نظرة على نشاط التعمير .. من بعيد

نظرة على نشاط التعمير .. من بعيد2019-11-07T08:55:10+00:00

نظرة على نشاط التعمير .. من بعيد

 د / عبد الباقي إبراهيم

كبير خبراء الأمم المتحدة للتخطيط العمراني سابقا

 

 

يرى الإنسان من على بعد بلده وما يجري فيها بعين شامله قد لا تتوفر له إذا كان يقف في وسط الأحداث الذي تدور فيها .. وأنا أشاهد نشاط التعمير في بلدي من خلال الإعلانات المكتوبة والمصورة التي تتحدث عن التعاقد مع المكاتب الأجنبية لتخطيط مدن القنال ثم المدينة الصناعية شرق القاهرة .. وما يأتي بعد ذلك من مدن غرب القاهرة.. وأتابع في نفس الوقت ما يكتبه الزملاء على صفحات الجرائد من فقد لمثل هذه الإجراءات .. ويرد عليها السيد وزير التعمير بوجهه نظره الخاصة.. فاقرأ مدى مخالفة هذه الإجراءات لقوانين نقابة المهن الهندسية وفي نفس الوقت أرى أن من يخالف هذه القوانين زملاء من المهندسين على قمة الجهاز النقابي أو العلمي في جمعيات المهندسين.. ويظهر أن طبيعة الإنسان تجره الى الأضواء بسرعة قد يفقد أثنائها توازنه.

والمعترضون على وجود الخبرات الأجنبية على رأس المتعاقدين على مشروعات الدولة العمرانية يرون أن الأمر يجب أن يبدأ مع الخبرات المحلية ولا مانع من تعزيزها بالخبرات الأجنبية وهذا الموضوع ينظر اليه سيادة وزير التعمير على اعتبار انه ضرورة سياسية تبعث الثقة في نفوس اخواننا العرب الذين يرغبون في استثمار اموالهم في مصر ومعنى ذلك أنهم يثقون أولاً بالأجنبي قبل العربي ويواصل سيادة الوزير نظرته الى هذا الموضوع على أنه من خير المكاتب الإستشارية المحلية حيث سنتعلم التنظيم العلمي لأعمالها وتطور من قدرتها وهو هنا يوازن بين المكاتب العالمية التي يعمل فيها آلاف من المهندسين ومجموعات من الأفراد أكثر منها من المكاتب المحلية قد لا تصل الى هذا المستوى من التنظيم المتكامل في مؤسسات هندسية كبيرة والزملاء الأفاضل أعلم منا بذلك وتركيب مجموعاتهم تؤكد ذلك .

أنني لا أريد أن أقلل  من قدر المكاتب الإستشارية الأجنبية وكلنا يعلم مدى تنظيمها في العمل وقدرتها على الإنتاج والإنتشار في أنحاء الدول النامية الغنية .. ولكن يجب أن نعلم أنها جميعاً تعمل في بيئات حضارية منظمة تساعدها على العمل والإنتاج وخلفها قوة من التنظيم الحكومي الذي تساعدها على الإنتشار. وتقييم هذه المكاتب الأجنبية لا يمكن بناؤه على ما يقومون به من أعمال في بلادهم بل على ما يقومون به في غير بلادهم.. وهذا ما لا أود الخوض فيه حيث أنني أقوم بهذا العمل مع عديد من الشركات أو المكاتب الإستشارية التي أقامت لنفسها الصفة العلمية أو الدولية .. و إذا كان لي من إشارة جنباً إلي هذا الموضوع فإن ما تبيعه هذه المكاتب الاستشارية للدول النامية ما هو الا حصيلة خبرتها في الدول المتقدمة التي يعملون فيها ولكن على أساس ضعيف من الخبرة بالجوانب الحضارية و الاجتماعية لشعوب الدول النامية حيث تختلف المداخل التخطيطية إلي معالجة أمورها عن المداخل التخطيطية التي تطبقها الدول المتقدمة إختلافا بيناً زد على ذلك العامل التجاري الذي تتبعه هذه المكاتب عند التعامل مع الدول النامية .
والتخطيط هنا عملية مستمرة لا تعتمد على عمل قصير المدي يستغرق سنة أو سنتين .. من هنا كان الأهم العناية بتطوير الأجهزة المحلية لمواجهة العملية التخطيطية التي تتكامل على كافة المستويات ..وتقتصر فعالية المكاتب الاستشارية بعد ذلك (محلية أو أجنبية) على الدراسات النوعية التي تغذي العملية التخطيطية ..

ويخطرني في هذه المناسبة نصيحة زميل لي مهندس و مقاول – عزيز على و على سيادة وزير التعمير – حيث أشار على في يوم من الأيام أن أشارك إحدي المكاتب الاستشارية الأجنبية في الأعمال الهندسية والعمرانية والتخطيطية إذا كنت أرغب في مد قاعدة أعمالي حتى تغطى أكبر قدر من العالم العربي ..ولا مجال إلا بذلك. وعندها أشفقت على نفسي حيث كنت أعامل أفراد مثل هذه المكاتب الأجنبية معاملة تلامذتي فى الكلية .. و كدت أفقد كياني من هذه النصيحة وكأني مواطن على هامش الحياه.. وكدت أفقد ذاتي كأستاذ بالجامعة أو كبيرا لمستشاري الأمم المتحدة في مجال تخصصي في التخطيط العمراني..
أن تنظيم المكاتب الاستشارية الأجنبية و تطوير أسلوب عملها لم يتأثر فقط بالبيئة المنظمة المتطورة التي يعيشون فيها ولكن بالعمل الدائب و البحوث المستمرة التي تقدمها معاهدهم التخصصية و جمعياتهم العلمية.. نظرة عابرة على مطبوعات أحد هذه المعاهد تعطينا الانطباع بقدرة هذه المعاهد على مد أعضاءها بأحدث المؤلفات والبحوث التي تنظم أعمالهم وتطور أسلوب نشاطهم.. من هنا لابد أن تبدأ المعاهد و الجمعيات و النقابات المحلية حتي يكون للمكتب الاستشاري المحلي كيانه واحترامه ثم قدرته على اختراق حاجز العقدة التي تربطه بالأجنبي ..
مع تمنياتي للسيد وزير التعمير و للزملاء المهندسين خارج المجموعات وداخلها بالتوفيق و أرجو لهم فرصة التعرف على التجربة التخطيطية الرائدة التي تتم في المملكة العربية السعودية في الوقت الحاضر .

دكتور عبد الباقى إبراهيم
أستاذ تخطيط المدن بجامعة عين شمس
حالياً: كبير مستشاري الأمم المتحدة
للتخطيط العمراني بالمملكة العربية السعودية
الرياض – المملكة العربية السعودية

word
pdf