مشكلة الأسكان فى الإقليم المصرى

مشكلة الأسكان فى الإقليم المصرى2019-11-11T10:57:54+00:00

مشكلة الإسكان في الإقليم المصري

 

 

لا تزال مشكلة الإسكان سواء أكانت في المدينة أو في القرية تعالج علاجاً موضعياً دون الاستناد إلى الجذور العميقـة للمشكلة. وأساس المشكلة يتلخص في وجود زيادة مستمرة في عدد السكان. ومعدل هذه الزيادة يزداد من سنة إلى أخرى في الإقليم بصفة عامة. ولكن يلاحظ أن معدل الزيادة بالنسبة لسكان المدن يبلغ أربعة أضعاف – إن لم يكن أكثر – معدل الزيادة في سكان الريف وهذا بالطبع ناتج عن الهجرة المستمرة من الريف إلى المدن.
ولما كانت خطة الإسكان في الدولة جزء لا يتجزأ من السياسة العامة للإنشاء والبناء في حدود التخطيط القومي الذي يهدف إلى حصر الموارد والإمكانيات في الدولة ثم توجيهها حسب الأهمية بالنسبة للدولة ككل فإننا لا نستطيع إيجاد حل لهذه المشكلة ما لم يكن هذا الحل مرتبط ارتباطا وثيقا بالتخطيط القومي وفي نفس الوقت بالسياسة العامة للإنشاء والبناء والتي تشمل المصانع والمدارس والمستشفيات … ثم دور الأوبرا والمسارح ودور الملاهي والمعارض. وخطة الإسكان نفسها لا تخضع فقط إلى عدد الوحدات السكنية اللازمة بل إلى الإمكانيات المالية للدولة.

والمشكلة في عمتها تنقسم إلى قسمين :-

القسم الأول: الإسكان الريفي وهو الذي يشمل الغالبية العظمى للسكان. وهذه المشكلة لن تحل إلا عن طريق التخطيط الإقليمي للريف الذي يهدف أولا إلى تغيير الكيان الزراعي وعلى أساس ذلك توضح خطة الإسكان للريف. وقد سبق لي أن عالجت هذه المشكلة في مقال سابق.

القسم الثاني : الإسكان في المدن وهذا يشمل الإسكان الشعبي والتعاوني ثم الخاص. والإسكان الشعبي الذي يخص الغالبية العظمى من سكان المدن يتطلب منا إعادة النظر في طرق الإنشاء المعمول بها حاليا حتى ينخفض تكاليف الوحدة السكنية إلى أدنى حد ممكن. ولذا يجب أن يصحب خطة الإسكان رسم سياسة عامة لصناعة البناء وتكوين منشآت كبيرة لإنتاج الوحدات المستعملة في عمليات البناء من أبواب ونوافذ وأدوات وتركيبات أو إنتاج الوحدات الخرسانية المستعملة في الأسقف أو في الحوائط وكل ذلك يستدعي طرق خاصة للبناء مما يساعد كثيرا على الهبوط بمستوى التكاليف في الإنشاء ووفراً كبيرا في الوقت.
أما الإسكان التعاوني بأنواعه والذي يشمل الطبقة المتوسطة من الشعب فيجب أن يبنى على الأساس الاشتراكي الديمقراطي للدولة حتى لا تتكرر الأخطاء التي ظهرت من قبل في هذا القطاع سواء أكان ذلك من ناحية الاستغلال الفردي أو في التجمع المهني. فالإسكان التعاوني يجب أن يبدأ بالوحدات السكنية الصغيرة لمحدودي الدخل في العمارات التعاونية ويتبع ذلك الإسكان الفردي في الوحدات السكنية الكبيرة في المرحلة التالية من التخطيط العام للإسكان. ومن الطبيعي أن الإسكان التعاوني يعتمد اعتمادا كبيرا على القروض المقدمة من البنوك المختلفة – ولذا يجب إعطاء الأولوية لمن يدفع التكاليف الكلية للوحدة السكنية ويتبع ذلك المساهمون بالأقساط الشهرية أو السنوية حسبما تتطلبه الظروف. فإن هذا سوف يساعد على استمرار الجمعيات التعاونية في العمل والبناء أطول مدة ممكنة – بل ويجب أن تتابع عملها في الصيانة والبيع والتأجير ما دامت مبانيها قائمة.

