مراكز البناء بالجهود الذاتية لإيواء من لا مأوى لهم

مراكز البناء بالجهود الذاتية لإيواء من لا مأوى لهم2019-11-11T12:53:09+00:00

مراكز البناء بالجهود الذاتية لإيواء من لا مأوى لهم

 

 

ما تلبث الدولة أن تعلن عن مشروع كبير للإسكان والتعمير فى موقع ما إلا وحفت إليه ظاهرة الإسكان العشوائي فتبنى الأسوار ثم ما تلبث أن تقام المباني السكنية وتستمر الدولة فى إعداد الخطط والمخططات وحساب التكاليف والجدوى الاقتصادية آخذه فى ذلك الوقت الطويل الذي يسمح لظاهرة الإسكان العشوائي أن تنتشر بكل هدوء وراحة بعيدا عن القانون مشكلة بذلك مشكلة أخرى مالم تتخذ الإجراءات الخاصة بتنفيذ المشروعات الجديدة .

و تقف الدولة عاجزة عن مواجهة الأمر بعد وقوعه وتبدأ الحوارات والمساجلات مع أو ضد هذه الظاهرة ويطول الجدل والمناقشات متيحين الوقت للإسكان العشوائي إن يتفشى ولا يتوقف. الأمر الذي يتطلب إعادة النظر فى أسلوب التعمير والإنشاء وذلك بالبحث عن الوسيلة السريعة التي يمكن أن تبدأ بها الأجهزة الرسمية فى تعمير المناطق العديدة دون إتاحة الفرصة لتفشى ظاهرة الإسكان العشوائي ولكن مواجهتها بنفس الأساليب التي تحرك الإسكان العشوائي ولكن بطريقة منظمة يشارك فيها المنتفعون المتوقعون من بداية التفكير ثم فى مرحلتي التخطيط والبناء . ويعتمد هذا الأسلوب على إنشاء مراكز البناء بالجهود الذاتية التي توفر مواد البناء والتجهيزات والتركيبات كما توفر عناصر الإنشاء الجاهزة مع العمالة الفنية التي تستطع مساندة المنتفعين فى بناء مساكنهم بالشكل والتصميم الذي يناسب إمكانياتهم البشرية والمالية على مساحة الأرض التي تتناسب مع هذه الإمكانيات حتى لا يلجأ المنتفعون إلى موارد أخرى تشوه حالة الإسكان إذا ما توافرت هذه المواد والتجهيزات بأقل الأسعار التعاونية . هذا وتستطيع مراكز البناء بالجهود الذاتية من متابعة حركة التعمير وتوجيهها فى ضوء المقاسات الموحدة لعناصر الانشاء المتوفرة والتي يطلبها المنتفعون من المركز تبعا لحجمهم وقذارتهم فى المراحل الأولى للإيواء ثم تبعا لحجم مدخراتهم بعد ذلك فى المراحل التالية ويستطيع مركز البناء بهذا الشأن أن تتفاعل مع المنتفعين ويوفر لهم متطلباتهم من إمداد بالمياه والكهرباء بأسلوب تعاوني فى المراحل الأولى ومتطلباتهم من الخدمات العامة على مراحل متتالية حسب تزايد الطلب عليها … هذا فى الوقت الذي توفر فيه الدولة فى البداية أرض البناء للمنتفعين دون مقابل يذكر إلا من الرسوم الأولية وتستمر ملكية الأرض للدولة إلى حين انتهاء المنتفعين من علميات البناء والتشييد .

