مشكله الإسكان وسياسه رد الفعل

مشكله الإسكان وسياسه رد الفعل2019-11-07T09:27:39+00:00

مشكله الإسكان وسياسه رد الفعل

دكتور / عبد الباقى إبراهيم

رئيس مركز الدراسات التخطيطيه والمعماريه

 

 

كان للانهيار المفاجىء لعماره مصر الجديده أثره الواسع على الرأى العام سواء ما نشر وما ينشر على صفحات الجرائد والمجلات من تحقيقات وآراء وأحاديث ومقابلات وإقترحات وما صدر عن الحكومه من أوامر عسكريه وقرارات . هذا فى الوقت الذى بدأ سكان العمارات المخالفه منها على وجه الخصوص يشعرون بالقلق وعدم الإطمئنان على سلامه العقارات التى إشتروها من ملاك إنتهت مسئوليتهم ببيعهم الوحدات السكنيه ثم هناك ما صدر عن سوء الإداره المحليه وعن أصحاب العمارات الذين لم يراعوا الذمه فى البناء وعن المهندسين الذين لم يراعوا اصول المهنه وإحترام قواعدها …وعن المقاولين الذين تلاعبوا فى مواد البناء وعن السكان الذين لم يراعوا التعليمات عند شراء الوحدات السكنيه . ثم أخيراً هناك العلاقه المتجمده بين المالك والمستأجر التى لاتزال تحت البحث ولم يبت فيها بعد وعلاقه ذلك بسوء حال الإسكان الأمر الذى يزيد المشكله تعقيداً إضافه الى الكم الكبير من القوانين واللوائح والقرارات التى صدرت وتصدر بين حين لآخر من الجهات الرسميه سواء فى رياسه مجلس الوزراء أو فى وزاره الإسكان أو التى يصدرها المحافظون كل فى إطار صلاحياته .

كل هذه الملابسات والتعقيدات زادت من حده المشكله التى تبحث عن حل فلا تجده …وهنا يظهر بعض من أعضاء مجلس الشعب يدلى كل برأى أو بمشروع قانون وهو قاصر عن الإلمام بكل خطوط المشكله ..ثم هناك اللجان الإستشاريه فى وزاره الإسكان التى تحاول أن تجد الحلول المناسبه للمشكله المعقده ثم تواجه بتوجيهات أعلى تتضارب مع مرئياتها .كل ذلك ينعكس على أجهزه الإسكان فى الإداره المحليه التى إزحمت بالعديد من القوانين واللوائح التى أقعدتها عن إتخاذ القرارات المناسبه وتكاد تتوقف عن العمل فى إصدار تراخيص البناء وهى لا تعلم عما إذا كان هدم جزء من حائط غير حامل أو تغيير ارضيه او مد سلك كهربائى لابد له من تصريح حيث إختلطت عليها الامور الإنشائيه التى يفتى فيها من يعلم ومن لا يعلم .

وتدور الدائره على المهندسين وهل هم إستشاريون قانوناً ؟ وهل هم متخصصون فعلاً ؟ ثم تدور الدائره على المهندسين الوسطاء بين المكاتب الاستشاريه او الملاك ومهندسى الاحياء من أصحاب الذمم الميته . وهكذا تتشعب الامور وتختلط ويتوه كل طرف من أطراف المشكله وتتوقف ساعه العمل عن البناء والتعمير الذى يسعى الى توفير كم أكبر من الوحدات السكنيه للتمليك او التأجير وإذا كان التمليك قد ثبت من الممارسه أنه قد يؤدى الى كوارث فى بعض الأحيان فإن التأجير لم يختبر بعد حيث أن قوه الدفع فى الإيجارات أقل كثيراً مما يطلبه أصحاب العقارات ، ثم هناك التخوف من إنهاء العقود المحدده بمدد معينه..مع الاحساس بعدم الإستقرار وهناك دعوه الحكومه الى وزاراتها بالبدء فى دخول دائره الإيجارات مع الآخذ فى الإعتبار قدره الفئات المتوسطه أو المحرومه وهنا تدخل المشكله منعطفاً آخر وهل تسطيع الحكومه دعم إسكانها بهدف جذب التأجير ولمن يتم هذا التأجير؟ للمؤجر الذى لا سكن له او للمؤجر الذى يريد أن يضمن سكناً له يستعمله عندما يشاء فى فتره زمنيه محدده .ويضيع حق الفقراء ومن لا مأوى لهم وهم من الغالبيه التى لا ينظر اليها أحد ولا تعيرها الدوله اى إهتمام بعد أن تركتها تقيم العشوائيات ولا تزال فى كل مكان ممكن مستعمله آلياتها الخاصه فى التشييد والبناء وتوفير الخدمات وتحقيق التوازن بين التمليك والتأجير بالآليات التى لابد من آخذها فى الإعتبار عند وضع أى سياسه للإسكان فهى تمثل التجربه الحيه التى يتعامل فيها الافراد فيما بينهم بعيداً عن قوانين الإسكان ولوائح التنظيم وتحديد العلاقه بين المالك والمستأجر .

