من يحتفل بمئوية حسن فتحي؟

من يحتفل بمئوية حسن فتحي؟2019-11-10T14:44:01+00:00

من يحتفل بمئوية حسن فتحي ؟

دكتور عبد الباقي ابراهيم

 

في 23 مارس 2000 يتم مرور مائة عام على ميلاد المعماري الراحل حسن فتحي . وبهذه المناسبة تسابقت الهيئات والمنظمات الدولية على الاحتفال بهذه المناسبة تخليداً للدور الحضاري والثقافي للراحل الكريم وللرسالة الإنسانية التى أطلقها لعمارة الفقراء وللمبادرة العلمية لتكنولوجيا البناء المتوافقة مع البيئات والطاقات الكامنة في المجتمع وهو ما تتضمنه برامج التعليم المعماري المعاصر في الجامعات بالخارج وأخذت بها العديد من المنظمات والجمعيات الأهلية التي تحمل اسم حسن فتحي في إيطاليا وفرنسا والجزائر وغيرها من دول العالم ما عدا مصر حيث أغفل أصحاب المهنة من المعماريين والمثقفين الدور الحضاري والإنساني والثقافي لحسن فتحي الذي حاز على أعلى درجات التكريم من المنظمات المعمارية والهندسية في الشرق والغرب فطلبة العمارة في الجامعات بدول جنوب شرق آسيا والهند وباكستان شرقاً وفي جامعات أوروبا وأمريكا والمكسيك والأرجنتين غرباً يعلمون عن حسن فتحي أكثر مما يعلمه معظم أساتذة العمارة في مصر . ومن هؤلاء من يتساءل عنه ، ومنهم من يستهين بعمارة حسن فتحي التي استعمل فيها مادة الطين الذي خلق الله منها الإنسان.

وكادت مئوية حسن فتحي تغفل لولا أن جاء من ينبهنا إليها من الخارج عسى أن يفوق حفظة التراث الثقافي المصري ويبادروا بالاحتفال بهذه المئوية قبل أن يفوت الأوان وعلى غرار الاحتفال الذي تنظمه لجنة الترجمة والأدب بالمجلس الأعلى للثقافة بمناسبة الذكرى المئوية لمفيد الشوباشي أحد رواد الترجمة والأدب في مصر تقديراً لدوره الثقافي في هذا المجال وعرفاناً بمكانته المصرية فما بالك بحسن فتحي وقد اكتسب مكانته الدولية التي غفلتها الثقافة المصرية .
في 23 مارس 1993 نظم مركز الدراسات التخطيطية والمعمارية – وهو مؤسسة خاصة – المؤتمر الدولي الأول لعمارة الفقراء حاملاً إسم حسن فتحي كما أعلن بهذه المناسبة عن جائزة دولية تحمل إسمه وتمنح لأحسن مشروع أو مؤسسة في العالم تعنى بعمارة الفقراء . واشترك في المؤتمر مجموعة كبيرة من الباحثين و أصحاب المشروعات الرائدة في هذا المجال في دول العالم النامي فمنهم من جاء من ألمانيا وفرنسا وبريطانيا وإيطاليا وأمريكا ومنهم من حضر من المهتمون بعمارة حسن فتحي من سوريا والسعودية وليبيا والأردن والسودان وانضم لهم ثلاثة من مصر . وقد افتتح المهندس حسب الله الكفراوي وزير الإسكان الأسبق أعمال هذا المؤتمر مؤكداً على تبنيه لأهداف المؤتمر وقراراته و توصياته لإسكان الفقراء في مصر، وقد أوفى سيادته بقسمه وبدأ فعلاً في طرح أول مشروع لإسكان من لا مأوى لهم ولم يسعفه الوقت لتنفيذه بعد أن تغيرت الأحوال وانقلب الاهتمام بعمارة الفقراء الى الاهتمام بعمارة الأغنياء. وقد منحت جائزة حسن فتحي الدولية لعمارة الفقراء خلال فعاليات المؤتمر الى أحد مراكز البناء بالجهود الذاتية في الهند و حضر الاحتفال بهذه المناسبة مندوب السفارة الهندية بالقاهرة لاستلام الجائزة . وهنا لا بد من التنويه بالدور الحضاري النشط الذي قامت به وزارة الخارجية في نشر الدعوة الى هذا المؤتمر الدولي في حينه وطلب الترشيح لجائزة حسن فتحي الدولية في كل دول العالم الأمر الذي أسهم في إثراء المؤتمر وإنجاحه. وقد عرض أمر استمرارية هذا المؤتمر الدولي الذي يحمل اسم حسن فتحي على المسئولين عن الثقافة في مصر لما له من عائد ثقافي وحضاري وإنساني وسياحي ولكن يظهر أن العمارة ليست من هموم الثقافة الجماهيرية التي تعنى فقط بالفنون التشكيلية والمسرحية والموسيقية والقصة والأدب مع أن العمارة سواء للفقراء أو للأغنياء هى أم الفنون والأولى بالرعاية الثقافية كواجهة لحضارة الدولة بعد ما أصاب عمران المدن والقرى المصرية من تدهور وتخلف .

