قراءة فى مشروع قانون الاسكان الجديد

قراءة فى مشروع قانون الاسكان الجديد2019-12-02T08:39:11+00:00

قراءة فى مشروع قانون الاسكان الجديد

 د. عبد الباقى إبراهيم

الأهرام الإقتصادي 22/11/1993

 

جاء مشروع قانون الإسكان الجديد الذى قدمه المهندس محمد محمود على حسن عضو مجلس الشعب والذى نشره الأهرام الاقتصادى فى عدده الصادر فى 31/ 5/ 1993م أول أيام عيد الأضحى المبارك ـ جاء مقتضباً فى سبع مواد كما جاء فى مذكرة الملامح الأساسية للمشروع ـ أنه حرص على أن تأتى نصوصه قليلة ومركزة وحاول أن تفى بالغرض الذى نذر المشروع نفسه لتحقيقه وهو محاولة استحداث نصوص قانونية تحقق الإصلاح التشريعى لأزمة الاسكان فهذا الاقتضاب لايتناسب مع أهمية وخطورة هذا المشروع بقانون ليس فقط لتحقيق الاصلاح التشريعى لأزمة الاسكان ولكن لتحقيق الاستراتيجية القومية للتنمية العمرانية التى تهدف إلى الانتشار العمرانى على الأراضى الصحراوية شرقاً وغرباً لارتباط ذلك بالأمن القومى الخارجى والداخلى على حد سواء. فقد كان الاسكان العشوائى الذى امتد أفقياً ورأسياً أحد إفرازات قوانين الاسكان السائدة. فقد لجأ المجتمع تلقائياً لحل مشاكله الاسكانية بإسلوبه الخاص بالإستثمار فى مجال الاسكان لذوى الدخول المحدودة فى إطار آليات السوق بالبيع أو التأجير دون اعتبار للقوانين السائدة. وإذا كانت الأوضاع الإقتصادية والإجتماعية قد أدت بالسياسيين إلى تأخير عرض مشروع القانون الجديد على مجلس الشعب لمدة خمس سنوات تحاشياً لأى هزات أمنية إلا أن هذا التأخير فى نفس الوقت قد أدى إلى تفاقم المشاكل الإجتماعية والأمنية المتولدة عن الاسكان العشوائى الذى كاد يأخذ بخناق المدن والقرى على حد سواء .

