مقاومة الارهاب بالاسلام

مقاومة الارهاب بالاسلام2019-12-01T11:25:41+00:00

مقاومة الارهاب بالاسلام

     د / عبد الباقي إبراهيم

كبير خبراء الأمم المتحدة للتخطيط العمراني سابقا

جريدة الوفد

7/6/1994

 

لقد ثبت من التجاوب المتدفق من رجال الأعمال للمساهمة فى بناء مائة مدرسة أن المجتمع المصرى ملىء بالخير والعطاء النابع من مقوماته الدينية التى تحض على التكافل والتعاون ومن قناعته بأن المجتمع كالجسم الواحد اذا اشتكى منه عضو تداعت له باقى الأعضاء بالحمى والسهر0 واذا كان الزلزال قد دفع الخيرين من الناس الى المساهمة فى هذه الحملة القومية الا أن القدوة الموجهة لهذا العمل كانت القوة المحركة والمنظمة التى أوصلته لتحقيق كل أهدافه ويزيد 000 وبهذا المثل يمكن تحريك المجتمع بحيث يعطف الكبير فيه على الصغير ويعطى القادر فيه للعاجز ويكفل الغنى فيه الفقير وهذه فى مجموعها تعد جانبا من جوانب التعاليم الاسلامية التى تتمثل فى الزكاة0 أن استمرار هذا المثل وتطبيقه فى غير ذلك من المجالات التى تحتاج للتكافل الاجتماعى دون انتظار لزلزال يزلزل القلوب لهو من أقوى الدوافع لمقاومة العنف المتولد عن الضياع الاجتماعى الذى يسهل أن يسوق ضعاف النفوس الى ممارسة الارهاب تحت ضغط المؤثرات الخارجية أو الدوافع النفسية التى يمكن أن توجهه الى حيث ما لا تحمد عقباه 0 أنه من الخطأ الكبير أن يربط الارهاب دائما بالاسلام فى مختلف وسائل الاعلام بهدف تأليب المواطنين ضد ما يسمى بالجماعات الاسلامية التى تمارس أنشطتها المختلفة بعيدا عن العنف أو الارهاب وتحت رقابة أجهزة الأمن0 اذ أن ما يهدف اليه البعض من تأليب المواطنين ضد هذه الجماعات قد يأتى بما لا تشتهى السفن0 فالغالبية العظمى من الشعب المصرى تتعاطف بفطرتها مع ما هو اسلامى0 والمهم هنا ليس التعرض للمواقف التى قد تمس الاسلام من بعيد أو من قريب بالتلميح أو بالتصريح ولكن المهم هو تسليط الاضواء وبصفة مستمرة على كل القيم الاسلامية ليس فقط من خلال الوعظ لمن يتعظ فى الوقت الذى تعانى فيه الغالبية العظمى فى المجتمع من الضغوط المعيشية القاسية ولكن من خلال فتح أبواب الأمل فى مستقبل أفضل ، مع التركيز على ما تقدمه التعاليم الاسلامية من توجيه وتنوير يتقبله المجتمع بيسر وسهولة لارتباطها بوجدان الفرد0

وهنا يقع على أجهزة الاعلام مسئولية اظهار الصورة الناصعة للاسلام دون خجل أو استحياء حتى يظهر خطأ النظر الى الاسلام على انه مرادف للتخلف مع أنه فى أساسه دعوة للتقدم والارتقاء المتوازن الذى لا تطغى فيه الماديات على المعنويات أو العكس0 كما انه دعوة الى دعم البناء الاقتصادى والتكافل الاجتماعى ، فقوة الدولة من قوة اقتصادها وتوافر انتاجها واحسان صنعتها ، فالعمل فى الاسلام عبادة وليس عند اليابانيين فقط0

والاقتصاد الذى يعتمد على زيادة الانتاج مع زيادة الادخار بقدر والاقلال من الاستهلاك الا بقدر قيمة اسلامية وليس فقط سياسة اقتصادية عند اليابانيين الذين يغزون العالم اقتصاديا وعلميا كما ملاؤه ادبا وفنا0 كما أن رعاية البيئة من أشجار وأنهار وانسان وحيوان قيمة اسلامية وليست مقصورة على المجتمعات الغربية0 ان تنظيم المعايير المناسبة للأكل بملء ثلث المعدة بالغذاء وثلثها بالماء وثلثها بالهواء هو دعوة اسلامية تحد من الاسراف فى الاستهلاك ، الأمر الذى له مردوده الاقتصادى والاجتماعى وليست دعوة مقصورة على الدول المتقدمة فقط0

