قانون إتحاد الشاغلين بين النظرية والواقع

قانون إتحاد الشاغلين بين النظرية والواقع2019-11-19T14:27:50+00:00

قانون إتحاد الشاغلين بين النظرية والواقع

دكتور عبد الباقي إبراهيم

كبير خبراء الأمم المتحدة في التنمية العمرانية سابقا

 

 

من أهم الأسباب التي أدت إلى عدم فعالية القوانين التي تصدر لإصلاح الحال وتنظيم الأحوال أنها تصدر في صورة مواد وبنود يضعها المشرع بناءا على خبرة سابقة أوفي ضوء تجارب مشابهة ويغفل دائما الآليات القادرة على تنفيذها. والأمثلة على ذلك كثيرة، فقانون التخطيط العمراني صدر وقد أحكمت بنوده ومواده ولم يجد الآليات القادرة على تنفيذه ففقد مضمونه وأهدافه وتلاعبت به الأهواء.. وقانون تنظيم أعمال البناء صدر وبه من البنود والمواد على ضحالتها ما يمكن بها تنظيم أعمال البناء في المدن فقط مع إغفال ما تم في القرى التي تمدينت .. ومع ذلك صدر القانون وعدل عدة مرات ولم يجد الآليات القادرة على تنفيذه ففقد مضمونه وأهدافه وتلاعبت به الأهواء واختل التوازن العمراني في المدينة والقرية وانتشرت العشوائيات التي خرجت عن النظام العام لتضع لنفسها نظامها الخاص بعيدا عن أي قانون. وتفاقمت المشاكل البيئية والصحية والأمنية والمرورية حتى أصبح معالجتها دربا من الخيال بعد أن انحرفت آليات التنفيذ عن المنهج العلمي والتخصصي .. وأصبح كل من هب ودب قادر على إبداء الرأي وأخذ القرار.. وقانون إتحاد الملاك خرج ولم يعد عندما لم يجد الآليات القادرة على تنفيذه ولم يعتمد على الواقعية بل كان خيالا في ضمير المشرع حينئذ.. والآن يطرح القانون نفسه بصبغة جديدة تحت مسمى إتحاد الشاغلين ينص على أن كل عمارة بها أكثر من خمس وحدات سكنية (خمسة فقط) يجب أن يكون لها إتحاد من شاغليها يعين لكل عمارة مأمور يدير أعماله ويساعده أمين صندوق يجمع اشتراكات السكان من تكاليف الصيانة والإصلاح ويفتح له حساب في البنك ويخطر به الحي الذي يتولى الإشراف على أعماله ومتابعة مشاكله وقضاياه .. والأحياء مثقلة بكل هموم المجتمع ولايستطيع حملها .. ولم يبق إلا إتحاد الشاغلين يرمي عليها وهي غارقة في همومها الفنية والإدارية وتبحث عن من يخفف عنها أعبائها، ولم يقرر المشرع حجم المشاكل الإدارية والمالية والفنية التي سوف تترتب على إصدار قانون الشاغلين. فإذا كان عدد الوحدات السكنية في مدن مصر وقراها حوالي 10 مليون وحدة تقريبا حسب الإحصاءات، وإذا افترضنا أن متوسط عدد الوحدات السكنية في كل عمارة حوالي عشرة- وهذا إفتراض ساذج لأنه لايعتمد على قاعدة بيانية توضح تصنيف العمارات والوحدات السكنية وأنواعها والتي سوف تخضع للقانون- فيكون هناك مليون إتحاد .. وفي تقدير متواضع نصف مليون إتحاد في كل مدن مصر وقراها .. إلا إذا كان القانون يخص المدن دون القرى التي أصبحت مدنا تابعة للمدن الكبيرة- هذا الكم المهول من الإتحادات من سوف يديره ويتابع وينظم أعمال ويضمن تنفيذ البنود الإجرائية والمالية الواردة في القانون وإذا كان من الممكن تطبيق القانون في الزمالك وجاردن سيتي ومصر الجديدة فمن ذا الذي سوف يطبقه في المرج والبساتين وعزبة الهجانة العشوائية أوفي دكرنس وسمالوط وإسنا والبدرشين .. هل من خلال المجالس المحلية أوالمجالس القروية.. فالقانون بهذه الصورة سوف يولد ميتا .. إلا إذا أعددنا له الآليات القادرة على تنفيذه .. وإذا كان الهدف من قانون إتحاد الشاغلين هوالحفاظ على الثروة العقارية وسلامتها فهناك العديد من الوسائل التي تضمن هذه السلامة .. فتأمين السيارة يضمن إصلاحها إذا حدث لها حادث ومثلها سلامة البواخر والطائرات والمصانع وغيرها.. فلا أقل من وضع نظام للتأمين العقاري تأمينا إجباريا يشارك فيه الشاغلون وتنشأ له شركات تأمين تضم الكوادر الفنية والإدارية والقادرة على فحص ما هو قائم ومتابعة تنفيذ ما يبنى في ضوء نظم السلامة والصيانة .. وتتعامل مع شركات صغيرة للصيانة تنشأ في كل مربع سكني وتضم التخصصات المدربة في أعمال السباكة والكهرباء والمباني وغيرها مما تتطلبه طبيعة البناء. وإذا كان كل شاغل لوحدة سكنية قادرعلى صيانة وحدته فإن صيانة الأعمال المشتركة توزعها شركة التأمين على الشاغلين كل حسب حجم الوحدة السكنية التي يشغلها. وإذا كان من المستهدف في ظل النظام القائم مشاركة المجتمع في حل مشاكله العمرانية لتخفيف الضغط على الإدارات المحلية فلا أقل من أعمال هذه المشاركة على مستوى المربعات السكنية المتجانسة ليس فقط في صيانة العقارات وضمان سلامتها من الداخل ولكن في إيجاد التجانس المعماري الذي ينعكس على الواجهات من الخارج وقد تمتد هذه المشاركة إلى الإرتقاء بالبنية العمرانية للشارع والرصيف والتشجير والنظافة والحفاظ على البيئة مما يساعد على إثراء العمل الجماعي وبالتالي الترابط الإجتماعي. فلا أقل من أن يعود دور المحتسب الذي كان يحافظ على بيئة الشارع في المدن القديمة إلى الشارع المصري الآن. فلم يعد ترقيع القوانين القائمة يصلح للتطوير والإنتقال من النظام الإشتراكي التي تركز السلطة في الأجهزة المركزية إلى المشاركة الشعبية في تسيير الأمور في إطار النظام العام.

