعمرانية وتضخمت سكانيا وامتدت عمرانيا وأصبحت تحمل ملامح القرية والمدينة معا واختلط فيها الريف بالحضر كما اختلط الحضر بالريف فى المدينة وفقدت السيطرة على امتداداتها العشوائية التى تأكل الأخضر واليابس، فقد زادت المساحات العمرانية للمدن والقرى فى مصر عام 1994 لأكثر من الضعف منذ عام 1986 حيث تم تصويرها جويا حتى كادت تلتحم مع بعضها لتكون فى عام 2050 كتلة عمرانية واحدة تغطى الوادى الأخضر، فلا مجال للحديث عن الحجم التناسبى لمواقع القرى المصرية … ولا مجال للتحكم فى استخدامات الأرض أو وضع قانون للبناء يحدد الارتفاعات والأحجام ولا مجال للبحث عن إدارة للتنمية الريفية ومشاركة الأهالى والتخطيط العمرانى كما يذكر الزملاء …فقد خرجت القرية والمدينة عن نطاق التحكم وانطلقت بالرغم من كل القوانين المنظمة للعمران وهى متوافرة … وهزمت كل اللوائح التنظيمية والإدارية … ولم يعد أمامنا إلا البحث الجاد بكل الآليات المناسبة لتفريغ المجتمعات القائمة من الفائض السكانى إلى مناطق التعمير الجديدة، الأمرالذى يتم بمعدلات لا تتناسب مع خطورة الموقف والمستقبل العمرانى لمصر … وهناك بريق من الأمل فى الدراسات التى تتم فى وزارة التخطيط لتحقيق الاستراتيجية العمرانية لمصرمن خلال الخطط الخمسية ومثلها التى بدأت أيضا فى وزارة الاسكان والتعمير بها رسم خريطة عمرانية لمصر … ويعنى ذلك أن هناك من القوانين واللوائح والجهود العلمية التى تضمن تحقيق التمنيات التى يطرحها الزملاء وليس بالتمنيات تتحقق الآمال … ولكن لابد من استكمال هذه التوجهات النظرية بإيضاح كيفية تحقيقها إداريا وتنظيميا وماليا، الأمر الذى لم يتبلور بعد على مستوى الجهاز الإدارى للدولة … فلا يزال اختلاط الاختصاصات قائما بين أجهزة التخطيط المركزية والاقليمية والمحلية وبين وزارات التخطيط والادارة المحلية والاسكان والتعمير … ولم تتبلور بعد الآليات التى تستطيع أن تتعامل مع إدارة التنمية الحضرية والريفية لتحقيق الاستراتيجية العمرانية التى تسعى إلى دفع الزيادة السكانية خارج الرقعة الزراعية التى تتآكل يوميا وتفقد سنويا آلاف الأفدنة المنتجه للغذاء والكساء … وإذا كانت المدن تلقى بعض العناية، فإن الريف الذى يضم 65% من سكان مصر لا يزال خارج دائرة الاهتمام الكافى ولتكن فى كارثة زلزال 1992 نذيرا أول تبعتها كارثة السيول عام 94 نذير آخر … وليكن بناء القرى التى تضررت بالسيول بداية لعقد جديد لتطوير القرى وعمارة الفقراء … وإذا كانت الدولة قد بدأت فى بناء أنماط مختلفة من المساكن بسرعة كبيرة لايواء من لا مأوى لهم، كما تم من قبل فى مواجهة كوارث الحرائق فى العديد من قرى الدلتا، فقد كان الأولى بها أن توجه الأموال لبناء أماكن إيواء سريعة داخل أراضى مسورة بديلا عن الخيام ثم تبدأ فى بناء المساكن الريفية بالتعاون مع السكان كل حسب متطلباته الاقتصادية والاجتماعية والمعمارية حتى يتم بناء الانسان مع بناء العمران معا وحتى لا تتكرر النتائج السلبية لبناء القرى بصورة سريعة من قبل فى شمال وغرب الدلتا أوفى كوم أمبو والتى راجعتها لجنة الاسكان الريفى فى وزارة البحث العلمى فى بداية الستينات بمشاركتنا والمعمارى الراحل حسن فتحى … وإذا كانت هناك خطوات قد اتخذت على عجل، فإن الأمر يستدعى وقفة متأنية لتدارك الأمور واستيعاب الدروس حتى لا تندفع المشروعات دائما كردود أفعال سريعة للأحداث … واسألوا أهل الذكر إن كنتم لا تعلمون…

word
pdf