لقد أعد مشروع قانون الاسكان الجديد ليحقق عدداً من الأهداف أولها إلغاء كافة تشريعات الاسكان السابق صدورها والعودة إلى الشريعة العامة التى تنظم العلاقة بين المالك والمستأجر حسبما وردت فى أحكام عقد الإيجار المنصوص عليها فى القانون المدنى فى المدن والقرى على حد سواء. وإذا كان هذا المبدأ الذى طبقه المشروع المقدم على عقود الإيجار التى تنشأ بعد العمل بهذا القانون فى جميع أنحاء الجمهورية إلا أن المشروع الجديد قد آثر الإصلاح بالتدخل فى عقود إيجار الأماكن القديمة المنشأة قبل تاريخ العمل بالقانون الجديد وذلك بتحريك قيمة الأجرة الشهرية بنسب مختلفة بهدف تحقيق العدالة والمساواة وخلق التوازن بين حقوق وإلتزامات المستأجرين وحقوق وإلتزامات الملاك ـ كما ينص المشروع الجديد على ذلك ـ وهنا يناقض المشروع الجديد نفسه وأهدافه إذ جعل الامتداد القانونى لعقد الإيجار بلا نهاية وإن كان قد حصره فى الزوجة والأبناء دون غيرهم فإن هؤلاء الأبناء سوف يكون لهم أبناء آخرون من بعدهم وهكذا وقد اعتمد مشروع القانون على إخضاع عقود الإيجار التى نشأت قبل تاريخ العمل بالقانون المقترح بأغراض السكن لزيادة دورية ثابتة من قيمة الأجرة الشهرية وذلك على أساس شرائح زمنية ونسب مئوية تقديرية واجتهادية ليس لها قاعدة علمية وهذه الطريقة وإن كانت تحاول أن تعيد للملاك بعض حقوقهم التى سلبتها منهم القوانين السارية إلا أن ذلك لن يساعد على الاستثمار فى الاسكان بهدف التأجير. فمهما كانت الزيادة المقترحة فلن تقترب النتيجة إلى القيمة التى تحددها آليات السوق بالعرض والطلب. فإذا افترضنا أن القيمة الإيجارية لوحدة سكنية أنشئت منذ 50 سنة هى 4 جنيهات فسوف تتعرض للزيادة المقترحة بنسبة 50 % كل عام على النحو التالى السنة الأولى ستة جنيهات والسنة الثانية 9 جنيهات والثالثة 13,5 جنيه والرابعة 20,25 جنيه والسنة الخامسة حوالى 30 جنيهاً هذا فى الوقت الذى تتحرك فيه الأسعار بمعدل أسرع كثيراً فى جميع مجالات الإنفاق الأخرى كما تتزايد فيها الدخول السنوية وتتزايد بالتالى القيم الإيجارية للمساكن التى تنشأ بعد القانون وتخضع لأحكام عقد الإيجار وهكذا تستمر الفجوة كبيرة بين القيم الإيجارية للمبانى المنشأة قبل القانون والمبانى المنشأة بعد القانون الأمر الذى لن يساعد على حركة السكان إلى المدن والمجتمعات الجديدة التى هى أساس الاستراتيجية القومية للتنمية والتعمير. لقد ثبت أن فئات الدخل المحدود قادرة على التعامل مع مشكلة الاسكان باسلوبها الخاص كما هو واضح فى التجمعات العشوائية بواقعية شديدة بالرغم من كل البنود والقوانين السائدة ويعنى ذلك أن القوانين لابد أن تؤسس على أساس الواقعية التى يمكن بها تنظيم الآليات التى أوجدت التجمعات العشوائية وتوجيهها التوجيه السليم على الأراضى الصحراوية وإذا كانت التجمعات العشوائية قد طبقت الاستثمار فى مجال التأجير وفى إطار آليات السوق فمن الممكن أن تترك العلاقة بين المالك والمستأجر لأحكام عقد الإيجار وقد يرى البعض فى ذلك صدمة إجتماعية عنيفة قد تؤدى إلى رد فعل سلبى من أصحاب الدخول المحدودة، ولكن الواقع أن أصحاب هذه الدخول يخضعون لأحكام عقود الإيجار فى التجمعات العشوائية بكل الرضاء والتراضى، ومع ذلك يمكن أن يطبق النظام الحر فى التأجير على مراحل زمنية تنتهى بعد فترة معينة لا تزيد عن خمس سنوات وفى هذه الحالة يمكن الإعتماد على القيمة الإيجارية الأولى للوحدة السكنية التى تحددت فى ظل أحكام عقود الإيجار المنصوص عليها فى القانون المدنى وقبل التخفيضات التى طرأت عليها فى ظل توجيهات سياسية خاصة لم يعد لها وجود فى ظل تحرر الإقتصاد المصرى وفى هذه الحالة يمكن أخذ القيمة الإيجارية الأولى كأساس لتحريك القيمة الإيجارية بنسبة تصاعدية قدرها 5% سنوياً أومتوسط نسبة معدلات التضخم فالوحدة السكنية التى تبلغ قيمتها الحالية 4 جنيهات يمكن إرجاعها إلى قيمتها الأولى قبل التخفيض لتصل لحوالى 6 جنيهات منذ خمسين عاماً. وبتطبيق النسبة التصاعدية على مدى هذه المدة قد تصل القيمة الإيجارية الحالية إلى حوالى 35 جنيهاً وهى قيمة مقبولة وإذا كانت تمثل 20% من دخل شهرى قدرها 175 جنيهاً، وبهذه الطريقة تسرى أحكام عقود الإيجار الجديدة كما هو منصوص عليها فى القانون المدنى. ويعنى ذلك إرجاع الأمور إلى أصولها وإن كان فى ذلك تضحية لما فقده المالك على مدى الخمسين سنة الماضية، ولكنه عند عودة الأمور إلى أصولها سوف يصبح متمتعاً بالملكية الشرعية للعقار وتطبق هذه الطريقة بالنسبة للعدد الحقيقى لسنوات الإنشاء أو المدة الحقيقية للإيجار الأصلى دون الدخول فى متاهات تحديد عمر المنشأ كما هو مقترح فى مشروع القانون الجديد، وهنا يصبح المالك مسئولاً مسئولية قانونية عن أعمال الترميم والصيانة والتنكيس وكافة الإصلاحات والحراسة من منطلق ملكيته للعقار وحرصه على سلامته والحفاظ عليه حتى لا تنخفض قيمته الإستثمارية فى السوق الحرة للاسكان. فقد ثبت فى الواقع صعوبة اتفاق الشاغلين للوحدات السكنية وغيرالسكنية على دفع جميع نفقات الترميم والصيانة خارج وحداتهم السكنية وإن كانوا ملزمين بنفقات إستهلاكهم من المياه والكهرباء فقط، هذا مالم تراعه المادة (6) من المشروع المقترح. وتأكيداً لزيادة عوامل الجذب للمدن والتجمعات السكنية الجديدة يمكن إعفاء مالكى وشاغلى المبانى المؤجرة لأغراض السكن فى المدن والتجمعات الجديدة من جميع الضرائب العقارية الأصلية والإضافية ولا تدخل إيرادات هذه المساكن فى وعاء الضريبة العامة على الإيراد مع عدم تطبيق هذا الإعفاء على مالكى وشاغلى المبانى المؤجرة لأغراض السكن فى المدن القائمة التى تتمتع بالعديد من الخدمات وفرص العمل أكثر من المدن والتجمعات الجديدة الأمر الذى يعمل على تحقيق أهداف الاستراتيجية القومية للتنمية والتعمير التى هى فى الواقع استراتيجية أمنية ودفاعية فى المقام الأول .

