مشاكل المرور لا تعالج بحلول مرورية

مشاكل المرور لا تعالج بحلول مرورية2019-12-01T08:29:07+00:00

مشاكل المرور لا تعالج بحلول مرورية

         د / عبد الباقي إبراهيم

كبير خبراء الأمم المتحدة للتخطيط العمراني سابقا

 

 

انعقد المؤتمر الثاني للمرور في مقر أكاديمية الشركة بالقاهرة على مدى ثلاثة أيام يبحث عن الحلول المناسبة لمعالجة مشاكل المرور في القاهرة بعد أن تفاقمت وأصبح من الصعب وبكل المقاييس والإمكانيات معالجتها بالحقن المرورية وإلا كان فى الإمكان معالجتها منذ عشرين عاما ، عندما عقد المؤتمر السابق عام 1974 00 مع أن نظام الدولة لم يتغير والإدارة المحلية لم تتبدل والأجهزة القائمة على تنظيم المرور لا تزال قائمة وأساتذة النقل والمرور لم يتغيروا 000 ويعنى ذلك أن الأسباب وراء توقف العمل بتوصيات المؤتمر السابق سوف تستمر بعد توصيات المؤتمر القريب ولا جديد تحت الشمس 00 وهذه الظاهرة لا تغيب عن مؤتمر المرور وحده ولكن على جميع المؤتمرات والندوات التي لا يخلو  منها يوما من الأيام .. لهذه الظاهرة عدة أسباب منها :

أولا : عدم وضوح الرؤية بالنسبة لأسلوب اتخاذ القرار في تنفيذ أي توصيات بالنسبة لأي مؤتمر ، فبالنسبة لمشكلة المرور في القاهرة هل القرار التنفيذي من اختصاص وزارة الداخلية المنظمة للمرور  أم محافظة القاهرة صاحبة الأرض أم وزارة التخطيط التي توزع الاستثمارات على القطاعات المختلفة أو المجالس المحلية التي لا بد أن توافق على كل المشروعات المحلية ، أم وزارة التعمير المسئولة عن تخطيط المدن بما في ذلك الطرق والمواصلات ، أم المجلس الأعلى للمرور الذي يضم كل هذه الجهات ، أم اللجنة العليا لانضباط الشارع المصري برئاسة رئيس الوزراء كغيرها من اللجان التي إذا اختلف عليها الوزراء والمحافظون وضعوها تحت رئاسة رئيس الوزراء0

ثانيا : تركيز الاهتمام بالمشاكل المرورية بالقاهرة التي تستوعب ما يقرب من نصف الحركة الآلية في مصر ، كما تستوعب 20% من سكانها 00 فقد فرضت السيارة نفسها على متخذ القرار ، كما بدأت الكباري العلوية تشكل المرور العلوي لأعصاب القاهرة وشرايينها ، كل ذلك دون اعتبار للمقولة التي طرحها المخططون منذ أكثر من ثلاثين عاما بأن مشاكل القاهرة ومشاكل غيرها من المدن حلها خارج القاهرة ، وخارج غيرها من المدن 00 ولكن مركزية الحكم التي أدت إلى مركزية التنمية العمرانية للقاهرة أدت بالتالي إلى تراكم المشاكل المرورية والأمنية والاقتصادية والاجتماعية 0 ويبقى الاتجاه الخاص بنقل مركزية القرار خارج القاهرة الكبرى مطروحا للمناقشة ، وينتظر القرار الحاسم من صاحب القرار القادر على حل نصف مشاكل المرور والتنمية العمرانية بالقاهرة ، ويعنى ذلك أن مشاكل المرور لا تعالج بحلول مرورية ولكن بحلول تنموية خارج القاهرة0 إن أي مشروع يقام في القاهرة هو بمثابة مسمار في نعش القاهرة0

ثالثا : فقدان البعد المكاني في الخطط الاستثمارية ، فبالرغم من التحذيرات المتتالية التي أطلقها المخططون العمرانيون عام 1960 من ضرورة توجيه الاستثمارات لمشروعات خارج الوادي الضيق مثل ضرورة إنشاء الجامعات الإقليمية على  الاراضى الصحراوية على حواف الاراضى الزراعية نجد اتخاذ القرار ببناء ها في قلب الاراضى الخصبة وكأنه تحدى للفكر التخطيطي العلمي .. ومثل الدعوة لتطوير طريق الإسكندرية الصحراوي بدلا من طريق القاهرة الإسكندرية الزراعي الذي أصبح طريقا صناعيا دون اعتبار للرؤية التخطيطية بعيدة المدى .. ومثل الدعوى لعدم بناء  كباري علوية لحل مشاكل المرور بالقاهرة لفترة محددة سوف تتفاقم بعد توجيه الاستثمارات لنقل الأنشطة والعاملين فيها من القاهرة إلى المجتمعات العمرانية الجديدة ليس فى صورة مخططات من طرق ومرافق ، ولكن فى صورة تنظيم وإدارة عمليات مستمرة للتنمية العمرانية المتوازنة بتوفير مقومات الجذب في الخارج إلى الدرجة التي تقاوم عوامل الجذب فى الداخل 0 الأمر الذي أصبح نظرية العالم في الوقت الحاضر.. وهكذا انحسر دور المخططين وحل محله دور المقامرين الذين أوصلوا الحال إلى ما هو عليه حاليا0

