من نفق الأزهر إلى متحف الهرم

من نفق الأزهر إلى متحف الهرم2019-11-10T14:28:52+00:00

من نفق الأزهر إلى متحف الهرم

دكتور عبد الباقي إبراهيم
رئيس مركز الدراسات التخطيطية والمعمارية

 

تعرض مشروع نفق الأزهر في أقصى شرق القاهرة إلى جدل طويل على صفحات الجرائد وفي أروقة مجلس الشعب ولجانه النوعية، فمن قائل أن المشروع الذي قدرت تكاليفه بمبلغ 400 مليون جنيه مصري سوف تصل تكاليفه إلى مليار و 200 ألف جنيه نظراً لعدم وضوح الرؤية الهندسية الكاملة للمشروع سواء في التصميمات الابتدائية أو التنفيذية أو في دراسة حركة المرور المتريبة عن إنشاء النفق فى ميدان الأوبرا أو في عدم معرفة مدى حاجة النفق إلى أبراج للتهوية، فقد قدرت ببرج واحد في أول الأمر ثم أضيف إليه برج آخر بعد بدء التنفيذ . هذا بخلاف ما ظهر من مشاكل أثناء التنفيذ بسبب وجود شبكات المرافق العامة المدفونة تحت الأرض أو غير ذلك من المفاجآت التي لم تتمكن الدراسات الاستطلاعية من تقديرها. وهكذا ترددت الأحاديث المتضاربة حول مشروع نفق الأزهر الأمر الذي يحتاج إلى وقفة جادة من الدولة حتى لا يستمر الضباب مخيماً على هذا المشروع الكبير فلا أقل من تكوين لجنة محايدة من خبراء التخطيط والآثار والنقل والمرور لتكون معاونة من الناحية الفنية للجنة تقصي الحقائق التي يكونها مجلس الشعب لهذا الغرض .إذ كيف يقول رئيس الهيئة القومية للأنفاق بأن مشروع النفق هو أحد عناصر تطوير القاهرة التاريخية مع العلم بأنه ليس هناك مشروع تنفيذي متكامل لهذه المنطقة وإلا كان قد عرض على اللجنة الاستشارية الفنية المعاونة للجنة الوزارية التي يرأسها رئيس الوزراء وفي عضويتها وزراء النقل والإسكان والثقافة والأوقاف والداخلية ومحافظ القاهرة وأمين عام المجلس الأعلى للآثار ومدير إدارة المرور. وكيف تظهر الحاجة إلى محطة أخرى لتهوية النفق بعد البدء في تنفيذه. وكيف يتم البدء في تنفيذ النفق دون دراسة تفصيلية شاملة لحركة المرور والنقل والمشاة في القاهرة التاريخية والتي يعتبر النفق أحد عناصرها سواء أكان اقتراحاً عاماً من وزارة الثقافة وهى غير متخصصة بذلك أو كان اقتراحاً بديلاً من وزارة الإسكان وقد أزالت فيه مبنى مشيخة الأزهر القديم لتكوين ساحة كبيرة لا تتناسب مع القياس الإنساني في المدينة التاريخية. ومع وجود العديد من الدراسات التي أعدت لتخطيط القاهرة التاريخية لم يخرج منها مخططً تفصيلي مصحوبً ببرامج تنفيذية لمختلف عناصر المشروع على مراحله المختلفة وتحت إشراف جهاز تنفيذي واحد باعتبار القاهرة التاريخية محمية تراثية واحدة كما أشارت بذلك الدراسات الإرشادية التي أعدت عام 1985 بواسطة مجموعة متكاملة التخصصات من أكبر خبراء مصر وبتمويل من البنك الدولي الذي وعد بتوفير 400 مليون دولار لبداية تطوير المنطقة كما أشار الى ذلك في حينه الدكتور إسماعيل سراج الدين نائب رئيس البنك الدولي . ثم كيف يمكن احتساب العائد الاقتصادي لمشروع نفق الأزهر وهو يتعرض لزيادات متتالية في التكاليف وما هو العائد الاقتصادي القومي الذي يشيرون إليه لهذا المشروع الذي لم تتحدد جدواه الحقيقية بعد مرورياً أو اجتماعياً أو اقتصادياً كما لم تقدر سلبياته من إيجابياته، وإذا كان هناك من يقترح إمكانية ربط هذا النفق بشبكة مترو الأنفاق بهدف تعظيم فعالية النقل العام لحل مشاكل المرور وتوفير وسيلة نقل مريحة لرواد القاهرة التاريخية من السياح والمواطنين فإن هذا الاقتراح قد يستحق المزيد من الجهد والإنفاق إذا كان ذلك ممكناً فنيا،ً فليس هناك ما يبرر الاستعجال في تنفيذ مثل هذه المشروعات ما لم يتم استكمال دراساتها التفصيلية المتكاملة. وهناك من الخبراء في جمعية المهندسين المصرية من يستطيعون المساهمة في استكمال مثل هذه الدراسات حتى لا يبقى هذا المشروع محلاً للشك والتشكيك، كما يمكن أن يكون للجهاز المركزي للمحاسبات دوره في التقييم المالي والفني للمشروع من خلال الإدارة المركزية لمتابعة الخطة وتقييم الأداء المسئولة عن مثل هذه الحالات. وبعد كل ذلك فللرأي العام حقه في أن يعرف الحقيقة من خلال عرض مثل هذه المشروعات للمناقشة على شاشات التلفزيون حيث

