ماذا بعد انتخابات نقابة المهندسين

ماذا بعد انتخابات نقابة المهندسين2019-11-21T08:49:08+00:00

ماذا بعد انتخابات نقابة المهندسين

 

فك النقابة إلى نقابات تخصصية تحت مظلة المجلس الأعلى للنقابات الهندسية

 

للدكتور عبد الباقي إبراهيم

 

 رئيس مركز الدراسات التخطيطية والمعمارية

 

 

بعد هدوء المعركة الانتخابية لاختيار النقباء المحليين واستكمال أعضاء الشعب المختلفة بدأت الأحاديث الهادئة تتردد بين الأعضاء الجدد وفي أروقة التجمعات الهندسية حول إعادة النظر في قانون النقابة وتنظيماتها الداخلية خاصة وإن أعداد المهندسين قد تضاعفت عشرات المرات منذ إنشاء النقابة عام 1945 كما تعددت التخصصات الهندسية واستقلت بأنشطتها المهنية والعلمية. وبدأت مجموعات عديدة من أصحاب التخصصات المختلفة تبحث عن إمكانية إنشاء نقابات تخصصية تضم أصحاب المهنة الواحدة في التخصص الواحد.. وحجتهم في ذلك أنهم يعملون في إطار تعدد التخصصات حيث تضيع قيمة التخصص الواحد مهنيا وعلميا الأمر الذي انعكس على المستوى الفكري كما انعكس على مستوى الأداء المهني وإنحدرت المهنة بكل تخصصاتها ولم يعد يهم النقابة الأم إلا الموضوعات المشتركة المتمثلة في زيادة التأمين وتوفير الإسكان وشراء السيارات مع أن كل شعبة من التخصصات المختلفة تعمل في نطاق محدود لا يخرج عن التسجيل أوالتحكيم فيما يعرض عليها من قضايا مرتبطة بممارسة المهنة, وتدور في الأوساط الهندسية نغمة جديدة تنم على التباعد بين التخصصات فمهندسي الغزل والنسيج ليس لهم أي علاقة مهنية أو علمية بمهندسي البترول ومهندسي البترول ليس لهم أي علاقة مهنية أو علمية بالمهندسين المعماريين والمهندسين المعماريين ليس لهم أى علاقة مهنية أو علمية بمهندسي الكيمياء الصناعية والفلزات. اللهم إلا إنهم جميعا يحملون لقب مهندس وهو لقب فقد إحترامه بعد أن حمله النجار والسباك وتلاعب به المهندسون أنفسهم. مهندس الغزل والنسيج يمكن أن يقوم بمسئولية بناء عمارة مادام يحمل رقم عضوية وبالمثل بالنسبة للمهندسين الزراعيين أوالمتخصصون في الهندسة الوراثية فكله عند العرب مهندسون. لكل ذلك نرى المباني التي لا يصممها المهندسون المعماريون والإنشائيون تتداعى على أصحابها.. وتتساءل قيادات الدولة عن أسباب هذا الإنحدار في مستوى الأداء المهني. ويتحمل المتخصصون كل هذه الأوزار. فمهندس الميكانيكا يعمل مقاول مباني والمهندس المعماري يعمل في الغزل والنسيج ومهندس الكيمياء يعمل في الطرق والمرافق العامة. وهكذا هبطت المهنة بكل تخصصاتها. لكل هذا تنبهت مجموعات كبيرة من المهندسين من التخصصات المختلفة إلى ضرورة السعي لإنقاذ مهنة كل منهم من الضياع. ويسعى البعض إلى الإستقلال المهني المتخصص في نقابات تخصصية يضمها إتحاد واحد للمهندسين يباشر الموضوعات المشتركة من التأمين وتقديم الخدمات الإجتماعية والتعاونية للأعضاء. أما كل نقابة متخصصة فتسعى إلى الإرتقاء بمستواها مهنيا وعلميا وذلك على غرار المؤسسات المهنية العلمية المثيلة في كل بلاد العالم الأول أو الثاني أو الثالث.

