نحـو الحـل الإسلامـى

نحـو الحـل الإسلامـى2019-12-08T14:52:45+00:00

بسم الله الرحمن الرحيم

نحـو الحـل الإسلامـى

أ .د. عبد الباقى إبراهيم
رئيس مركز الدراسات التخطيطية والمعمارية
25 /5/1987

آثار الأستاذ فهمى هويدى فى مقاله ” لغز الحل الإسلامى ” الذى نشر بجريدة الأهرام يوم الثلالثاء 29/5/1983 العديد من المسائل التى تحيط بمفهوم الحل الإسلامى وقدم لذلك خمس مستويات للحل الإسلامى وذلك فى تتابع منطقى وبإسلوب واضح فسر فيه مفهوم المستوى الحضارى ثم المستوى الأصولى ثم المستوى الإعتقادى ثم المستوى التشريعى وآخرها المستوى العبادى أو الأخلاقى .. وأنتهى إلى قوله : لعلنا لا نبالغ فى التقدير إذا قلنا أن المستويين الإصولى أولاً والحضارى ثانياً فى فهم الحل الإسلامى هما الأقرب فى التعبير الصحيح عن رسالة الإسلام وروحه ، وكان التيار المحلى التشريعى هو الأكبر وربما تساوى معه فى الحجم تيار التصور العبادى والأخلاقى لمفهوم الحل ، وقد صدق الأستاذ فهمى هويدى عندما قال بأن القائلين بالحل الإسلامى التشريعى يتحدثون عن محتوى 5% فقط من النصوص القرآنية ولا يعنون بالقدر الواجب بالنسبة المتبقية التى تصل إلى 95% من جملة النصوص ثم أشار سيادته إلى النهج الذى إتبعه النبى صلى الله عليه وسلم فى دعوته إلى ” الحل ” فى المجتمع الإسلامى الأول وهو وضع يختلف عن دعوة الداعية فى زماننا إلى الدخول فى العقيدة من جديد ، وتساءل سيادته فى النهاية كيف يكون الحل الإسلامى ؟ وإختتم كلمته بأن المدخل الأوفق والأسلم للتطبيق الإسلامى هو باب الشعراوى .

