نحو عمارة إسلامية معاصرة مـاذا بعـد القــرار ؟

نحو عمارة إسلامية معاصرة مـاذا بعـد القــرار ؟2019-12-11T15:05:00+00:00

نحو عمارة إسلامية معاصرة

مـاذا بعـد القــرار ؟

الدكتور عبد الباقى إبراهيم

أستاذ تخطيط المدن بجامعة عين شمس

الأخبار 7/8/1978

كثر الكلام أخيراً حول قرار الدولة الخاص بإحياء التراث المعمارى الإسلامى ، وقد دعا بعض الكتاب على صفحات الجرائد اليومية إلى ضرورة الإسهام بخطوات فنية وعلمية لتعزيز هذا الإتجاه.. وبدأ الكتاب يدلون بآرائهم فى هذا الشأن .
وهذا الكلام يعيدنا إلى ماكتبناه على صفحات نفس الجرائد منذ خمسة عشر عاماً بالتحديد للدعوة إلى هذا الإتجاه ، وقد إتهمنا أصحابنا وقتها بالرجعية تارة وبالتخلف تارة أخرى .
وكان منطقهم فى ذلك أن لا عودة إلى الوراء بل يجب مسايرة التقدم العلمى والتحول الإجتماعى الذى يحدد السمات المعمارية للعمارة المعاصرة .
وقد بدأنا تجاربنا فى تحقيق هذا الإتجاه كبرهان عملى أمام المعمارين بأن الدعوة ليست إلى التخلف ولكن إلى التقدم العلمى والإجتماعى والعقائدى ، فظهرت لنا بعض الأعمال ثم إتبعناها بكتاب نشرته حكومة الكويت عن إحياء التراث الحضارى للمدينة العربية المعاصرة سردنا فيه الفكر التخطيطى والمعمارى الذى يحقق هذا الإتجاه عملياً .

ثم بدأت التجربة تظهر عملياً فى الكويت ثم فى المملكة العربية السعودية ، فالأمثلة الحية أقدر على الإقناع من الحديث عنها ..فإن من رأى ليس كمن سمع ..ونحن بصدد إصدار مجلة ” البناء ” السعودية التى تسعى إلى تأكيد هذا الإتجاه .

القـرارت .. ليست السبيـل
لقد أثير هذا الموضوع كثيراً فى مؤتمرات عربية ومحلية ولكن لم يظهر أثر واضح فى واقع الحياة … ومدننا تبنى مساحة كبيرة لا نستطيع معها مواكبة هذا الفكر الجديد لإحياء التراث المعمارى الإسلامى ، فأصدار القرارات أو إنشاء الهيئات ليس هو السبيل إلى تحقيق هذا الهدف .
فالمشكلة أساساً فى الوعى القومى والإنتماء العقائدى إلى التعاليم الإسلامية أكثر منه تعبيراً عن الجوانب المظهرية .
والعمارة فى جميع العصور هى إنعكاس طبيعى للمقومات الإقتصادية والحضارية والدينية للشعوب .
فإذا تعمقت فى الشعب الروح الإسلامية الصحيحة إنعكس ذلك تلقائياً على المكونات الطبيعية للمدن والعمارة …
لماذا العمارة بصفة خاصة ؟ ما بالنا بالأزياء .. وهى الأخرى تمثل كرنفالاً مظهرياً لا ينتمى إلى أصالتنا وعقيدتنا .

القيم الحضارية لا تهم !!
وواضع القرار لإحياء التراث المعمارى الإسلامى لا يستطيع أن يطبقه على نفسه او حياته الخاصة وهو لا يزال يكتسى بالزى الغربى ، فلماذا تكون العمارة هى الجديرة بالإنتماء ؟
إن المشكلة أعمق من هذا بكثير .. وإذا كان قرار الدولة بإحياء التراث المعمارى الإسلامى لم يطبق على المدن الجديدة لتى تقيمها الدولة نفسها فكيف يطبق على الأفراد والجماعات ؟
فإذا أردت أن تطاع فأمر بما يستطاع .. والدعوة إلى هذا الإتجاه ليست بالكلام أو الكتابة ولكن بالعمل وبالمثل وبالقدوة ، ثم يأتى الإقناع ثم الإقتناع ، إن متخذى القرار السياسى فى كثير من الأحيان لا يهمهم القيم الحضارية بقدر ما يهمهم سرعة الإنجاز والظهور وقضية هضبة الأهرام دليل على ذلك .