ومن خلال هذه الإجراءات تعمل مراكز البناء بالجهود الذاتية على تنظيم الدورات التدريبية للمنتفعين بعد مرحلة الإيواء الأولى لتأهيلهم للقيام باستكمال مبانيهم بأنفسهم سواء فى صورة عمالة مستمرة أو عمالة مؤقتة تبعا لما تسفر عنه نتائج الممارسة من خلال المتابعة والتقويم واستمرار مشاركة المنتفعين ليس فقط فى البناء المعماري ولكن أيضا فى البناء الاجتماعي، فالهدف من بناء المجتمعات الجديدة هذا لا يقتصر على الجوانب المادية من العملية ولكن يمتد الهدف إلى الجوانب الإنسانية التي تساعد على بناء مجتمعات سليمة لا مكان فيها للعنف أو التطرف أو العداء الاجتماعي . من هذا المنطلق يصبح بناء المجتمعات الجديدة من اختصاص القائمين على الشئون العمرانية والقائمين على الشئون الاجتماعية معا فلا يقتصر البناء على الجهة الواحدة التي تخصصت فى الإسكان والتعمير ولكن تمتد العملية إلى التعاون والتكامل والتنسيق بين الجهات الثلاث المسئولة وهى جهاز الإسكان والتعمير من ناحية وجهاز الشئون الاجتماعية من ناحية أخرى والمنتفعون المتوقع إسكانهم من جهة ثالثة بحيث تتوحد جهودهم في أجهزة موحدة تختص ببناء وتنمية مثل هذه المجتمعات الجديدة عمرانيا واجتماعيا واقتصاديا معا فلا تقتصر مهمة هذه الأجهزة على توفير الإسكان المناسب والبناء الاجتماعي المرغوب فيه ولكن يمتد نشاطها إلى رعاية السكان اقتصاديا وتوفير فرص العمل المناسبة لهم بقدر الإمكان وهكذا يمكن إدماج هذه المجتمعات فى المجتمع – علاقات أو روابط صحية- الأمر الذي يلقى على أكتاف الدولة أعباء كثيرة صحية وأمنية واجتماعية يحملها حجم كبير من المشروعات الخدمية التي يصعب تحملها . لقد آن الوقت لأن تتطور أساليب الإسكان لذوى الدخول المحدودة – لابد وأن يكون فى كل مشروع جديد تجربة جديدة تخضع للمتابعة والتقويم ثم التطوير وهكذا … وفى جعبة منظمة الأمم المتحدة للمستوطنات البشرية العديد من التجارب ووسائل التطوير والتجديد بما يتناسب مع إمكانيات ومتطلبات المجتمعات الفقيرة. وإذا كان لحسن فتحي تجاربه فى عمارة الفقراء ، فإن تجاربه قد توقفت بتوقفه عن العمل أو الإنتاج ، وبقيت نظرياته على الكتب والمجلات والتقدير والتكريم ولم يستطيع أي جهاز من أجهزة التعمير أن يأخذ بها تطبيقيا أو تنفيذا – الأمر الذي يعبر عن عدم قناعة أي من هذه الأجهزة بفكر حسن فتحي وأن كان منها من يحاول تكريمه أو تقديره من باب المجاملة أو التقليد لما رأوه من تكريم عالمي لفكر الرجل ونظرياته الإنسانية فلم يعد لعمارة الفقراء من يهتم بها … فالعلماء من المهندسين أو المعماريين لا يبحثون عن متطلبات الفقراء من الإسكان الذي لا عائد مادي من ورائه والفقراء لا يسعون إلى العلماء من المهندسين أو المعماريين لأنهم يجهلون الطريق إليهم وليس لديهم ما يقدمونه لهم … وهكذا انقطعت الصلة بين الفقراء والعلماء … وقد آن الأوان لأن تعمل الدولة من خلال أجهزتها القادرة على إيجاد هذه الصلة الغائبة . إن مراكز البناء بالجهود الذاتية صيغة جديدة لإحياء فكر حسن فتحي وتقديمه للمجتمع بصورة واقعية. وهنا يظهر دور جديد للجامعات ومناهجها العلمية واستثمار طاقات شبابها فى التخطيط والتصميم والبناء . إذا كان العمل فى الحقول هو مختبر للزراعيين ، فإن العمل فى بناء المجتمعات الجديدة هو مختبر للمهندسين المعماريين والاجتماعيين فلنطور الجامعات ومناهجها لخدمة المجتمع بدلا من الفراغ الفكري والعلمي الذي أصابها ، ففي مراكز البناء بالجهود الذاتية مجالات واسعة لربط النظرية بالواقع .. حتى يفيق الشباب من أحلامه الوردية ليشعر بالواقع الاقتصادى والاجتماعي للغاية للغالبية العظمى من أفراد المجتمع … إن فى مراكز البناء بالجهود الذاتية عمل لجميع الباحثين والبنائين والمخططين والمعماريين والاجتماعيين والاقتصاديين وأخيرا فيها فرصة للمنتفعين من ذوى الدخول المحدودة لبناء مستقبلهم العمراني والاقتصادي والاجتماعي معا. فبالمشاركة الشعبية تتحقق أحلامهم فى الحياة .

word
pdf