هزة فى أجهزة الإدارة المحلية

هزة فى أجهزة الإدارة المحلية2019-11-26T09:49:34+00:00

هزة فى أجهزة الإدارة المحلية

  دكتور/عبد الباقى إبراهيم

  رئيس مركز الدراسات التخطيطية والمعمارية

23/10/1993

 

 

لم تعد سياسة الترميم أو التنكيس تصلح لتطور أجهزة الإدارة المحلية التى تتشابك علاقاتها الوظيفية وتداخل مسئولياتها التنفيذية وتتعدد لوائحها الإدارية والتنظيمية وتتوالى عليها القوانين واللوائح والأوامر العسكرية. وقد ظهرت الحاجة الماسة إلى تطوير الإدارة المحلية بعدما ثبت باليقين العملي أن التنمية الإدارية هي مكون أساسي ومتزامن مع التنمية الاقتصادية وأن أي مخططات أو دراسات لمشروعات لن تتحقق إلا بالآليات التنفيذية التي تعمل في إطار التنمية الإدارية.

من هذه المقدمة يتضح أن تطوير أجهزة الإدارة المحلية لابد وأن يعالج في إطارها الكلي ومكوناتها الجزئية معا. فلم يعد نظام الشهر الواحد لحل المشاكل المتراكمة قادرا على الحل الجذري اللهم إلا لتحقيق تطلعات خاصة بإثبات القدرة على الإنجاز السريع والإبهار الإعلامي المؤقت الذي لا يستمر طويلا حتى تتفاقم المشاكل مرة أخرى وتتعقد وتبدأ الدعوة إلى التطوير بسياسة الترميم. ومصر في حاجة إلى وقفة متأنية لإعادة تنظيم البيت من الداخل متمثلا في الإدارة المحلية بكل جوانبها القانونية والتنظيمية والإدارية. فلم تعد الحلول الجزئية قادرة على تحقيق الأهداف العامة. فماذا تفيد التبعية الفنية لمديريات الإسكان في المحافظات لوزراء الإسكان مادامت تعمل في الإطار الإداري للمحافظة وبتوجيهات السيد المحافظ. وماذا يفيد مواجهة العجز في إعداد المهندسين المتخصصين حتى لو تضاعفت مرتباتهم وهم يعملون في ظل قانون توجيه تنظيم للمباني عفى عليه الدهر وتراكمت عليه القرارات السيادية والأوامر العسكرية والتوجيهات القيادية و هم يتعاملون مع عملاء تخصصوا في التحايل على القوانين ومع مهن هندسية متدنية تشوه العمران . ماذا يفيد التطوير الجزئي دون تطوير لمكان العمل وماذا يفيد التطور الجزئي دون دلائل الأعمال للأداء الوظيفي التي تحدد أسلوب العمل وتنظيمه . ماذا يفيد التطوير الجزئي ومديريات الإسكان تتعامل مع عديد من الأجهزة الفنية الأخرى مثل إدارات التخطيط العمراني التي تعمل في إطار قانون انتهت صلاحيته و إدارات المرافق العامة من صرف صحي وكهرباء ومياه وطرق ومرور ونظافة وتشجير وجميعها تعمل تحت رئاسة السيد المحافظ الذي يقوم بدور رئيس البلدية سابقا بجانب مسئولياته الأخرى عن التعليم والصحة والشباب والأمن والشئون الاجتماعية والجمعيات الأهلية مع الصناعة والزراعة بالإضافة إلى الأعباء السياسية.

وإذا كان العودة إلى نظام البلديات أصبح حاجة ملحة في تطوير الإدارة المحلية وإذا كان القوانين الحالية لاتسمح بذلك فلا أقل من أن يعين للشئون البلدية نائبا لرئيس كل مدينة أوحي ممن لديهم القدرة الهندسية والفنية في إدارة  المدن يقوم بعمل رئيس البلدية الذي يشرف على إدارات الإسكان والمرافق العامة و الطرق والتنسيق وكل ما يتصل  بشئون العمران و ذلك حتى يتفرغ المحافظون ورؤساء المدن للتنمية البشرية والاقتصادية والمهام السياسية .