وهكذا فإن تنظيم الحياة اليومية بكل مقوماتها السلوكية والتعاملية والصحية والانتاجية والتعليمية والعلمية والبيئية والترويحية والرياضية ترد جميعها فى تعاليم الاسلام التى تسعى الى ضمان التوازن فى بناء الانسان كما تسعى الى ضمانه فى بناء العمران على أساس من الوسطية مع الحرص على تأكيد التوازن بين حقوق الفرد وحقوق الجماعة واحترام حقوق الأغلبية وحقوق الأقلية والتعايش السلمى مع كل الأديان السماوية0 الأمر الذى لم تصل اليه أى من النظم السياسية فى عالم اليوم0

من خلال كل هذه القيم والمفاهيم التى لابد وأن تصل الى الجميع من خلال كل وسائل الاعلام والتعليم والوعظ والارشاد بكل سماحة ووضوح تظهر صورة الاسلام فى الداخل والخارج بكل أبعادها الحضارية والانسانية التى تدفع كل الدعوات المضادة0 بهذه الصورة يختفى العنف بعد أن يصبح خارجا عن القيم الاسلامية ، وبهذه الصورة يقاوم المجتمع كل أنواع الارهاب بالواقع الاسلامى الذى يقبله المجتمع كأساس للدافع الوطنى والانسانى بعيدا عن كل تحزب أو تشرذم ، وتبقى الاصول ثابتة وينحصر الاختلاف فى الاجتهاد وتثبت المضامين وتذبل القشور وتبقى الوسطية هى المنهج والمسلك0 وهكذا تتوازن السفينة فى مرساها ومجراها ويصبح الارهاب بذلك خروجا عن القاعدة الاسلامية فترجع النفوس الى حالتها التوازنية راضية مرضية وهكذا يقاوم الارهاب بالاسلام0

ان أكثر ما نخشاه فى هذه المرحلة من تاريخ العالم الذى أصيب بالعديد من الانقسامات والمشاحنات الدامية أن تنتقل هذه الظاهرة الى أرض مصر اذا مازادت النغمات والكلمات التى تتناولها المقالات وهى تندد بالارهاب عن الحد الذى قد يضر بصورة الاسلام0 واذا كان المجتمع بكل طوائفه وفئاته وهيئاته وأحزابه قد أدان الارهاب بكل أشكاله فليس هناك ما يدعو بعد ذلك الى اقحام الاسلام بهذه الصورة سواء بالاشارة الى بعض الجماعات التى يصفها البعض بالاسلاميين أو الاصوليين أو غيرها من المسميات الى حد أن البعض يوجه كلامه الى المسلمين على أنهم الجماعات الاسلامية وهم بذلك يعزلون الغالبية العظمى من المسلمين المعتدلين عن هذا الجدل0

اذا كانت بعض الاقلام لا تحبذ الحديث عن المظهر والتركيز على المضمون والمخبر الا أن تعاليم الاسلام فى حقيقتها لها مضامينها كما لها مظاهرها ، ولنرجع مرة أخرى لنرى انعكاس هذه التعاليم على كل جوانب الحياة فى المعاملات والسلوكيات فى الحركات والسكنات فى الاقوال والأفعال ، فى التعليم ، فى الانتاج والابداع ، فى العمارة والعمران حيث وحدة المضمون مع اختلاف الشكل باختلاف البيئة0 واذا كانت الوحدة الوطنية واجبة على كل انسان فإن الوحدة الاسلامية واجبة على كل الأوطان مع الالتزام بالقيم الاسلامية فى المعاملات الدولية ، الأمر الذى يعيدنا مرة أخرى الى ضرورة تأكيد صورة الاسلام بكل وسائل الاعلام ليس فقط فى المناسبات والاحتفالات أو فى الأحاديث والندوات ولكن بالبرامج اليومية التى تعمل على اظهار الاسلام بصورته الحضارية المتكاملة بكل أبعادها المعنوية والمادية وكل مقوماته الانسانية والحياتية ، ليس فقط للارتقاء بالمستوى الحضارى للمجتمع ولكن أيضا والأهم لاظهار الاسلام أمام العالم بصورته الحضارية المتقدمة والتى تضارع أكثر القيم تقدما0 من هنا لا بد وأن يكون الاعلام بمختلف اللغات الحية تنقله وسائل الاعلام الى كل أنحاء الأرض عبر الأقمار الصناعية ليكون جذبا جديدا للسياحة التى تعتبر من المقومات الرئيسية للاقتصاد القومى والتى لا بد من حمايتها من الجهالة واعلامها بالاصالة0

بهذا المنهج المتوازن يمكن عزل المتطرفين ومن ثم مقاومة الارهاب الذى لن يجد له مكانا على أرض الوطن الذى يلتزم بالقيم الحضارية للاسلام قولا وعملا دون خجل أو حساسية ، وهكذا يقاوم الارهاب بالاسلام0

word
pdf