صندوق مراكب الشمس
لا شك فى أننا نعيش فترة من التخلف العلمى والحضارى وإلا لما ظهر هذا الكرنفال المعمارى فى مدننا..إنا ما زلنا نبحث عن الإقتراض من الخارج .. ليس فقط فى مجال المال ولكن أيضاً فى المجالات الفنية والحضارية .. وإلا لما وجدنا هذا الصندوق الزجاجى الذى يضم مراكب الشمس قابعاً بجوار الهرم الأكبر كوصمة فى جبين المعمارى الإيطالى الذى أقامه أو المسئول الذى كلفه بذلك …
ولماذا نجد من جهة أخرى تراثنا الإسلامى يستعمل فى إيواء المهاجرين أو ضحايا سقوط العمارات .. أو تستعمل بعض الأمثلة القيمة من الدور الإسلامية كمقار الإتحاد الإشتراكى ؟ .
إننا فعلاً نعيش فترة من التخلف العلمى والحضارى ..إننا نشاهد وزارة الإعلام تصدر التصريحات لإصدار المجلات الفكاهية والفنية التى تظهر لنا المعجزات الحضارية للكواكب ..وعلى الصفحات العريضة للصحف اليومية تظهر أخبار الإنجازات الحضارية للمطربين والمطربات والراقصين والراقصات ..وبعد ذلك تصدر وزارة الإعلام قراراً لإحياء التراث المعمارى الإسلامى للقاهرة ..ربما كان ذلك لدواع سياحية أكثر منه إقتناعاً بالقيم الإسلامية العميقة.

يجـب ..يجـب !!
وأخطر من ذلك فهم بعض الكتاب لمفهوم العمارة الإسلامية فالبعض يراها تبسيطاً للعمارة العربية القديمة والبعض يدعو إلى ضرورة إستعمال الحجر فى البناء .. والبعض يراها فى الزخارف والعقود والمشربيات .. والبعض يراها فى تأكيد القيم الحضارية للعمارة الإسلامية شكلاً وموضوعاً وتقدماً علمياً .

والبعض يكرر كلمة يجب ويجب .. دون أن يقدم المثل العملى لما يقول ، وكم من يجب ظهرت فى قرارات المؤتمرات وعلى صفحات الجرائد والمجلات ولم يتحقق من ورائها شىء …فلتقدموا أيها السادة الأمثلة الحية التى تعبر عن أرائكم تصميماً أو بناء وإلا فلس هناك داع لضياع الوقت فى المجادلة .. فلتجتمعوا ولتناقشوا أعمالكم الفنية معاً .. عسى أن تخرجوا بأفكار أكثر تقدماً وأعمق فهماً .

تناقـض فكـرى وفنـى !
ومرة أخرى إلى قرار الدولة بإحياء التراث الإسلامى لعمارة القاهرة .. الذى صدر  عن وزير الإعلام  هل هو قرار ملزم كقوانين تنظيم المبانى أو هو دعوة عامة إلى الإلتزام كلما أمكن ذلك .. أو هو تعبير عن عدم الإرتياح للحالة التى وصلت إليها العمارة فى مصر .. وماذا بعد القرار ؟ .

هل تنوى الوزارة إقامة مهرجانات معمارية كمهرجانات السينما تمنح فيها المعماريين جوائز التقدير الذهبية على لفائف البردى كالتى أهديت إلى الرواد فى عالم التمثيل أخيرأ ؟ .
هل تقوم المؤسسات العلمية بتنظيم عروض معمارية تمثل الفكر الإسلامى كما تقوم بعض الجمعيات الخيرية بتنظيم عروض الأزياء على أنغام الموسيقى وموائد المشروبات ؟
إننا فعلاً نعيش مرحلة من مراحل التناقض الفكرى والفنى والعلمى ، ربما توجه الدعوة هنا إلى الحزب الجديد الذى يقيمه الرئيس السادات لوضع برنامج عملى لبناء الدولة العصرية تخطيطياً ومعمارياً .. مع بنائها علمياً وحضارياً وإسلامياً .. حتى تظهر آثار الدعوة أو قرار الدولة لإحياء التراث المعمارى الإسلامى عملياً – والله ولى التوفيق .

word
pdf