لقد كان حسن فتحي العضو المعماري الوحيد في المجلس الأعلى للثقافة وبوفاته فقدت الثقافة المعمارية ركناً هاماً من أركانها فلكل المجالات الثقافية الأخرى من موسيقى ومسرح وسينما وفنون تشكيلية وعلوم اجتماعية أجهزتها التنفيذية المتمثلة في المعاهد والهيئات والإدارات إلا العمارة ليس لها الأجهزة التنفيذية التي ترعاها وتقوم على نشرها بكل وسائل الإعلام المرئي أو المسموع أو المقروء . ومن العجيب أن نرى العديد من المجلات والنشرات تصدر حاملة أخبار وهموم كافة الفنون إلا العمارة فليس لها مجلة شهرية واحدة تدعمها الدولة أو الهيئات و البنوك والشركات كما في معظم دول العالم. فمصر ذات الستين مليون نسمة تفتقر لمثل هذه الإصدارات مع أن مالطة التي تعدادها 350 ألف نسمة يصدر فيها مجلة معمارية عالية المستوى. وحدث ولا حرج عما يصدر من مجلات معمارية في الهند وباكستان ودول جنوب شرق آسيا ناهيك عن إسرائيل والدول الأوروبية والأمريكية. وفي تركيا قامت مجموعة من شركات التشييد و البناء بإنشاء مركزا للثقافة المعمارية يهدف الى نشر الثقافة المعمارية على الشعب من خلال برامج تلفزيونية ونشرات علمية ومعارض فنية وندوات ورحلات سياحية . فأين نحن والمسئولون عن الثقافة المعمارية في مصر من كل هذا النشاط الدولي .

 

ويبقى التساؤل عمن يحتفل بمئوية حسن فتحي. هل هى الجامعة الأمريكية التي تحتفظ بتراث حسن فتحي المعماري وتقوم على توثيقه ثم نشره وعرضه للدارسين من كل أرجاء العالم. أو هى مؤسسة الأغاخان للجوائز المعمارية التي كرمت حسن فتحي بجوائزها وبنشر أعماله وآرائه. أو هى جمعية حسن فتحي للبناء بتكنولوجيا البناء المتوافقة في إيطاليا . أو هى جمعية حسن فتحي لعمارة الفقراء في الجزائر. أو هى لجنة العمارة بالمجلس الأعلى للثقافة المشغولة بتجميع السير الذاتية وصور المعماريين المصريين المعاصرين في الثلاثين عاماً الأخيرة والذين يرغبون في التسجيل كرواد للعمارة في كتيب يجمعهم. وقد أغفلت اللجنة توثيق أعمال وسيرة حسن فتحي وغيره من رواد العمارة المصرية الذين تفوقوا وأبدعوا على مدى الزمن الجميل . أو هى جامعة حلوان التي تضم كلية الفنون الجميلة التي شهد قسم العمارة فيها أمجاد حسن فتحي التعليمية وآرائه التي استقرت في وجدان من تخرج منها في حينه ومنهم من جمع كل ما كتبه أو كتب عنه. وقد تكون المناسبة فرصة لتنظيم مهرجان معماري دولي يحمل اسم حسن فتحي وتساهم فيه كل هذه الجهات بشكل متناسق ومتكامل على مستوى الحدث. ولتكن صحوة كلثومية لأمجاد وقيم العمارة المصرية.. حتى نعيد لعمران المدن والقرى الوجه الذي يليق بماضي الحضارة المصرية التي دأبنا على تمجيدها والتغني بها في كل مناسبة دون أن نلحق بها أو نقترب منها

word
pdf