رابعا : اختيار رجال شرطة المرور وغيرهم من الأفراد الذين يصلحون للعمل في القوات المسلحة ، مع أن رجل الشرطة في كل دول العالم العربي منها والأجنبي هو عنوان لحضارة البلد واحترامه للنظام والقانون.. فضعف الشخصية وقلة المعرفة وتخلف المظهر كلها عوامل لا تساعد على اكتساب احترام أصحاب السيارات والمشاة .. وهذا لا يستدعى الاستدلال أو البرهان .. فالظاهرة منتشرة فى كل مكان يقف فيه  شرطي المرور .. حتى البراعم الحديثة المتدربة لا تزال عديمة التأثير .. فزيها الأسود ال *** مع صغر السن و الجسم لا يساعدان على مليء هذه الوظيفة الهامة جدا ، فرجل الشرطة هو عين النظام والقانون في الشارع المصري 00 ليس فقط بالنسبة للمرور ولكن لكل ما يهم الشارع من انضباط في السلوك والمعاملة مع النظافة والانتظام والالتزام ، هذا مع توفر رجال الشرطة الراكبة التي تتحرك بسرعة في الشوارع وتقفز على الرصيف وتدخل أضيق الحارات، فالعناية هنا برجل شرطة المرور أو رجل شرطة الشارع لابد وأن تكون أكثر من العناية برجل الشرطة العسكرية المختص بتعليمات خاصة بحركة مركبات القوات المسلحة دون تدخل في الحياة المدنية للمواطنين أو سلوكياتهم المرورية أو التعامل معهم في كل شئون الشارع المصري . أن انضباط الشارع يبدأ بالعناية برجل الشرطة .

خامسا : تحول الشارع المصري إلى جراج مكشوف تبيت فيه السيارات دون دفع أي رسوم ، مع أن الشارع ملك المحافظة وهى بذلك تقدم للمواطنين 3 % من مساحات الشوارع للمواطنين كجراجات مجانا دون مقابل ، مع أن أصحاب السيارات قادرون على إيوائها في أي من الجراجات مقابل رسوم قليلة 00 أما الجراجات فهي غير متوافرة 00 ومواقف السيارات لا تصلح لمبيتها فلا مفر من الوقوف في الشارع الذي تمتلكه الدولة ولا تحسن استغلاله، وإذا ضاقت الشوارع فهناك من الأراضي الصحراوية الشاسعة حول القاهرة التي يمكن أن تستوعب أضعاف الشوارع القائمة دون اللجوء إلى الكباري العلوية التي تكاد تكتم على أنفاس القاهرة .. وفى عام 1961 حذر المخططون من اللجوء إلى الكباري العلوية لحل مشكلة المرور كما حذروا أيضاً من اللجوء إلى مترو الأنفاق الذي يحل المشكلة مؤقتاُ إلى أن يصاب بالانسداد البشري عندما يصل تعداد سكان القاهرة 18 مليون نسمة مركزين على طبقات فوق طبقات .

سادسا : هجرة خبراء التخطيط العمراني المصريين للعمل في الدول العربية ، حيث الالتزام بالقيم والمبادئ العلمية المعمول بها في كل أنحاء العالم المتقدم دون تكبر أو مكابرة ، أو للعمل في الجامعات العربية والأمريكية والأوربية كأساتذة يقومون على تنشئة الأجيال الصالحة من المخططين العمرانيين الذين يجدون لهم مكانهم المحترم فى أجهزة التنمية العمرانية التي تلتزم بأحدث أساليب الإدارة والتنظيم فى تطوير المدن، فقد ساهم خبراء التخطيط العمراني في تطوير المدن السعودية والكويت والأمارات وليبيا والجزائر والمغرب وغيرها من دول العالم .. حيث تمتعوا بالتقدير والاحترام سواء بالتوظيف من خلال المنظمات الدولية أو من خلال التعاقدات الشخصية أو الشركات الاستشارية .. ففقدت مصر بذلك ثروة كبيرة من العلم والخبرة التي لا مكان لها في أجهزة التنمية العمرانية فى المدن المصرية إن وجدت .

واذا كان مؤتمر المرور وانضباط الشارع المصري الذي عقد في القاهرة من 15 إلى 17 ابريل 1995م هو صورة مكررة من المؤتمر الذي عقد لنفس الغرض عام 1974 ، فليس أمامنا إلا الانتظار للمؤتمر الثالث عام 2015م حتى يلتقي المؤتمرون على جثة عمرانية هامدة لا يجدون لها علاجا عندما تصبح القاهرة وغيرها من مدن الدلتا والصعيد فى حالة يصعب تصورها أو معالجتها أو حتى إدارة مرافقها0

وتتكرر المقولة السارية التي وهى : ” كذب المخططون ولو صدقوا0 “

word
pdf