كلمة عن : مسجد الزهراء
( الحائز على الجائزة الثانية لمجلس وزراء الإسكان العرب عام 1997)
يستمد تصميم المسجد نظريته من القواعد الفقهية التي تحكم مضمونه المعماري ومن ثم الشكل الذي يغلف هذا المضمون تماما كما تستمد النظرية الإسلامية مقوماتها من هذه القواعد الفقهية بالنسبة للإسكان ومباني الخدمات. فتصميم المسجد له قواعده الفقهية كالتي تسعى إلى عدم قطع صفوف المصلين بالأعمدة الكثيرة وذلك باستخدام النظريات الإنشائية الحديثة ومنها توفير الرؤيا المباشرة للخطيب وإعطاء الصفوف الأولى الأفضلية قال رسول الله صلى الله عليه وسلم ” لو يعلمون ما في الصف المقدم لاستهموا”. كما تتحدد وظيفة المسجد كمركز إشعاع حضاري في المجتمع الذي يحيطه تمارس فيه العبادات كما ترتبط به الأنشطة الاجتماعية والثقافية .. والإسلام يدعو إلى بناء المسجد بناء قويا ليس فيه مفاخرة أوتزيين عن ابن عباس رضي الله عنه قال، قال صلى الله عليه وسلم ” ما أمرت بتشييد المساجد” – وقال ابن عباس عقب هذا الحديث ” لزخرفتها كما زخرفت اليهود والنصارى”. إما أن يكون قد تلقاه لفظا ومعنى من النبي صلى الله عليه وسلم ولم يرفعه الراوي وإما أن يكون قد أخذه من أحاديث أخرى. وقال صلى الله عليه وسلم ” إذا زخرفتم مساجدكم وحليتم مصاحفكم فالدمار عليكم”. وعن أنس أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال ” لا تقوم الساعة حتى يتباهى الناس في المساجد”. وقال عمر بن الخطاب “إن القوم إذا زينوا مساجدهم قلت أعمالهم”. وقال أنس عن بناء المساجد “يتباهون بها ثم لا يعمرونها إلا قليلا ” كما أمر عمر بن الخطاب بناء المسجد وقال ” إكن الناس من المطر وإياك أن تحمر أو تصفر فتفتن الناس”
و هكذا تصبح القواعد الفقهية أساسا للنظرية المعمارية سواء بالنص كما أسلفنا أو بالقياس من آيات وأحاديث أخرى سواء أكان ذلك بالنسبة لبناء المساجد أو تخطيط وتصميم المناطق السكنية. حيث بنيت النظرية في الإسكان على قول الرسول الكريم ” إلا أن أربعين دارا جار”. و أشار الى الجهات الأربعة كأساس لتحديد وحدة الجوار السكنى في الإسلام. وكذلك توظيف مبدأ الوسطية حيث يبقى التصميم الداخلي للمبنى ملكا للفرد وتصبح الواجهات الخارجية له ملكا للمجتمع تأكيدا لمبدأ التجانس والتكافل الذي يميز المجتمع الإسلامي وبالتالي ينعكس على العمران الذي يعيش فيه .. من هنا كان يتجه المنهج العلمي في البحث عن العمارة في الإسلام كنظرية عالمية وليس بمفهوم العمارة الإسلامية كما رسمها المستشرقون وحددوا ملامحها الشكلية كما حددوا أبعادها الزمنية والمكانية.
بناء على تكليف الدكتور/ وكيل جامعة الأزهر ورئيس مركز صالح كامل للدراسات القانونية والاقتصادية بالجامعة، تم وضع التصميم المعماري للمسجد الذي تبرع بتشييده سعادة الشيخ/ صالح كامل ليؤدى غرضين في وقت واحد.
الغرض الأول هو استعمال المنشأ كمسجد لأداء فريضة صلاة الجمعة بكامل مساحته.
والغرض الثاني هو استعماله كمقر لكلية الدعوة الإسلامية بالجامعة مع ما يتطلبه ذلك من وجود مكتبة علمية ومكاتب لهيئة التدريس ومطعم وقاعات لاستخدام الحاسب الآلي وغير ذلك من الأنشطة العلمية. وقد طلب الشيخ صالح كامل إيجاد صيغة معمارية لتحقيق الغرضين في وقت واحد بحيث تستعمل أجزاء من المسجد للدروس في أيام الأسبوع عدا يوم الجمعة حيث تستغل كل مساحة المسجد للصلاة.
وبناء على هذه التوجيهات تم وضع المخطط المعماري للمسجد بحيث يمكن تقسيم أروقته الجانبية بحواجز منزلقة وتحويلها إلى فصول دراسية أيام الدراسة و كذلك تصميم مقاعد يمكن إقامتها ووضعها في المستوى الرأسي لاستعمال الطلبة ثم تطبيقها ووضعها في أرضية الفصل لتصبح في مستوى أرضية المسجد ثم تغطى الأبسطة وتطبق الحواجز المنزلقة لإفساح المكان لاستقبال المصلين أيام الجمع. ويترك بيت الصلاة الذي أمام المحراب دائما للصلوات الخمس اليومية.
وبذلك نكون قد حققنا الغرضين الأول والثاني من إقامة هذا المسجد الذي هو في نفس الوقت مقر لكلية الدعوة الإسلامية. وبذلك أيضا نكون قد أنفقنا المال المرصود له من مال المسلمين في محله الصحيح باستغلال المكان أكبر استغلال ممكن.
وقد روعي في تصميم المسجد أوالمبنى كل القواعد الفقهية التي يتطلبها تصميم المساجد من عدم وجود أعمدة تقطع الصفوف وعدم الإسراف في الزخرف وتمكين المصلين من رؤية الإمام واعتبار الأفضلية للصفوف الأولى في الصلاة وكل ذلك باستعمال التقنية الحديثة في البناء والتشييد المتمثلة في الأقبية المتقاطعة التي تكون السقف العلوي للمسجد. وفى تصميم الكراسي والحواجز المنطبقة.
بلغت المساحة المبنية في المسجد و ملحقاته 3250 م2 كما بلغت تكلفته 7,6 مليون جنيه و يقع في داخل موقع جامعة الأزهر- طريق النصر بمدينة نصر.
وهكذا أمكن الوصول إلى صيغة عملية لربط الأصالة بالمعاصرة تعبيرا عن النظرية المعمارية في الإسلام كنظرية عالمية تصلح لكل زمان ومكان.
