هذه المشاكل فى انتظار لجنة القاهرة

هذه المشاكل فى انتظار لجنة القاهرة2019-11-28T12:50:08+00:00

هذه المشاكل فى انتظار لجنة القاهرة

    د / عبد الباقي إبراهيم

كبير خبراء الأمم المتحدة للتخطيط العمراني سابقا

25/5/1995

 

قوبلت دعوة السيد رئيس الجمهورية لدرا سة مستقبل القاهرة بكل التقدير والترحيب وإن جاءت متأخرة ثلاثين عاما عن موعدها بعد أن تفاقمت مشاكل العاصمة وتعقدت حتى أصبحت عزيزة عن الحل . لقد مر مستقبل القاهرة بالعديد من البحوث والدرا سات بدأ من أول تخطيط لها عام 1956 م حتى آخر تخطيط لها عام 1986 م ومع ذلك فالمشاكل تتفاقم بسرعة مذهلة . وهنا يثار العديد من التساؤلات حول أسباب هذه الظاهرة … هل هى القصور فى البحوث والدرا سات وما أكثرها … أم هى فى غياب الأجهزة القادرة على تحويل هذه البحوث والدرا سات إلى برامج تنفيذية أم هى القصور فى اللوائح والتشريعات التى تضمن تنفيذ مثل هذه البرامج … أم هى فى تداخل الاختصاصات بين الاجهزة التخطيطية أم هى عدم التحكم فى ملكية الأراضى الموزعة بين المحافظة والدولة والقوات المسلحة والشرطة والآثار أم هى فى التداخلات السياسية التى كانت تقر ظاهرة الامتدادات العشوائية وكادت تصيب العاصمة فى مقتل … أم هى قوى الضغط ذات النفوذ التى تبرر زيادة الارتفاعات فى مختلف الاحياء لمواجهة مشكلة الاسكان … أم هى فى التسيب الذى أصاب ادارات الاسكان المحلية التى تتغاضى عن مخالفات قوانين المبانى وتفاقم ظاهرة الأبراج … أم هى فى ضعف سلطة الدولة فى إدارة المدينة … أم هى فى غياب استراتيجية قومية للتنمية العمرانية تتأثر بها القاهرة كما تتأثر بها غيرها من المدن التى تقع فى الأراضى الزراعية … أم هى فى غياب البعد المكانى الحقيقى فى خطط التنمية الاقتصادية الاجتماعية وعدم تكاملها مع خطط التنمية العمرانية … وهل هى نتيجة لتداخلات المكاتب الاستشارية الاجنبية من خلال المعونات الاجنبية فى توجيه التنمية العمرانية وجهاتها الخاصة … أم فى ضعف أجهزة التخطيط المحلى والاقليمى إن وجدت أم هى فى النهاية فى ضعف الوعى السياسى الذى لا يرى الا المشاكل الآنية ولا ينظر بجدية إلى المستقبل … أم فى الفجوة بين الفكر التخطيطى والفكر السياسى … أم هى فى كل هذه الاسباب مجتمعة . ان التنمية العمرانية عملية مستمرة تدعمها قاعدة من البيانات المتجددة وتساندها مجموعة من اللوائح والقوانين وتدفعها أجهزة قادرة على اتخاذ القرار والتنفيذ وبغياب أحد الاطراف الثلاثة تنهار العملية من أساسها … والتنمية العمرانية من ناحية لا تنفصل عن التنمية الاقتصادية الاجتماعية بأبعادها المكانية على المستوى القومى والاقليمى والمحلى الامر الذى يتطلب توفير العلاقة التبادلية بين أجهزة هذه المستويات إن وجدت الامر الذى لا يتوافر إلا بإعادة هيكل أجهزة التخطيط والتنمية ودعمها فنياً وادارياً . بحيث يصبح الجهاز المركزى للتخطيط هو الموجه للتنمية بكل مقوماتها الاقتصادية والاجتماعية والعمرانية على كل من المستوى الاقليمى والمستوى المحلى . وان تفكك أجهزة التنمية بصورتها الحالية لن يترك فرصة للاصلاح … والقاهرة هنا جزء لا يتجزأ من عملية التنمية القومية والاقليمية … ولا يجب معالجتها منفصلة عن الاستراتيجية القومية التى تهدف إلى تفريغ السكان من الوادى الضيق إلى مناطق التعمير الجديدة .

وذلك بزيادة عوامل الطرد من المناطق القديمة والقاهرة جزءا منها مع زيادة عوامل الجذب إلى المناطق الجديدة وذلك من خلال مجموعة من التشريعات الجديدة التى تتصل بتكلفة الخدمات وتوفيرها وقيمة الضريبة المحلية أو القومية والحد من التصريحات للبناء فى المناطق القديمة وانطلاقها فى المناطق الجديدة وتوفير وسائل الاتصال والنقل السريع التى تساعد على حركة السكان من الداخل إلى  الخارج . وهنا تظهر الأهمية الكبيرة لتنظيم وإدارة عملية التنمية والا فقدت الدراسات واللوائح والأجهزة موضوعيتها ووظائفها . وتنقسم أجهزة التنمية الشاملة بذلك إلى أجهزة فى المناطق الطاردة تعمل للارسال وأجهزة فى المناطق الجاذبة تعمل للاستقبال . وهنا يتطور مفهوم الجدوى الاقتصادية للمشروع ـ أى مشروع ـ إلى مفهوم اخر هو الجدوى الاستيطانية التى تخدم الاستراتيجية القومية . وهنا لا بد من تطوير القوانين التى تنظم حركة السكان والتعمير لتعمل جميعها لتحقيق الاستراتيجية القومية وذلك بمفهوم جديد يتطلع إلى المستقبل اذ لم تعد هناك جدوى من ترقيع الثياب القديمة .