ولما كانت التكاليف – سواء في حالة الإسكان الشعبي أو التعاوني – تبنى على أساس الوحدة السكنية فيجب أن تبنى هذه الوحدة على أصغر نطاق لها. ولن يتحدد ذلك إلا بعد رسم الحد الأدنى للمستلزمات المعيشية بالنسبة للفرد والأسرة داخل حدود الوحدة السكنية وطريق ذلك هو الدراسة والبحث ثم الدعاية والإرشاد.

ومصادر التمويل للإسكان الشعبي أو التعاوني إما أن يستمد من القطاع الحكومي أو عن طريق البنوك والمؤسسات الكبرى التي تساعد في عملية الإسكان أو عن طريق قرض وطني للإسكان.

أما الإسكان الخاص فيجب أن يأتي في المرحلة الثالثة بعد الإسكان الشعبي والتعاوني. كما يجب أن يقتصر في مراحله الأولى على مليء الفراغات الموجودة من المناطق المبنية سواء في وسط المدن أو في المناطق الهامة منها والتي تتمتع بمختلف الخدمات العامة.
وفى هذه الحالة يجب أن يسمح بالبناء بها مرة واحدة دون تجزئة. ولذا يجب أن يسير الإسكان الخاص في أضيق نطاق في مراحله الأولى حتى يترك متسعا للإسكان الشعبي والتعاوني ليركز مكانته. كما يجب تشجيع الاستثمار الجماعي ليحل محل الاستثمار الفردي في بناء المساكن بعد الحد من تقسيم الأراضي إلى ملكيات صغيرة وهكذا يمر الإسكان الخاص في فترة انتقال معينة تراجع بعدها خطة الإسكان العام للدولة.

أما موضوع الإيجارات متوقف على عامل العرض والطلب فالإسكان التعاوني والشعبي من جهة سوف يساعد تلقائيا على خفض القيمة الإيجارية للمساكن. أما تحديد الإيجارات – كعلاج موضعي – فيجب أن يبنى على أساس المستخلصات المقدمة من المقاولين وليس على التقديرات التقريبية المقدمة للجنة الهدم والبناء. والتي يجب أن يوضع حدا لأعمالها تاركة المجال للهيئة العامة للإسكان.

وخطة الإسكان يجب أن يسبقها تخطيط عام للمدن لتحديد مناطقها السكنية بكثافاتها المختلفة – ليس على أساس الاعتبارات الدولية ولكن على أساس مستوى المعيشة بالنسبة للسكان في الإقليم المصري. وتحدد بعد ذلك نسبة الوحدات السكنية وأحجامها على أساس نسب التكوينات الجماعية للسكان. أما بالنسبة للتخطيط العام للمدن فيجب الاتجاه فيه إلى اللامركزية وذلك بإنشاء مناطق سكنية كبيرة أو مدن صغيرة مكتفية ذاتيا من ناحية عمل السكان وخدماتهم العامة وذلك لتخفيف الضغط على المدن الكبيرة وفي هذه الحال يكون توزيع المصانع على أساس إنشاء مجموعات صناعية تخدم هذه المدن أو التجمعات السكنية الكبيرة. ولذا يجب تجنب إنشاء المدن الحالية التي تبنى دون اعتبار لعمل سكانها في حدود نطاقها – مثل مدينة نصر بالقاهرة – فالتخطيط يجب أن يبنى على أسس تكامل العناصر الثلاث المكونة له وهم العمل – الناس – المكان في المدينة ذات الاكتفاء الذاتي.

ولما كانت مشكلة الإسكان مشكلة عامة تشمل المدن كما تشمل القرى، فلن تنجح خطة الإسكان ما لم تكن مبنية على أساس التكامل التام بين خطط الإسكان في كل المدن والقرى وسوف يساعد ذلك على الحد من تضخم المدينة على حساب القرية التي تفتقر إلى ما لدى المدينة من خدمات عامة وتنظيم. وهذا هو الأساس العميق للمشكلة.

word
pdf