ليس بالقوانين وحدها تمنع الحرائق
الدكتور عبد الباقى إبراهيم
الأهرام الإقتصادى 14/10/1991 – العدد 1187 والمشكلة هنا ليست فى القوانين ـ وما أكثرها ـ ولكن فى تطبيق هذه القوانين. المشكلة هنا فى الفروق الحضارية بين التقدم والتخلف. جذورها فى ممارسة المهنة. تعليما وتطبيقا فى الكليات والمعاهد ثم فى المنظمات المهنية التى ترعى الممارسة. فلم يعد للعمل الفنى أوالهندسى قيمة علمية فى نظر الدولة ولكنه أصبح تبعاً للقانون 9 لعام 1983 م فى مستوى تجارة المواشى والدواجن وتوريد أدوات النظافة حتى إن بعض الجهات الرسمية تدعو المكاتب الاستشارية لتوريد الرسومات والقطاعات والمواصفات على نفس الاستمارة الخاصة بتوفير اللحم أوالخضار فالدولة ساعدت من جهة على الهبوط بالمهنة حتى فقدت أصولها الفنية والعلمية والهندسية ومن جهة أخرى تراجعت المعاهد العلمية والمنظمات المهنية عن اللحاق بالتقدم العلمى أو المهنى .. حتى أصبح بعض أساتذة الهندسة يقدمون أعمالهم بأبخس الأسعار وأقل الرسومات والمواصفات فما بال مهندسى التنظيم الذين يمنحون التراخيص بالأسلوب الرخيص ؟ المشكلة من جذورها هى فى التعامل مع تكنولوجيا العصر دون الإستعداد لمواجهتها بالعلم والممارسة لقد دخلت فى صناعة البناء والتشييد مواد مستحدثة دخلتها الألياف الصناعية واتصلت بها التجهيزات الإلكترونية والمكونات البلاستيكية بمواصفاتها الفنية وأسس تصميمها وتركيبها وصيانتها وذلك دون الإلمام بها علمياً وتطبيقياً، وتركت الأمور للإجتهاد والمحاولات سواء فى التصميم أو التركيب أو الصيانة فلم يعد المهندس ملماً بأصول المهنة كما لم يعد العامل فى مستوى المسئولية . هذه هى المشكلة ولذلك تلجأ الهيئات الأجنبية التى تبنى فى مصر إلى الإستعانة بالخبرات والعمالة الأجنبية ويقف المهندس المحلى عند الأعمال الصغيرة ويبقى العامل المحلى للحمل والمناولة وها هى جحافلهم تبحث عن فرص العمل فى الدول المجاورة دون رعاية أو عناية، فهم أميون لا يعرفون الكتابة أوالقراءة والمهندسون لا يجيدون قراءة أوكتابة اللغة الأجنبية التى تشرح تكنولوجيا البناء الحديث من مواصفات وتجهيزات . إذا كان لا بد أن نرتبط بحركة الكون فى التقدم والإرتقاء فلابد أن ترتبط حركتنا بإعداد عدتنا لنكون قادرين على مواكبة حركة الكون . فمجال التعليم المعمارى والهندسى يحتاج إلى هزة شديدة وصحوة قوية حتى نرى فيها موقفنا من العالم أو فى مجال ممارسة المهنة وتنظيمها فلا بد أن تواكب مثيلاتها فى الدول المتقدمة وهى تهتم بتدريب المعمارى والمهندس قبل تخرجه وبعد تخرجه حتى يصبح قادرا على إدراك أهمية العمل الهندسى بكل جزئياته وتخصصاته وهى تدركه بعد ذلك بالكتب ودلائل الأعمال وتمده بكل حديث فى صناعة التشييد وتكنولوجيا البناء وأسس التصميم ونظم التنفيذ وإدارة الأعمال فالبناء صناعة لا بد لها من رقابة كأى صناعة أخرى . هذه دعوة إلى تنظيم العمل الإستشارى من ناحية وتنظيم أعمال المقاولات من ناحية أخرى فهما مهنتان متلازمتان إذا كنا نسعى إلى منع الحرائق فى المبانى وفى الإقتصاد الداخلى والخارجى . وإذا كنا نسعى إلى تصدير الخبرة العالية والعمالة المدربة حتى نكون قادرين على المنافسة فى أسواق العمل الهندسى تصميماً أوتنفيذاً فإذا كنا نسعى إلى المنافسة فى تصدير الإنتاج الصناعى أوالزراعى بمواصفات خاصة فلا أقل من أن نسعى إلى المنافسة فى تصدير الأعمال الإستشارية والقدرات التنفيذية حتى نخرج من دائرة تصدير الأنفار الذين قلت قيمتهم فى سوق العمالة أمام عمالة الشرق الأقصى من ناحية وعمالة الغرب من ناحية أخرى . |
ليس بالقوانين وحدها تمنع الحرائقcpas2019-12-04T08:19:15+00:00