مكتبة الاسكندرية بين نفق الشهيد أحمد حمدى والقصر العينى

مكتبة الاسكندرية بين نفق الشهيد أحمد حمدى والقصر العينى2019-11-20T12:20:16+00:00

مكتبة الاسكندرية

بين نفق الشهيد أحمد حمدى والقصر العينى

للدكتور / عبد الباقى ابراهيم

 رئيس مركز الدراسات التخطيطية و المعمارية

بعد أن هدأت العاصفة التى أثيرت حول التصميم المعمارى لمشروع مكتبة الاسكندرية وما دار حوله من مناقشات تشكك فى الجوانب الفنية والانشائية أو النواحى الخاصة بالتكاليف الباهظة للصيانة والتشغيل , وبعد أن أهان خبراء اليونسكو الانسان العربى متمثلا فيما نشروه عن اتهامهم للعرب بحرق المكتبة القديمة وماادعوه بأن الغرب بمشروعهم الجديد يعيدون احياء المكتبة التى أقامها الرومان ولهذا كان اختيارهم لشكل قرص الشمس الذى يتجه نحو الغرب هو شعار المكتبة الجديدة. وبعد أن أهان الاتحاد الدولى للمعماريين الانسان المصرى متمثلا فى اغفالهم لمشاركة جمعية المعماريين المصرية والتى تمثل هذا الاتحاد فى الاعداد وتحكيم المسابقة المعمارية , الأمر الذى آثار غضب المعماريين والانشائيين فى مصر , حتى أن بعضهم أعد الدراسات والبحوث العلمية التى تثبت عدم ملائمة المشروع للموقع ولمصر فنيا وهندسيا واقتصاديا وإداريا .

بعد كل ذلك صرح البعض بأن الاجراءات التنفيذية قد بدأت بالاعداد لحفر البئر الذى سوف تستقر فيه المكتبة الجديدة على عمق عشرين مترا تحت الأرض هذا فى الوقت الذى تنعقد فيه ندوة الاسكندرية التى تناقش الجوانب البيئية المحتمل أن يتعرض لها الساحل الشمالى لمصر وما يقدره الخبراء من ارتفاع لمنسوب مياه البحر الأبيض , الأمر الذى سوف يؤثر مباشرة على البناء بالشاطئ الذى يقع فيه بئر المكتبة الجديدة . وإذا كان الشئ بالشئ يذكر فلابد أن نتعظ من تجربة نفق الشهيد أحمد حمدى الذى بدأت تتسرب منه المياه بسبب سرطان الحديد أو لغيره من الأسباب الفنية الأمر الذى استدعى دعوة الخبراء اليابانيين لاصلاح الأمر , واذا كانت طبيعة النفق تحت المياه تزيد من احتمال تسرب المياه اليه , فالأمر بالنسبة لبئر المكتبة ليس بنفس الأهمية أو نفس الطبيعة , ولكن فى المشاكل التى يعانى منها نفق الشهيد أحمد حمدى درسا لهؤلاء الذين لم يستوعبوا الدرس , ولم يدركوا النيات الطيبة التى يبيتها الغرب للدول النامية . واذا كان التصميم المختار للمكتبة الجديدة يعد ابتكارا فنيا فى نظر البعض , فإن الابتكار الجديد يتطلب صناعة متقدمة للتشييد والبناء وهذا مالا يقدر عليه الا الغرب الذى يسعى لتصريف انتاجه الى الدول النامية بحيث لا تدع فرصة لتطور صناعة البناء المتوافقة . واليونسكو فى كل ذلك هو المستفيد الأول فى كل ذلك حيث المجال واسعا لخبرائه الذين يعانون من النقص الواضح فى ميزانيته وهم يجدون فى المشروع الجديد الخلاص من هذه الضائقة .