وحفاظاً على الثروة العقارية وإضافة إلى إلتزام المالك بنفقات الصيانة والترميم والتنكيس فى ظل تحرير الاسكان من القيود القانونية وفى إطار أحكام عقود الإيجار المنصوص عليها فى القانون المدنى، يلتزم المالك بتجديد ترخيص المبنى كل خمس سنوات للتأكد من سلامة المبنى وإلاخضع إلى العقوبة التى يحددها القانون وذلك على غرار تجديد ترخيص السيارة والكشف عليها كل ثلاث سنوات تأكيداً لسلامتها للسير. وهنا يتم التفتيش على العقار بواسطة الإدارات الفنية لأجهزة الإدارة المحلية كل خمس سنوات للتأكد من سلامة المنشأ والتجديدات الصحية والكهربائية والإلتزام بقواعد النظافة فى الداخل والخارج وفوق الأسطح وعدم إضافة أى إضافات تضر بالمبنى دون ترخيص وبذلك يمكن وضع سجلات خاصة بكل عقار وبكل وحدة سكنية فيه موضحاً فيها الإستعمال الأساسى سواء أكان للسكن أوالتجارة أوالإدارة ومن ثم يمكن مراجعة هذه الإستعمالات وما بها من مخالفات كل خمس سنوات لتستعين بها أجهزة التنظيم والتخطيط العمرانى وإذا كان المجتمع حريصاً على عدم مخالفة قوانين التنظيم بهذه الصورة التى انتشرت فى كل مكان فى المدينة والقرية على حد سواء. فلا بد أن ينص مشروع قانون الاسكان الجديد على أن يتحمل المستأجر أوالمشترى للوحدة السكنية أى عواقب قانونية تترتب على مخالفة المالك لقوانين التنظيم . فالمستأجر والمشترى يعتبران مشاركين فى هذه المخالفات إذ لابد أن يتأكدا من أن البناء لا يشوبه أى مخالفة تنظيمية أوإدارية قبل الاستئجار أوالشراء وذلك حتى يدرك المالك أن مخالفة قوانين التنظيم سوف تؤثر على إستثماراته فى حالة المخالفة إن لم يتوقف التعامل أساساً مع العقار المخالف .

إن معاملة قانون الاسكان لايمكن أن يعالج بهذا التبسيط فى المعالجة فهو من أخطر القوانين التى سوف تؤثر على مستقبل مصر الإقتصادى والإجتماعى والأمنى معا …. لقد ساعدت  قوانين الاسكان التى صدرت منذ عام 1952م فى إبراز العديد من المشاكل التى تعانيها مصر حالياً وتحاول مواجهتها بكل إمكانياتها. وأقل هذه المشاكل ما تعانيه المدن والقرى من العشوائية العمرانية وما صحب ذلك من مشاكل صحية وأمنية وثقافية وسياسية تدفع لحلها الدولة الكثير وسوف تستمر تدفع دون رؤيا مستقبلية لما يترتب على ما تقوم به من مشروعات لحل هذه المشاكل. هنا لابد وأن يخضع الفكر السياسى للمنطق العلمى فقد انتهى عصر العصبيات ومراكز القوى ومجموعات الضغط وبدأ عصر الأخذ بالمسببات العلمية. هذا هو الفرق بين التخلف والتقدم للشعوب .

word
pdf