وإذا كان القانون يستطيع أن يحدد وبالتفصيل حقوق وواجبات وإلتزامات وعقوبات الأطراف الخمسه لمشكله الإسكان وهى المالك والمقاول والمهندس والساكن والاجهزه القائمه على التخطيط العمرانى وتنظيم المبانى فإن ذلك وإن أمكن تحديده تفصيلآ فى القوانين ولوائحها التنفيذيه . فإن جدواها لن تتحقق الا بتطوير الاجهزه القائمه على تطبيقها . وهنا تظهر الحاجه الماسه الى التدريب والمراقبه وتطوير آليات الإداره وأساليبها وأكثر من ذلك توعيه المجتمع بأصول المهنه واسس التنفيذ وإذا كان الحيوان قد أخذ مساحه فى البرنامج التليفزيونى ” عالم الحيوان ” وإذا كانت البحار قد أخذت مساحه فى البرنامج التليفزيونى ” عالم البحار ” والزراعه أخذت مساحه آخرى فى التوعيه الزراعيه وتحديد النسل أخذ المساحه المناسبه له ..كما أخذ كل من الإقتصاد وكلام فى السياسه فلا أقل من أن يأخذ برنامج “عالم البناء” مساحته المناسبه على شاشه التليفزيون وهو موضوع يهم جميع المواطنين بكل مستوياتهم الإقتصاديه والإجتماعيه خاصه إذا كانت سياسه الإسكان سوف تتضمن إسكان الفقراء والمحتاجين بالبناء بالجهود الذاتيه وتكنولوجيا البناء المتوافقه .

ومن المفارقات العجيبه فى قانون تنظيم أعمال البناء أن هناك بعض البنود التى أصبحت كالمسلمات لا يناقشها أحد حتى من يراجعون هذا القانون مثل ضروره أن تكون الابراج نصف الواجهات ..لماذا؟ لم يجد المعماريون لذلك سبباً وفى نفس البند تحدد بروز البلكونات والابراج بما قيمته 1,25م لماذا ؟ لن تجد لذلك سبباً الامر الذى يخضع الواجهات المعماريه لهذا التشكيل الخاص الذى نعانى منه بعيداً عن الطابع المطلوب . وبذكر الطابع فى بند آخر فإن مهندس التنظيم لا يعلم شيئاً عن مفهوم الطابع الذى حار المعماريون فى تعريفه اضف الى ذلك كم من الشوائب التى تؤثر على إستخراج تراخيص البناء ومنها أن يقدم طالب التراخيص ثلاث نسخ من الرسومات المعماريه والإنشائيه والصحيه والكهربائيه للمراجعه وإذا ما كانت هناك مخالفه فى الرسم فعلى صاحب الطلب إعاده كل هذه الرسومات دون تحديد مسبق من الجهات المسئوله عن تنظيم البناء لشروط البناء فى الموقع المطلوب حتى يلتزم بها الطالب فى تقديم رسوماته وليبدأ بتقديم التصميم المعمارى فقط بمقياس رسم مقروء للمراجعه المبدئيه التى فى ضوئها تعد جميع الرسومات التنفيذيه الآخرى .

والغريب فى الامر أنه لا يوجد فى أجهزه تنظيم البناء من هو قادر على مراجعه كل هذه التصميمات التى لايهمنا منها غير الإلتزام بشروط البناء وسلامه الإنشاء دون الحاجه لرسم التفاصيل الدقيقه داخل الرسم. ولنرجع الى الاساليب المتبعه فى هذا الشأن فى الدول المجاوره ناهيك عن الدول المتقدمه لتطوير اساليب تقديم التراخيص حتى لا يتجمد فكر المشرع عند قوالب جامده متوارثه وذلك دون الاحتكام لأى منطـــــق معاصر .فقد نقلنـــا مثل هذه القوالب من فرنســا منذ أكثر من نصف قرن …تقدمت فرنسا وتجمدنا فى مصر .