ومع إخلاص النية الذي يظهر في مثل هذا الاتجاه بعيدا عن الصراعات السياسية أو الحزبية أو الشللية. فإن البعض يرى أن في فك النقابة الأم إلى نقابات تخصصية إضعاف للقوة وتشتيت للجهود النقابية وإضعاف للعمل النقابي المتمثل في الأعداد الكبيرة من المهندسين التي يتباهى بها نقيبهم كما أن فك النقابة الأم إلى نقابات تخصصية يساعد على إضعاف قبضة الدولة المتمثلة في قوة وزير الري (الأشغال حاليا) على أنشطة النقابة واتجاهاتها السياسية. ويرى البعض الآخر أن في هذا الاتجاه إضعاف لهيبة المهندس في المجتمع فهو في الوضع الحالي يستمد قوته ووضعه الإجتماعي من قوة نقابته وإن كان ذلك يتم على حساب المستوى المهني أو العلمي. فلم يعد لذلك أي حساب في موازين العصر المادي. كما ترى مجموعات أخرى من المهندسين أن الاتجاه إلى فك النقابة الأم إلى نقابات تخصصية لن يتحقق مهما كانت الأسباب القوية التي تدفعه مادام ذلك لن يتم إلا من خلال المجلس الأعلى للنقابة القابض على كل مقدراتها وهو الجهاز المعارض لأي اتجاه يضعف من سلطته وسلطانه بمنطق أن في الإتحاد قوة وفي التفكك ضعف.

وهكذا بدأت الاتجاهات المهنية والعلمية تظهر في المجموعات المختلفة للتخصصات المختلفة التي تضمها نقابة المهندسين كما بدأت التصورات المستقبلية لتوجيه العمل النقابي تظهر أيضا بين هذه المجموعات بعد فترة الصراعات والمناورات والمحاكمات والإحتجاجات التي ظهرت أخيرا في النقابة, وكانت تصيب العمل النقابي بالشلل الكامل. ومن مظاهر الاتجاهات الجديدة التي ظهرت في السنوات الأخيرة دعوة المعماريين المصريين إلى عقد مؤتمرهم الأول في إبريل عام 1985 وتبعه مؤتمرين آخرين في إبريل 1986 وإبريل 1987. وبدأ يظهر هذا التجمع التخصصي في صورة مؤسسة دائمة هي المؤتمر الدائم للمعماريين المصريين وهي صيغة لها صفة الإستمرارية مع أنها ليست لها صيغة قانونية وإن كانت شرعيتها تستمد من المشاركين فيها وهم أعضاء شعبة العمارة بنقابة المهندسين وجمعية المهندسين المعماريين وأعضاء لجنة العمارة بالمجلس الأعلى للثقافة. ويسعى معظم المعماريون إلى نقل هذه الصيغة المؤقتة إلى صيغة شرعية تحت مسمى إتحاد المعماريين المصريين إذا ما توفرت لهم الظروف وسمحت لهم الدولة بذلك. وهذه صورة من الصور التي بدأت تظهر في مجتمع المهندسين خاصة في الفترة الأخيرة تدعو إلى فك نقابة الأم إلى نقابات تخصصية تحت مظلة المجلس الأعلى الحالي للنقابات الهندسية كصيغة بديلة للمجلس الأعلى للنقابة الحالي. وقد يكون في هذا الاتجاه ما يرضي جميع الأطراف من المتخصصين والمتمسكين بوحدة النقابة.

ويبقى أن نتساءل هنا.. هل يوجد مثل هذا الوضع في أي دولة من دول العالم.. فليس هناك أساسا ما يسمى بنقابة المهندسين الأمريكية أو نقابة المهندسين السوفيتية بل هناك مؤسسات مهنية علمية متخصصة في كل فروع الهندسة فأين نحن من العالم ونحن على مشارف عصر النهضة الذي يتطلع إليه السيد رئيس الجمهورية.

word
pdf