ويضيف هنا إلى أن الدعوة إلى هذا المنهج وبهذه الصورة لم يعد قاصراً على فئة دون أخرى أو حزب دون آخر إذا كان الجميع يدينون بدين الإسلام ، وإذا كان الجدل ينحصر غالباً فى الحل الإسلامى التشريعى فإننا بذلك ىنتجاهل العديد من المجالات الأخرى التى تسهم فى بناء الإنسان المسلم بناءاً متوازناً وذلك فى ضوء القيم الحضارية التى يدعو لها الإسلام ، وهنا يأتى باقى المضمون متفوقاً على الشكل .
فالدعوة هنا إلى الحل الإسلامى بذلك تصبح دعوة عامة تتصل بكل جوانب الحياة التى يعيشها المجتمع المسلم سواء ما أرتبط منها بالنصوص القرآنية أو ماجاءت فى الأحاديث النبوية أو مايمكن الإجتهاد فيه بالقياس، ونحن نعيش الآن علماً معقد الإتجاهات مختلف التيارات من أقل الحضارات لم يعد يصلح معه الدعوة بالكلمة أو بالنداء من أعلى المنابر أو على صفحات الجرائد ولكن لابد من القدوة والعمل والمثل والإ ضاعت الكلمات وتعددت النداءات وبعدنا عن الحل الإسلامى بمفهومه الحضارى الشامل ويعنى ذلك أن نستحضر القيم الإسلامية فى كل جانب من جوانب الحياة ، نستحضرها فى التنظيم والإدارة كما نستحضرها فى العمل والإنتاج ، نستحضرها فى التعمير والتطوير كما نستحضرها فى التربية والتعليم ، نستحضرها فى الرياضة والتطبيق كما نستحضرها فى النظافة والتشجير ..بل نستحضرها فى كل صغيرة وكبيرة فى حياة المجتمع حتى يكون متميز الشخصية والبناء غير تابع إلا للحق سبحانه وتعالى ، وحتى نكون أهلاً لقوله تعالى .. كنتم خير أمة أخرجت للناس ”  وإذا كانت العبادات هى الرابطة بين الرب والعبد والتشريعات هى التى تنظم العلاقات الرسمية بين الناس فإن الجوانب الحضارية والأصولية هى التى تؤكد الإلتزام بالمنهج والقيم الإسلامية وهى الجوانب الظاهرة لغير المسلمين .. فلا  يعقل أن يتعبد الإنسان ويخرج إلى الشارع لا يعنى بنظافته، ولا يعقل أن يتسوق الانسان ولا يعنى بمظهره وبأتقان عمله ، ولا يعقل أن يسعى الإنسان لأداء فريضة الحج ولا يعنى بأسلوب إقامته وسلوكه فى حركاته وسكناته ولا يعقل أن ينتسب الإنسان إلى الدعاه وهو يرزخ  فى الإسراف والبذخ ويكنز الفضة والذهب ، فنحن نريد ممارسين للحل الإسلامى اكثر مما نحتاج من دعاة ، فالممارسة فى حد ذاتها أقرب طريق إلى الدعوة والإقناع ، نريد الشباب المسلم أن يقدم المثل فى الإنتاج ..فى غزو الصحراء فى الإلتزام بالنظافة والنظام فى الأجدار والمثابرة فى الإخلاص والصدق ..نريد من أغنياء المسلمين التضحية والتبرع بإنشاء المدارس على أسس تربوية وتعليمية ملتزمة بالقيم الإسلامية ، وإنشاء مراكز العمل لا للإثراء ولكن لتوفير فرص جديدة للعمل ، نريد من العامل المسلم أن يخلص فى عمله حتى يميزه غيره ويعتمد على نفسه وأكثر من ذلك نريد من المسئولين عن الإعلام المقروء أو المرئى ألا يخصصوا برامج دينية وبرامج غير دينية ..أو صفحات دينية وصفحات غير دينية نريد نظرة متكاملة شاملة لكل برامج الإعلام تستحضر فيها القيم الإسلامية فى كل مايكتب وكل ماينشر .. فى كل مايقدم من أعمال فنية وإعلامية وترويحية ، نريد صيغة إسلامية للبرامج التليفزيزنية بما فيها من أعمال درامية أو مواد إعلامية ، نستحضر فيها القيم الإسلامية فيما يكتب أويقال أو يمثلها كما تستحضر فيها القيم الإسلامية فيما بها من ملابس أو أثاث أ و مأكل أو مشرب ..أو فيما يقدم معها من أساليب للإنتاج الذى يعتمد على العمل اليدوى كقيمة إسلامية ..أو مايقدم فيها من برامج للاطفال ليتذكروا أن الإسلام يدعو إلى إحترام الصغير للكبير ، كما يدعو إلى ادب الحديث ويدعو إلى الجمال كما يدعو الى رعاية الزهور والأشجار ، ويدعو إلى تنظيم المأكل ونظافة وبساطة الملبس ، يدعو إلى ممارسة الرياضة والسباحة وركوب الخيل يدعو إلى سلوكيات الجلوس والحديث والسير فى الطريق .. يدعو إلى حقوق الجار وإحترام الجوار ..يدعو إلى الوسطية والتوافق البيئى كل ذلك يمكن أن يقدم إلى المجتمع عن طريق كل وسائل الإعلام ليس فى صورة أحاديث ولقاءات ولكن فى صورة سلوكيات وممارسات يظهر فى سلوك القادة والقيادة .

وعلى المستوى الجامعى فلابد من صياغة المناهج الدراسية فى منظورها الإسلامى ، فى المنظور الإسلامى للإدارة والتجارة والمنظور الإسلامى للتخطيط والعمارة أو المنظور الإسلامى للتطبيب والتمريض أو المنظور الإسلامى للزراعة والصناعة وذلك فى إطاراتها العلمية والتكنولوجية وإيطاراتها الإقتصادية والإجتماعية .. هذه الشمولية فى الحل الاسلامى فالدعوة إلى الحل الإسلامى هنا ليست قاصرة على فئة دون أخرى أو حزب دون آخر أو هيئة دون أخرى بل هى دعوة عامة لكل الناس ويبقى هنا البحث عن القوة الدافعة التى تحرك المجتمع فى هذا الإتجاه .. وهنا فليتنافس المتنافسون بالعمل والممارسة قبل أن تكون بالخطاب أو بالمقال أو ببعض الصفحات الأسبوعية أو عدد من البرامج الدينية .. والحل بهذا المنهج فى أيدى كل القادة كما هو فى يد كل فرد مؤمن.
والله ولى التوفيق ،،،

word
pdf