محاولة للكشف عن الفلسفة التى تختفى وراء عمارتنا الحديثةالأهرام 1/8/1963 بقلم الدكتور عبد الباقى إبراهيم فى هذا المقال يرتاد الدكتور عبد الباقى إبراهيم مدرس التخطيط بكلية الهندسة بجامعة عين شمس مجالاً جديداً لربط الفلسفة الإشتراكية بفن العمارة فى مدننا وقرانا وذلك من خلال التطورات السريعة التى تحدث لمجتمعنا. فى الوقت الذى تعمل فيه الدولة جاهدة على إحياء تراثنا الحضارى حتى تتبلور الشخصية القومية للشعب ، تخطو الجهات المعنية فى هذا السبيل خطوات واسعة موفقة فى مجالات الفنون المختلفة ، ولم يتخلف عن هذا الركب سوى العمارة المصرية الحديثة لا كعلم فقط ولكن كفن تنعكس عليه صورة المجتمع الإشتراكى الذى تحددت مقوماته وتبلورت معالمه ، وفى الوقت الذى تسير فيه حركة التعمير والبناء فى الدولة بسرعة فائقة لترسم ملامح الصورة الطبيعية للدولة فى مدنها وقراها نجد هذه الملامح وقد فقدت قدرتها فى أن تعبر عن مجتمعنا الجديد أو أن تنبع من تراثنا الحضارى العميق ، وهكذا تكاد تفقد العمارة المصرية الحديثة شخصيتها وسط هذا الخضم من الفلسفات المعمارية المعاصرة ، الأمر الذى لا تستطيع معه أن تعبر عن الذوق المعمارى العام للمجتمع المتجه نحو الإشتراكية . لقد دأبت العمارة المصرية الحديثة على أن تحصل على مقوماتها من العمارة الأجنبية وتستمد أصولها مما تجود عليها به المؤلفات الغربية دون ماتعمق أو تبصر بما قد يجود به تراثنا القومى من ذخيرة فنية وافرة ، ذلك فى الوقت الذى تركنا فيه رواد العمارة المعاصرة ينهلون من حضارتنا وفلسفاتنا وتراثنا القومى ويقدمون لنا أروع الأمثلة لإمكانياتنا المعمارية التى تستمد جذورها من تراثنا العربى ومن ملامح مجتمعنا الجديد بالإضافة إلى المؤثرات المناخية المحلية فتخرج عمارة كعمارة المدينة الجامعية ببغداد والتى خططها جروبيوس وصممها مع مجموعة من معاونيه وعمارة كعمارة مبنى السفارة الأمريكية فى بغداد للمهندس جوزيه سيرت ، ولا عجب بعد ذلك فى أن نجد كبار المعماريين الذين زاروا القاهرة وعلى رأسهم المهندس الراحل فرانك لويد رايت وقد أبدوا أسفهم العميق لإهمالنا لتراثنا المعمارى القديم . العمارة المعاصرة والدولة وهى تسيطر على عملية البناء فى البلاد ، تستطيع بأجهزتها الفنية أن توجه العمارة المصرية الحديثة فى الطريق الذى تستند فيه على تراثنا الفنى فى روحه وفلسفته وليس فى الشكليات السطحية ، والمجال يتسع لهذا السبيل فى المشروعات المعمارية المتكاملة سواء أكان ذلك فى مناطق الإسكان كما هو بالنسبة لمثل مدينة الفاطمين المزمع بناؤها والتى بنيت عمارتها على أساس التبسيط السطحى للطرز العربية ، أو فى المبانى العامة التى تقوم بها الدولة كما هو الحال بالنسبة لمشروع مثل مدينة الأزهر الجامعية أو غيرها من المشروعات التى يخشى من أن تجمع أطرافها من تصميمات معمارية متباينة أو ألا يخضع تخطيطها أو تصميمها إلى مجموعات متضافرة من المصممين ، ومسئولية الجامعات هنا لا تقل عن دور الأجهزة الفنية فى الدولة فى هذا المجال ، فالتعليم المعمارى لا يزال متخلفاً عن غيره من الفنون ، كما انه يعتمد إلى حد كبير على ماتقدمه المراجع الأجنبية دون إعتبار للظروف المحلية ، ذلك فى الوقت الذى يعانى فيه الإنتاج الفنى نقصاً كبيراً فى مجال التأليف أو الأبحاث المعمارية التى تستمد أصولها من التراث القومى . إن العمارة المصرية الحديثة لا تزال تعتمد إلى حد كبير على الإنفعالات الشخصية والأساسات الفردية ، الأمر الذى لا تستطيع معه أن تلحق بالركب الإشتراكى فى الدولة أو أن ترسم البيئة الطبيعية التى ينمو فيها المجتمع الإشتراكى ، وإذا كانت ملامح الإشتراكية فى العمارة قد ظهرت فى كثير من المناطق الجديدة للإسكان الإقتصادى أو المتوسط إلا أنها قد إختفت من مناطق الإسكان الخاص ، وإن كانت الملامح المعمارية فى كلتا الحالتين لا تزال بعيدة عن أعماق تراثنا الفنى شأنها فى ذلك شأن المبانى العامة التى تنمو فى مدننا وقرانا وتكاد تفقدها طابعها التخطيطى . الملكية الفردية والعمارة الكرنفـال وإذا كان التعليم المعمارى فى مصر لا يزال متخلفاً عن غيره من الفنون لحداثة عهدنا به فإن تخطيط المدن كعلم لا يزال يمثل إحدى المواد الثانوية فى التعليم المعمارى بالرغم من مرحلة التطور السريع التى تمر بها البلاد وتنمو فيها عشرات المدن وآلاف القرى التى تحتاج إلى جيش كبير من المخططين ليعاونوها على تحديد مستقبلها على هدى السياسة العامة للدولة . |
محاولة للكشف عن الفلسفة التى تختفى وراء عمارتنا الحديثةcpas2019-12-12T08:25:34+00:00