والهدف محدد ومعروف وهو زيادة عوامل الطرد من الداخل مع زيادة عوامل الجذب إلى الخارج ليس خارج القاهرة وحدها ولكن خارج الوادى الضيق معاً … فما ينطبق على القاهرة يندرج على مدن الدلتا والصعيد من حيث معدلات التكدس السكانى المتزايدة وان اختلفت … ان اجراءات عوامل الطرد من الداخل لابد وأن لا يبدأ تطبيقها الا بعد توفير عوامل الجذب فى الخارج وهنا تظهر أهمية تنظيم وادارة عملية التنمية القومية مع تحديد اختصاصات أجهزة الارسال من ناحية وأجهزة الاستقبال من ناحية أخرى . كما تظهر هنا أهمية المرحلية فى التنفيذ مع تحديد الاولويات التنفيذية تفصيلاً وليس تقديراً . ويدخل فى ذلك المرحليات التنفيذية لتحديد حجم القاهرة والمرحليات التنفيذية لانشاء العاصمة الجديدة اذا لزم الأمر . اذ لا يمكن اعتبار القاهرة عاصمة مغلقة بصورة مفاجئة … وقد لا يحتاج الأمر إلى اتخاذ هذا القرار أصلا وذلك فى ضوء النتائج التى تترتب على اجراءات الطرد واجراءات الجذب على المستوى القومى . الأمر الذى يتطلب عددا من الاجراءات العاجلة التى تجمد الاوضاع الراهنة حتى يتم إعداد المخططات الارشادية والتشريعات والأجهزة القادرة على دعم عمليات التنمية على المستويات القومية والاقليمية والمحلية بوصفها عمليات مستمرة تتوافر لها حرية الحركة والتعامل مع المتغيرات السياسية والاقتصادية والاجتماعية والعمرانية …

وقد تنقسم عناصر الأجندة التى سوف تعرض على لجنة مبارك لمستقبل القاهرة إلى الجوانب التالية :

أولاً : الاجراءات العاجلة اللازمة للتهيئة للتنمية المستقبلية ويشمل ذلك :

  1. الاجراءات اللازمة لوقف تراخيص البناء فى كل الأرجاء لفترة محددة .
  2. الاجراءات اللازمة لتحديد تخصيص الاراضى ومليكيتها حتى كردون المدينة
  3. الاجراءات اللازمة لحصر المناطق العشوائية ووقف امتدادها .
  4. الاجراءات اللازمة لتوزيع استثمارات الخطة الخمسية بما يخدم أهداف التنمية العمرانية .
  5. الاجراءات اللازمة لتحديد النطاق العمرانى لمدينة القاهرة والجيزة معاً فى نطاق واحد .
  6. الاجراءات اللازمة لتكامل التنمية الاقتصادية الاجتماعية العمرانية فى جهاز واحد تنتقل اليه أجهزة وزارة التخطيط وأجهزة التنمية الريفية وأجهزة التنمية العمرانية ومركز البيانات ويعمل على المستوى القومى والاقليمى والمحلى .
  7. الاجراءات اللازمة لنقل الأنشطة المالية والادارية والانتاجية من الداخل إلى الخارج .

ثانياً : الاجراءات اللازمة لوضع الخطط التنفيذية والتشريعات القانونية والنظم الادارية . ويشمل ذلك :

  1. انشاء الجهاز المركزى للتنمية الذى يعمل على المستوى القومى والاقليمى والمحلى .
  2. انشاء جهاز تطوير القاهرة والجيزة كجهاز تنمية وارسال فى نفس الوقت .
  3. انشاء جهاز تطوير القاهرة القديمة .
  4. توفير مشروعات الجذب السكانى خارج الوادى ومنها القاهرة مع اطلاق طاقات الجهود الذاتية لبناء مشروعات الاسكان لكل المستويات مع استقلال ادارة المدن الجديدة .
  5. وضع البرامج التنفيذية لتطوير المناطق المزدوجة والمنهارة داخل المدن للارتقاء بمستواها الحضرى والاجتماعى والاقتصادى .
  6. بناء النظام الادارى والفنى للبلديات المحلية للمدينة وتقسيم القاهرة إلى عدة بلديات ووضع اللوائح والتشريعات التى تساعدها على الاداء قانونياً ومالياً .
  7. اعداد البرامج الاعلامية المؤثرة لدعم استراتيجية التنمية العمرانية .

من خلال هذه الاجراءات يمكن وضع المشروعات التفصيلية التى تحقق أهداف استراتيجية التنمية العمرانية0 وكذلك وضع القواعد التنظيمية والادارية لادارة هذه المشروعات بأسلوب الشركات المساهمة خاصة فيما يتم اقامته من مدن جديدة ومع اخضاع المناطق الصحراوية المتاخمة للمدن الحالية لقانون المجتمعات العمرانية الجديدة0

ان مشاركة الأجهزة التخطيطية والادارية والمنظمات السياسية فى تحديد الخطوات التنفيذية لتحقيق اهداف الاستراتيجية القومية للتعمير يساعد على نجاح الجهود التى تبذلها القيادة السياسية فى هذا الاتجاه .

 

word
pdf