والحديث عن الضائقة المالية التى يعانى منها اليونسكو يجرنا الى الحديث عن الميزانية المقدرة للمكتبة الجديدة والتى ارتفعت من 86 مليون الى 120 مليون الى 170 مليون والمنتظر أن تصل الى 300 مليون دولار عند البدء فى أعمال البناء والتجهيز . وهنا تظهر على السطح العديد من التساؤلات من واقع الخبرة التى عانت منها مصر فى مشروعات أخرى اعتمدت على المعونات الأجنبية وعلى رأسها مشروع القصر العينى الجديد الذى اختلفت فيه الآراء الفنية والتعاقدية . وهنا يجرنا الحديث عن الشكل القانونى والاجرائى لمشروع مكتبة الاسكندرية الجديدة خاصة فيما يرتبط بالتبعية أو الملكية والتى فى ضوئها تتحدد الاجراءات التعاقدية أولا بالنسبة للتعاقد مع المكتب الاستشارى الذى سوف يتولى اعداد التصميمات والمستندات التنفيذية أو الاشراف على تنفيذ الأعمال خاصة وأن المكتب الذى فاز بالجائزة الأولى للفكرة التصميمية يضم عددا من الشباب الذين تنقصهم الخبرة فى مثل هذا المشروع الكبير , الأمر الذى سوف سيضطرهم للتعاون مع شركات أخرى متخصصة لابد من تقويم خبراتها فى مثل هذه المشروعات حتى لا يتعرض المشروع بعد تصميمه الى النكسات الفنية التى تعرض لها نفق الشهيد أحمد حمدى أو مستشفى القصر العينى الجديد . وهنا تظهر الحاجة الى لجنة من الخبراء المصريين المشهود لهم بالكفاءة لمتابعة الاجراءات التعاقدية وذلك فى حدود اللوائح التى تنظم الأعمال الاستشارية أو الانشائية فى مصر خاصة وأن قانون نقابة المهندسين يحذر عمل المكاتب الاستشارية الأجنبية الا بموافقة النقابة حتى وان تعاونوا مع المكاتب الاستشارية المحلية . وهنا يخضع مثل هذا التعاون الى تقديم حجم وقيمة الأعباء التى يتحملها كل طرف من أطراف التعاقد الاستشارى وبناء عليه تتحدد أتعاب كل طرف خاصة مع الفارق الكبير بين المرتبات التى يتقاضاها الخبير المصرى والتى يتقاضاها الخبير الأجنبى التى يقدرونها بحوالى 12 ألف دولارا شهريا أى حوالى 40 ألف جنيه مصرى .. والتعاقد الاستشارى للمشروع لابد وأن يتم بين طرفين الاستشارى من ناحية وصاحب العمل من ناحية أخرى وهو فى حالة مكتبة الاسكندرية ليس له تحديد هل هو الحكومة المصرية أو هو اليونسكو .. ويعنى ذلك هل يتم بناء المشروع تحت اشراف اليونسكو أو الحكومة المصرية أو يتم تحت اشرافهم معا وهنا يكون التعاقد بين الاستشارى وطرف واحد يمثل الطرفين الأساسيين اليونسكو والحكومة المصرية .
واذا انتقلت الاجراءات التعاقدية بعد ذلك مع الشركة المنفذة للمشروع بعد اختيارها من قبل الجهة صاحبة الحق فى التعاقد وهى ليست محددة بعد يظهر التساؤل مرة أخرى حول دعوة شركات المقاولات وهل المناقصة سوف تكون عالمية كالمسابقة المعمارية تفوز بها الشركات الأجنبية ؟ أم محلية تتقدم لها الشركات المحلية ؟ ومنها من قامت بمشروعات كبيرة لا تقل أهمية عن مكتبة الاسكندرية مثل الصالة المغطاه باستاد القاهرة أو نفق الشهيد أحمد حمدى , الأمر الذى يستوجب وضع النقاط على الحروف بالنسبة للاجراءات التعاقدية لمثل هذا المشروع الكبير سواء بالنسبة للأعمال الاستشارية أو الاشراف وادارة أعمال التنفيذ أو الأعمال الانشائية . كما لابد من تحديد الطرف الأول فى هذه العقود الثلاثة مع الأخذ فى الاعتبار احترام كل القواعد والقوانين واللوائح المحلية سواء أكان هذا الطرف هو جامعة الاسكندرية بوصفها صاحبة المشروع أو اليونسكو بصفته الاستشارية للمشروع والمجمع للتبرعات من كل أنحاء العالم . واذا كانت ميزانية المشروع تتجمع فى صندوق خاص باليونسكو فإن ذلك يعطيه القوة الفعالة فى العمليات التعاقدية . وهنا لا يتوفر للجانب المصرى الفعالية أو قوة إتخاذ القرار خاصة بالنسبة للتعاقدات الثلاثة . أن هذا الموضوع لا يزال يتم فى كتمان شديد وبسرية كاملة وكأنه مشروع لانتاج الصواريخ العابرة للقارات . المشروعات تعرض فى عواصم العالم وتعقد معها الندوات العلمية الا عاصمة مصر وكأن الحديث عن مشروع مكتبة الاسكندرية قد أصبح من المحذورات أو الممنوعات . الأمر الذى يثير الشكوك حول الاجراءات التى تمت وتتم بالنسبة لهذا المشروع . ان وزارة التعمير وشركات المقاولات الكبرى التابعة لها لا تزال بعيدة عن الصورة كما أن نقابة المهندسين لا علم لها بأى اجراءات تعاقدية تتم مع المكتب الأجنبى وان كانت قد حظرت فى اعلاناتها المتكررة عن عدم التعاقد مع مكاتب أجنبية دون موافقة النقابة على التصريح لها بالعمل فى مصر ..
ان فى تجربة نفق أحمد حمدى والقصر العينى الجديد تحذيرا خاصا بالنسبة لما يتم من اجراءات تعاقدية لمشروع مكتبة الاسكندرية الجديدة تجنبا للمشاكل التنفيذية والبيئية مستقبلا .

word
pdf