قانون التخطيط العمراني بين النظرية والواقع

قانون التخطيط العمراني بين النظرية والواقع2019-11-25T12:57:50+00:00

قانون التخطيط العمراني .. بين النظرية والواقع

   دكتور عبد الباقي إبراهيم

    رئيس مركز الدراسات التخطيطية والمعمارية

      وكبير خبراء الأمم المتحدة في التنمية العمرانية

وأستاذ التخطيط ورئيس قسم العمارة بجامعة عين شمس

 

بعد إحدى عشر عاماً من الدراسات والمراجعات والعرض والرفض يدخل قانون التخطيط العمراني مجلس الشعب مرة أخرى ليعود إلى اللجنة المختصة للمراجعة وربط المشروع بالواقع حتى يمكن تنفيذه .. فالقانون الذي يوضع لابد وأن يراعى إمكانية تنفيذه وإلا يصبح حبراً على ورق مثل غيره من القوانين ..

إن الدعوة إلى التخطيط العمراني هي دعوة قديمة.. وضع فيها التخطيط العام لمدينة القاهرة عام 1956 وبعدها وضعت المخططات الإرشادية العامة لمعظم عواصم المحافظات.. ثم وضعت بعض المخططات الأولية لعديد من القرى في مختلف أنحاء مصر .. ولكن لم ينفذ من كل ذلك شيء .

ثم وضع التخطيط العام للقاهرة عام 1967.. ثم ظهرت فكرة القاهرة الكبرى على غرار لندن الكبرى .. وشكلت لتنفيذ هذا المخطط هيئة عليا.. وجهاز خاص للقاهرة الكبرى ما لبث أن تحول إلى جهاز للتخطيط العمراني. ثم فتحت مصر أبوابها على العالم فأقدم إليها الخبراء الأجانب والشركات الإستشارية الأجنبية تضع الحلول لمدن القناة ثم للمدن الجديدة .. وإمتد نشاط هذه الشركات إلى إقليم البحر الأحمر وجنوب مصر والساحل الشمالي وأخيراً سيناء.. وبعد ذلك جاءت الشركات الأجنبية لتضع الإستراتيجية العمرانية للمدن المصرية دون القرى .

وفي هذا الخضم من المشروعات والدراسات والتقارير والمخططات سار العمران وجهة أخرى لا يعبأ بالنظرة المستقبلية قدر إهتمامه بالإنجاز السريع .. فأقيمت الجامعات الإقليمية تستقطع الأرض الزراعية وجذبت إليها مشروعات الإسكان والمرافق والخدمات.. ثم أقيمت المصانع وجذبت اليها أيضا مشروعات الاسكان والمرافق و الخدمات وبدأت أخيراً مشروعات الطرق تمزق الأشلاء المتبقية من الأراضي الزراعية.. فأين إذن نتائج الدراسات والتقارير والمخططات.. وماذا كان تأثيرها على أجهزة الدولة .. التي لا تحتاج إلى قوانين توجه نشاطها ..

وأخيراً وبعد إحدى عشرة عاماً من الدراسات عرض مشروع التخطيط العمراني ليناقش من جديد.. ويخرج ليرى أن الدولة لم تهيء له الأجهزة الفنية في المدن والأقاليم لتستقبله وتضعه موضع التنفيذ .. فالمجالس المحلية بإمكانياتها لا تستطيع التعامل مع المدن بدون الخبراء والمتخصصين .. وأجهزة الحكم المحلي ليست هي الأخرى مهيأة لهذا العمل ولذلك نجدها تلجأ إلى الأجهزة المركزية .. ثم إلى الشركات الاستشارية الأجنبية حتى وصلت الشركات اللبنانية تدخل معها سوق الاستشارات في غيبة الأجهزة المحلية المنظمة .

وإذا إفترضنا أن المخططات العامة للمدن والقرى لا بد وأن تتحرك في إطار الإستراتيجية العمرانية للدولة .. فأين هذه الإستراتيجية ومن هو الموجه لها .. هل هي أجهزة التخطيط العمراني أو أجهزة التخطيط الاقتصادي والاجتماعي .. وإذا كانت هناك إستراتيجية عمرانية فهل تفريغ الدلتا من المشروعات القارضة للأرض الزراعية مثل الجامعات الإقليمية والمصانع التي لا ترتبط بالإنتاج الزراعي .. هل هذا يحتاج إلى قانون .. أو إلى قرار حاسم يوجه هذه الأنشطة وهي أنشطة تخضع كلها إلى قرارات أكثر منها إلى قوانين .

إن التخطيط العمراني عملية مستمرة تحتاج إلى أجهزة تعمل بالتبادل الحركي على مختلف المستويات ترتبط فيها الجوانب العمرانية مع الجوانب الاقتصادية والاجتماعية .. وتعمل لمواجهة المشاكل العاجلة ثم المشاكل القصيرة الأمد ثم المشاكل المتوسطة الأمد وذلك في إطار النظرة المستقبلية  الطويلة الأجل .. أين هذه الأجهزة. وأين الهيكل التنظيمي والإداري لهذه العملية التي تحقق الأهداف الكبرى لمشروع التخطيط العمراني.

         ولننظر إلى الجديد من المناقشات والإقتراحات ….

 

word
pdf