إن قانون الشاغلين لن يرى الواقع في التنفيذ إلا إذا أعدت له الآليات القادرة على التنفيذ. إن القائد العسكري المحنك لا يستطيع أن يرسم خططه إلا على أساس ما لديه من الأفراد والأسلحة وحسابه لكل التوقعات. وهكذا أي قانون لا بد وأن يخرج من مجرد النظرية إلى حقيقة الواقع. فقد تلاحظ في الأونة الأخيرة أن كثيرا من القوانين والقرارات تصدر في مجال واحد دون رابطة أوسياسة عامة تجمعها وبالذات فيما يخص شئون العمران والإسكان.. كما تلاحظ أن العديد من هذه القوانين والقرارات لاتصدر عن قاعدة معلوماتية واضحة ودقيقة ولا تخرج من خلال إطار سياسه واحدة، فالعلاقة بين المالك والمستأجر لم يتحدد شكلها بعد والتوازن بين إسكان الأغنياء والفقراء لم ترسم أبعاده بعد بل يترك للإجتهادات الفردية كما أن القاعدة المعلوماتية التي تبنى عليها السياسات العقارية والعمرانية والإسكانية لا تتوفر وإن توفرت لا يؤخذ بها وإن أخذ بها لا تنفذ بسبب ضعف الآليات والإمكانيات، وأصبحت المشاكل تعالج فرادا بعد تفاقمها ودون خطط مستقبلية تجمعها إذ قد يكون حل مشكلة ما في موضوع ما يعالج في إطار موضوع آخر ..وهكذا كما في المنظور التكاملي لعلم التخطيط الذي لا ينظر إلى خبراؤه بعد أن أصبح موضوعا يمارسه غير المتخصصين من أصحاب الأصوات العالية مع أننا نعلم جيدا أن إنتصار أكتوبر الذي نتغنى به لم يتحقق إلا من خلال التخطيط المتكامل والدقيق لكل صغيرة وكبيرة وليس بالفهلوة والحداقة أوالشطارة .

وعودة إلى قانون إتحاد الشاغلين فهو لابد وأن يصدر في إطار سياسة عقارية وسكنية واضحة وعلى أساس قاعدة من المعلومات الدقيقة لواقع المشكلة وحجمها والقدرة على مواجهتها حتى يحقق القانون مضمونه وأهدافه وكفاية الإجتهادات والتعامل مع المشاكل بالقطاعي عندما تتفاقم .

word
pdf