يتوفر الرأي والرأي الآخر مدعماً بالأسلوب العلمي في التناول إذا كنا نريد أن نكون مجتمعاً علمياً يتواكب ويتفاعل مع التقدم التكنولوجي الذي نبغيه .
وفي أقصى غرب القاهرة الكبرى يدور الجدل كذلك حول مشروع المتحف الكبير المزمع إنشاؤه في منطقة الهرم، وحول ما تقوم به الوزارة من إجراءات ودراسات وما تطوع به أحد المهندسين بوضع تصوره الخاص للمشروع. فليس من المعهود فنياً أن تستمر دراسة الجدوى لأي مشروع بنفس حجم المتحف الجديد مدة أربع سنوات ونصف، إذ في العادة لا تأخذ هذه الدراسة أكثر من عام واحد تنتهي بوضع البرنامج المعماري للمشروع والذي يعتبر الركيزة الأساسية في الشروط المرجعية للمسابقة المعمارية الدولية التي يزمع الإعلان عنها، كما عهدناه في المسابقات الدولية التي تابعناها أو اشتركنا فيها ومنها مسابقة المتحف القومي الذي كان من المقرر بناءه بجوار مبنى الأوبرا الجديدة ومسابقة المتحف الوطني في سيؤول بكوريا الجنوبية ومسابقة مكتبة الإسكندرية ومسابقة تصميم المنطقة المركزية في بيروت وتصميم المنطقة المركزية والتاريخية في طشقند ومبنى منظمة حقوق الملكية الفنية في جنيف وتصميم الجامعة الأمريكية الجديدة بالقاهرة وغيرها من المسابقات التي يعلن عنها الاتحاد الدولي للمعماريين مع مشاركة خبراء اليونسكو في الحالات المشابهة. وهذا لم يتم في دراسة الجدوى التي أعدت للمتحف الكبير بالهرم والتي تضمنت معلومات مبالغاً فيها كما جاء في دراسة تاريخ الزلازل وغيرها مما لا يؤثر مباشرة على التصميم المعماري الابتدائي في هذه المرحلة.. وكيف يقوم بإعداد هذه الدراسة فريق إيطالي دون مشاركة كل من اليونسكو و الاتحاد الدولي للمعماريين .. وكيف ينفق على إعداد دراسة الجدوى والدراسة الاستطلاعية أكثر من خمسة ملايين جنيه كما تذكر وزارة الثقافة، ثم ما هو دور الخبراء المصريين في هذا العمل خاصة وأن رئيس اللجنة المصرية المعين لهذا المشروع هو مهندس ميكانيكا لا علم له ولا خبرة بالمسابقات المعمارية. كيف لا تتم دراسة عناصر المشروع المعمارية وتحديد مساحة كل عنصر منها حتى يمكن تحديد التكلفة التقديرية على مدى المراحل التنفيذية للمشروع ومعدلات الزيادة في أسعار الإنشاء كأي مشروع بهذه الضخامة . فالواضح أن هناك قصور في الدراسات التي أعدت للمشروع على مدى أربع سنوات ونصف بتبرع من الجانب الإيطالي سعياً للفوز بتصميم وبناء المشروع الكبير بعد ذلك . وماذا تقول لجنة

العمارة بالمجلس الأعلى للثقافة في هذا الصدد.. وأين دورها في هذا الأمر الذي يحتاج إلى شفافية أكثر لتوضيح الأمور أمام الرأي العام .
ثم كيف يتسنى لمهندس أن يتطوع بتصميم ابتدائي لمشروع متحف كبير بهذا الحجم دون أن يكون لديه معلومات عن محتويات المتحف أو عنده أمر تكليف من أحد للقيام بتصميم هذا المشروع .. وكيف يختار موقعاً خاصاً لمشروعه الذي يريد أن يضعه في قلب هضبة اصطناعية امتداداً لهضبة الأهرامات دون تدخل أثري. ولماذا يلجأ المهندس الى شخصية إيطالية تعمل في مجال الآثار دون أن يختار غيره من علماء الآثار في مصر، إذ يظهر أن الدافع لهذا التطوع الذي بدأ منذ ست سنوات بالاتصال بالجانب الإيطالي يثير كثيراً من التساؤلات. وكيف يتسنى لمهندس غير متخصص في التخطيط العمراني أو التصميم المعماري أن يتقدم بتصور معماري دون مشاركة معماري مصري، وهو يقول أن هناك كثيرون في مصر من المبدعين المعماريين .. كيف يتصور مهندس ممارس أن مشروعه تقل تكلفته عن نصف تكلفة مشروع آخر ليس له

برنامج معماري .. أو تكلفة تقديرية .. كيف يتسنى لمهندس يقول أنه اشترك في مشروعات قومية كمهندس مدني متخصص في تحليل التربة والأساسات ويعطي نفسه الحق في القيام بدور المعماري المخطط .
ثم كيف يقال أن رئيس الوزراء وافق مبدئياً على المشروع خلافاً للحقيقة – كيف يمكن التعامل مع مثل هذا المشروع الكبير بهذه الضحالة في التناول سواء من قبل المهندس الذي تطوع بعمل في غير تخصصه أو من قبل غيره – كيف تسكت الدولة عما يجري بالنسبة لهذا المشروع الكبير – كيف يتم وضع حجر الأساس لمشروع لم تتحدد معالمه المعمارية بعد، كما لم تتحدد مصادر تمويله وإدارته كذلك، ثم أين دور الخبراء المصريين في جمعية المهندسين فيما تنوي الدولة إقامته من مشروعات بهذا الحجم تجنباً للبلبلة .

هذا مشروع آخر يحتاج أن يطرح للمناقشة على الرأي العام بموضوعية وحيادية من قبل المتخصصين و الخبراء

دكتور عبد الباقي إبراهيم
أستاذ التخطيط العمراني ورئيس قسم العمارة بجامعة عين شمس سابقاً
كبير خبراء الأمم المتحدة في التنمية العمرانية سابقاً
رئيس مركز الدراسات التخطيطية والمعمارية

word
pdf