ليس دفاعاً عن وزير الثقافة

ليس دفاعاً عن وزير الثقافة2019-11-21T11:04:03+00:00

ليس دفاعاً عن وزير الثقافة

بقلم الدكتور/ عبد الباقي إبراهيم

 

لقد أدار السيد فاروق حسني وزير الثقافة معركته في مشروع هضبة الأهرام بكل كفاءة واقتدار أثارت الإعجاب كما أثارت التعجب. فهو يقود معركته وكأنه ربان سفينة سياحية في نهر النيل أصابها إعصار من جميع الجهات وارتفعت حولها الأمواج وهو لا يزال متماسك الأعصاب دائم الإبتسام مع ضيوفه على سطح السفينة يحاول أن يوجهها إلى حيث ترسو في أمان.. إيمانا منه بأهمية قضيته التي يحارب من أجلها.. فهي قضية فكر وقضية مصير.. وبحس الفنان المرهف لم ترتعش الريشة بين أصابعه وهو يتلقى النقد تلو النقد من المتحدثين في برنامج “واجه الحقيقة” اقتناعاً منه بأن إختلاف الرأي لا يفسد للود قضية.. وإن كان البعض من عملاء الوزارة قد تلقى الوعد والوعيد لمعارضته فكر الوزير. لقد حاول الوزير أن يدافع عن قضيته بكل قوة وذكاء حتى انه إستطاع أن يصور مشروعه الكبير ببساطة شديدة تهدأ لها الخواطر فصوره وكأنه مجرد سور يضم بعض الخدمات في حين أنه أقرب إلى مدرجات كرة القدم منه إلى السور.. وبذكاء متدفق أخذ السيد الوزير ينقص من درجات مشروعه ونزل بها بعدد درجات من سعة 17000 إلى 1200 إلى 4000 متفرج ومن إرتفاعه متراً بعد متر من 16 متر إلى 12 متر حتى أوصله إلى إرتفاع  يقبله العامة من الناس.. وهذا دليل على كفاءة المحارب الذي يستعمل كل الوسائل النفسية في الدفاع عن معركته. فعندما وجد سيادته إحجاماً من هيئة الآثار عن مشروعه المفاجئ.. لجأ إلى تكوين لجنة فنية من ثلاثة عشرة خبيراً انتقاهم بدقة وذكاء فمنهم عضو سبق أن اتهمته الدكتورة نعمات فؤاد بإبتزاز ممتلكاتها الخاصة.. وهذه إحدى قدرات المحارب المقتدر الذي إستطاع أن يستنطق لجنته الفنية المنتقاة كلاما يساند فكره ويؤيد قضيته وإن كان متناقضا في فحواه. وفي هذه المعركة إستطاع السيد الوزير بلباقة تثير الإعجاب كما تثير التعجب أن يحجب عن الرأي العام تقرير لجنة العمارة بالمجلس الأعلى للثقافة الذي وصفها سيادته بأنها تضم قمم المعماريين والمخططين في مصر.. فقد ناقش تقرير اللجنة المشروع بموضوعية العلماء ومنهجية الباحثين وانتهى إلى الحيثيات العلمية التي تعارضه استنادا إلى القوانين الدولية والأصول التخطيطية والقيم المعمارية ولم يدع الأمر في إطار النقد بل وضع التقرير كل الحلول التي تتجاوب مع متطلبات السيد الوزير وقدرته على التنفيذ فى الحال والمستقبل القريب والبعيد .. وهكذا تظهر قوة و اصرار السيد الوزير وتمسكه بفكره الذي اقتنع به ويحاول أن يحققه بكل الوسائل كفنان مصور له رؤيته الخاصة التي قد لا يدركها المعماريون أوالمخططون من المهندسين.. وفي هذا أيضاً تعبير على إحترام السيد الوزير للرأي والرأي الآخر الذي يؤكد به قناعته بأن إختلاف  الرأي ظاهرة ديموقراطية سوف تصل به إلى كسب معركته الفكرية وتحقيق نظرته الحضارية.. وإن كانت تتعارض مع كل الأعراف الدولية والأسس التخطيطية والمعمارية وتختلف مع قرار جامعة القاهرة وتناقض بيان نقابة المهندسين. إن كفاءة الرجل ليس عليها غبار يحجبها فهو قد تمرس على قيادة العمل الثقافي في فرنسا وإيطاليا ونال الثقة التي وضعته في هذه المكانة العلمية على قمة العمل الثقافي في مصر الحضارة. وإذا كان السيد الوزير قد إكتشف مؤخراً أن المهندس الذي أعد النماذج المجسمة لمشروعه الحضاري الكبير ليس له خبرة تؤهله للتعامل مع مثل هذه المشروعات وإنه قد ادعى الأستاذية بسبب إستخدامه من بعض أقسام العمارة لتعليم طالب السنة الأولى كيف يرسم بالقلم والمسطرة وإنه قد حمل نفسه درجة الدكتوراة الفخرية في التخطيط تارة والعمارة تارة أخرى إسترزاقا وإستخفافا بالعامة من الناس.. ومع ذلك لم يتحرج السيد الوزير من أن يقبل التعامل معه ما دام متبرعاً بالآلاف من الجنيهات التي أنفقها المهندس في إخراج هذه النماذج المجسمة النموذج تلو الآخر تحقيقاً لرغبة السيد الوزير دون أن تتكلف الوزارة أي أعباء مالية وهذا ما لا يستطيع تقديمه غيره من المهندسين وهذا ما يبعث على التقدير لحرص السيد الوزير على المال العام وإستثماره الأساليب غير التقليدية للوصول إلى تحقيق هدف إقتنع به وآمن بجدواه كعمل حضاري عظيم سوف يرفع من قدره أمام العالم.. كما سوف يعود على إقتصاد مصر وكما يقول بما يعادل عائدات قناة السويس.
هذا ليس دفاعا عن وزير الثقافة ولكن تعبير عن الإعجاب بقدرته وشجاعته في الدفاع عن هضبة الأهرام من الزحف العمراني الذي يهددها. وإذا كنا نختلف معه فى الوسيلة جملة وتفصيلا.

word
pdf