كبح جماح المدن المصرية مشكلة الأمتداد العمرانى والأرض الزراعية

كبح جماح المدن المصرية مشكلة الأمتداد العمرانى والأرض الزراعية2019-11-11T10:45:09+00:00

كبح جماح المدن المصرية


مشكلة الامتداد العمراني والأرض الزراعيـــــة

 

 

في الوقت الذي تعمل فيه الدولة بكل قواها لزيادة الرقعة الزراعية في البلاد سواء أكان ذلك عن طريق استصلاح الأراضي البور أو عن طريق تعمير الصحاري وتهيئة المناطق الجديدة لاستقبال مياه السد العالي. نشاهد المدن المصرية وهي تزحف مندفعة على الأراضي الزراعية مستقطعة منها مساحات شاسعة دون ما رقيب أو قوة تكبح جماحها. وتشير الأرقام إلى مدى تضخم المدن المصرية التي زاد عدد سكانها بمقدار مرة ونصف ما كانت عليه منذ ربع قرن مضى. فالمدن المصرية تستوعب في الوقت الحاضر حوالي 38% من جملة السكان بالبلاد. ومع الزيادة المستمرة في عدد السكان بمعدل نصف مليون نسمة في العام نجد أن معدل الزيادة في سكان المدن يبلغ أكثر من عشرة مرات معدل الزيادة في سكان الريف. وتنعكس هذه الظاهرة بدورها على الامتداد العمراني لهذه المدن على حساب ما يحيط بها من الأراضي الزراعية التي لا تستطيع أن تتسع بالمعدل الذي يقابل هذا التضخم. ففي الوقت الذي بلغ فيه تضخم المدن حوالي مرة ونصف ما كانت عليه من ربع قرن نجد الأرض الزراعية قد زادت بمقدار 10%. وفي نفس الوقت تدل الإحصائيات على أن المدينة المصرية سوف يتضاعف سكانها في الخمسين سنة القادمة. بمعدل يقارب معدل الزيادة في الرقعة العمرانية. فإذا ما تركت المدن المصرية بعد ذلك على عاتقها فإنها سوف تستقطع من الأراضي الزراعية كعنصر من عناصر الإنتاج بالبلاد ما يقرب من 30 ألف فداناً في الخمسين سنة القادمة. ذلك إذا ما استثنينا من هذه المدن تلك التي تتيح لها الظروف أن تمتد في غير الأراضي الزراعية.

أما بالنسبة للقرى فإن معدل امتدادها العمراني فيبلغ حوالي 1% في العام وهذه نسبة بسيطة إذا قيست بمعدل الامتداد العمراني للمدينة. فقد دأب امتداد القرية على أن يسير في أضيق الحدود وذلك بسبب حرص الفلاح على كل شبر من الأراضي الزراعية. وهكذا أصبحت القرية المصرية كتلة سكنية متماسكة. وإذا سار تخطيط القرية المصرية بعد ذلك على أساس مناطق الامتداد الجديدة. دون أن يعوض عنها من المساحة الحالية للقرية بشيء فإن هذه القرى قد تستقطع في تخطيطها الجديد حوالي 40 ألف فدان بمعدل عشرة أفدنة للقرية الواحدة.

وهكذا نجد أن المدن والقرى المصرية في امتدادها في المستقبل قد تستقطع حوالي 70 ألف فداناً من الأراضي الزراعية الخصبة بطميها وإنتاجها. الأمر الذي يجب تداركه من الآن في عمليات التخطيط الإقليمي في الدولة بإعادة توزيع السكان والتجمعات السكنية على حساب الأراضي الصحراوية.

إن جذور المشكلة لا يزال ثابت في تزايد السكان في المدن وتضخمها بسبب زيادة معدل الهجرة من الريف إليها عن معدل الهجرة خارج هذه المدن وقد يستلزم التخطيط الإقليمي للبلاد بعد ذلك توزيع السكان والتجمعات السكنية إلى خارج المناطق الزراعية أو إلى حدودها الشرقية والغربية. وربما تطلب هذا الاتجاه توجيه التجمعات الصناعية الجديدة إلى حدود الوادي الأخضر لتجذب إليها الأيدي العاملة من المناطق المزدحمة في مدن الدلتا أو الصعيد بدلاً من أن تتجه إلى الأيدي العاملة في تجمعاتها المتضخمة. وبهذا يمكن تخفيف الضغط الكبير على الأرض الزراعية ويقل كذلك الزحف العمراني عليها.

وتدل الدراسات التحليلية في تخطيط المدن والقرى المصرية أن المشكلة ليست في درجة التزاحم في السكان بقدر ما هي في سوء حالة الإسكان بها. فإذا ما قدرنا الكثافات السكانية بالحد الأقصى الذي يتناسب مع ظروفنا وإمكانياتنا المحلية فإن الدراسات التخطيطية في هذا المجال تشير إلى أن المساحة التي قد تحتاجها مضاعفة سكان المدينة في الخمسين سنة القادمة يمكن حصرها في حدود 40% من مساحتها الحالية. وطبقاً لهذا التقدير يصبح معدل امتداد المدينة في المتوسط حوالي 3,3 فدان لكل ألف نسمة. ويزيد هذا المعدل إلى ما يقرب من 4,5 فدان إذا ما أدخلنا في الاعتبار حسابنا لمقدار الامتداد في مساحات المناطق المفتوحة والمدارس والمباني التجارية والعامة. وعلى هذا التقدير فإن المساحة التي قد تستقطعها المدن الواقعة وسط الأراضي الزراعية تبلغ حوالي 12 ألف فدان في امتداداتها المستقبلية. والمشكلة بعد ذلك تنحصر في توجيه هذه الامتدادات خاصة في الاتجاه الرأسي.

وتدل الدراسات التخطيطية كذلك على أن المساحات الحالية للقرى تستطيع أن تستوعب السكان الحاليين بها في التخطيط الجديد لها. على أن يقابل امتداد هذه القرى في الاتجاه الرأسي في الدور الثاني لمبانيها السكنية. كما تدل هذه الدراسات كذلك على أن المساحات الحالية للمدن تستطيع أن تستوعب في تخطيطها الجديد حوالي 15% زيادة على سكانها الحاليين إن لم يكن أكثر إذا ما أعيد تخطيطها على أساس سليم وخطة إسكانية واضحة تصمم فيها الوحدات السكنية بحيث تستوعب الحد الأدنى لمستلزمات الحياة مع تنظيم وسائل المعيشة للسكان بعمل نماذج موحدة من الأثاث تتناسب مع التصميمات المعمارية وعلى أن تبنى اقتصاديات خطة الإسكان على أساس تطور صناعة البناء في البلاد بعمل نماذج موحدة لمختلف التركيبات المعمارية والإنشائية وبذلك تنخفض تكاليف الإنشاء إلى أقل حد ممكن بالإضافة إلى سرعة التنفيذ وسهولته. إنه لا يزال أمامنا في هذا الشأن طريق طويل في مجالات الأبحاث النوعية والدراسات التخطيطية. ليس فقط حتى نستطيع بناء مدننا الجديدة مع المحافظة على كل شبر من الأراضي الزراعية المحيطة بها بل حتى نستطيع بناء الريف وأن تقرب فيما بين بيت الفلاح الذي ورثه منذ آلاف السنين والمعمل الذري الذي يعمل للمستقبل.

word
pdf