أن الأجهزه القائمه على تنظيم أعمال البناء لا تحتاج الى تطوير ولكن تحتاج الى تجديد لوسائل وطرق تقديم الرسومات والمستندات بإستعمال الكمبيوتر والميكروفيش مع تحديد وشكل ومحتوى الرسومات و الحسابات الإنشائيه مع وضع وسائل جديده لتخزين البيانات وتغييرها وإسترجاعها .وقد تقدم التصميمات المعماريه ومعها الإسطوانه التى سجلت عليها . ومن ناحيه لابد من تنظيم ممارسه المهنه وإعداد كشوف بالمهندسين الإستشاريين المتخصصين الذين يمكن التعامل معهم بحيث يكون لكل محافظه جدولها الخاص ولا يمارس أحد منهم المهنه خارج محافظته الإ بتصريح خاص . وهنا تدخل نقابات المهندسين الرئيسيه والفرعيه شريكا فى الإختيار والمسئوليه .

وعلى الجانب الآخر من الصوره هناك قانون التخطيط الذى تمكن من إعداد مخططات عامه لعديد من المدن المصريه ولكن المحافظات لم تقم بدورها فى إعداد المخططات التفصيليه كما ينص القانون وبقيت المدن المصريه دون شروط للبناء فى القطاعات المختلفه لكل منها وإعتمدت المحافظات على تطبيق قوانين تنظيم أعمال البناء دون إعتبار للطبيعه العمرانيه للقطاعات المختلفه فى مدنها .وبهذه المناسبه لابد وأن تتسع اللائحه التنفيذيه لقانون التخطيط العمرانى لإتاحه الفرصه لإقامه مشروعات عمرانيه متكامله لاتخضع لقانون تقسيم الاراضى وذلك تشجيعاً للشركات العقاريه الكبرى على الإستثمار فى مجال التنميه العمرانيه كما هو معمــول به فى الدول القريبه منا والبعيـده على حد سواء .

إن مشكله الإسكان لاتحل بسياسه رد الفعل … فهناك تراكمات عديده خلقتها المرحله السابقه قبل أن يصبح التأجير خاضعاً لآليات السوق والقانون المدنى فى تحديد العلاقه بين المالك والمستأجر كما خلقتها مرحله ما بعد إنتصار أكتوبر وفى بدايه السبعينيات عندما تعرضت صناعه التشييد والبناء الى حلقه من الغش التجارى سواء فى نوعيات الآسمنت أو حديد التسليح . الآمر الذى يستدعى مراجعه الثروه العقاريه التى اقيمت فى هذه الفتره وإصدار شهادات سلامه للسليم منها .. وإذا كان الشىء بالشىء يذكر فإن كان المواطن عليه أن يقوم بفحص سيارته فى إداره المرور كل ثلاثه سنوات للإطمئنان على سلامتها و صلاحيتها حرصاً على سلامه المواطنين المستعملين لها …فلا أقل من أن يصدر لكل صاحب عقار سواء مالك واحد أو أكثر شهاده صلاحيه لعمارته تجدد كل خمس سنوات عندما يكون لكل عماره أو وحده سكنيه بطاقه تقيد عليها كل البيانات الخاصه بالتعامل عليها وتاريخ فحصها وغير ذلك من البيانات المناسبه .

كل ذلك يقودنا الى حقيقه هامه وهى عدم وجود سياسه ثابته متكامله للإسكان .كل ما نلاحظه هو مشروعات للإسكان الإقتصادى يتحول الى إسكان متوسط ثم مشروعات لإسكان الشباب لا يعرف مصيرها مستقبلاً – وهكذا -حسب الظروف و المتغيرات والتوجيهات السياسيه.وعلى جانب آخر تظهر أهميه تطوير وترشيد صناعه التشييد سواء بالنسبه للمنتج المحلى او الأجنبى أو بالنسبه لطرق البناء . وتكتمل هذه الصوره المركبه بضروره مراجعه المناهج العلميه فى الجامعات خاصه بالنسبه للتعليم الهندسى الذى تبعد كثير من مواده عن الواقع المصرى سواء فى التصميم أو فى الإنشاء أو فى التنفيذ أو فى الصيانه أو الإداره أو فى

التمويل والتثمين أو فى التقييم والتحكيم هذا بالاضافه الى ضروره إجتياز إمتحانات ممارسه المهنه بعد عامين من سنه التخرج كما هو فى كل الدول المتقدمه والناميه على حد سواء .

إن المرحله القادمه فى الإنطلاق الإقتصادى لابد وأن تتواكب مع مرحله الإنطلاق العمرانى المعبر عن حضاره مصر تخطيطياً وتصميمياً وتشيدياً مع تأكيد الهويه الثقافيه للمنتج المعمارى فى الريف والحضر .

word
pdf