 وإذا كان ارتباط التنمية الاقتصادية بالتنمية الإدارية أصبح أمرا حتميا على المستوى القومي فإنه يصبح أمرا حتميا أيضا على المستوى الإقليمي الأمر الذي يتطلب تطابق الأقاليم التخطيطية بالأقاليم الإدارية أي بدمج المحافظات المختلفة الواقعة في إقليم تخطيطي واحد لتكون كيانا واحد للإدارة المحلية يديره مجلس محلي من مساعدي الوزراء يختارهم حاكم الإقليم المنتخب من الشعب على أن تكون لكل إقليم تخطيطي /إداري سياسة تنموية خاصة تستمد مقوماتها من السياسة التنموية القوميه التي تسعى إلى انتشار البشر على أكبر بقعة من أرض الكنانة . وبالتالي يتم توجيه الأداء في أجهزة الإدارة المحلية في صورتها الجديدة لتحقيق هذه السياسات. ولا بد من التنويه هنا أن تكامل التنمية الاقتصادية الاجتماعية و المكانية أصبح أمرا حتميا في رسم السياسة القومية والإقليمية وبالتالي في مهام الأجهزة المحلية التي تحتاج بالتالي إلى قيادات قادرة و متمرسة على أحدث طرق ونظم إدارة الأقاليم والمدن في العالم فليس بالاجتهادات الشخصية السائدة في الأجهزة الحالية للإدارة المحلية تتحقق الأهداف . وليس بالسلطة الفردية تعالج المشاكل ولكن بتضييق الفجوة الحالية الموجودة بين المخطط ومتخذ القرار و حتى يتم العمل بديموقراطية القرار وبالمشاركة الشعبية الواعية غير المتسلقة الباحثة على المصالح الشخصية في عضويتها للمجالس المحلية.

وحتى تصبح تنمية الوعي التخطيطي والإداري أمرا حتميا لمشاركة الجماهير فلا بد من إعلامهم بما يجري حولهم وما يهمهم على المدى الطويل وليس فقط لتلبية متطلباتهم الآنية. ويعني كل ذلك أن الحاجة أصبحت ملحة لتطوير قوانين الإدارة المحلية مع تطوير أجهزة التخطيط وإعادة النظر في قوانين العمران سواء الخاصة بالتخطيط العمراني أو تنظيم المباني التي لم تعد صالحة للدخول بها القرن الواحد والعشرين.

إن اختيار الأقاليم التخطيطية الإدارية قد تم على أساس ربط المناطق المأهولة بالسكان بمناطق التنمية الجديدة التي تفتقر إلى السكان وذلك لإحكام الربط الإستراتيجي بين التنمية في المناطق القديمة و المناطق الجديدة معا الأمر الذي ينعكس بالتالي على طبيعة العمل في أجهزة الإدارة المحلية في كل منها. إذ ليس هناك قالب واحد لمهام أجهزة الإدارة المحلية سواء منها ما هو في المدن الكبيرة مثل القاهرة والإسكندرية أو ما هو منها في العواصم الزراعية أو ما هو منها في التجمعات العمرانية الجديدة فلكل من الفئات الثلاثة نظامها الخاص في الإدارة التي تتناسب مع مقوماتها الاقتصادية والاجتماعية والعمرانية و هو ما يدخل في علم إدارة المدن الكبيرة منها والصغيرة القديم منها والجديد ولكل منها قوانينها ولوائحها العمرانية. هذا العلم الذي لا وجود له حتى الآن في هيكل التعليم الجامعي الذي يهيئ الكوادر اللازمة للعمل في أجهزة الإدارة المحلية. وإذا كان الموروث  الإداري الحالي لا تتوفر له الجوانب العلمية أو المعرفة الإدارية والفنية فلا أقل من أن تنظم له دورات للتدريب التحويلي للاستفادة مما فيه من القوى العاملة و العاطلة في نفس الوقت.

وخلاصة القول فإن تطور نظام الإدارة المحلية لا يحتاج إلى نظام الشهر الواحد المتبع في الدراسة ولكنه يحتاج إلى وقفة متأنية وبرنامج عمل متكامل وخطوات تنفيذية محددة المعالم والأسلوب والمنهج لا تقل أهمية عما قامت به الدولة في تطوير نظامها الاقتصادى الاشتراكى إلى النظام الرأسمالي ثم مستقبلا إلى النظام المتعادل المتمثل في الوسطية. كل هذه التحولات تنعكس بالتالي على سلوكيات البشر سواء منهم من هو طالب للخدمة أو من هو مقدم لها في جميع أجهزة الإدارة المحلية.

word
pdf