هل نفتح الشباك… أم نقفل الشباك؟

هل نفتح الشباك… أم نقفل الشباك؟2019-11-20T12:09:55+00:00

هل نفتح الشباك… أم نقفل الشباك؟

 

 

مع كل ما يقال ويكتب وينشر عن مشاكل مصر الاقتصادية والسكانية والإسكانية والسياحية والخدمية بما فيه من تحليل وتشخيص ونقد لكل هذه المشاكل وبما فيه من آراء وتصورات وأفكار واقعية أو فلسفية أو خيالية… ويقف الإنسان المصري وهو يتابع ما ينشر على صفحات الجرائد والمجلات من قرارات وتصريحات عاجزا عن فهم الأمور خاصة وهو يدرك أن قلة الإمكانيات المالية لم تعد حجة مقبولة أو شماعة تعلق عليها كل المشاكل.. والإنسان المصري يرى ويسمع عن أصحاب الملايين في كل مكان ومن مختلف الفئات وأنماط الاستهلاك دليل على وجود المال لدى معظم الفئات وبإدراك بسيط نستطيع أن نقدر الدخل الواقعي لبواب العمارة والحرفي كما نستطيع أن نقدر الدخل الواقعي للعامل والموظف خلافا للدخول العالية للتجار وأصحاب الأعمال المهنيين… وإذا كانت مظاهر الفقر تبدو على السطح في المسكن أو الملبس إلا إنها تتلاشى مع وجود السيارة أو الفيديو أو ما تحت البلاطة أو في الحسابات الجارية في البنوك.. هذا هو التناقض الاجتماعي الاقتصادي القائم في المجتمع المصري والذي يصعب على أجهزة الإحصاء تقديره كما يصعب على أجهزة التخطيط التعامل معه.. وفي نفس الوقت يوجد التباين الفكري والثقافي الكبير بين طبقات الشعب الأمر الذي يزيد من صعوبة الاتفاق على الرأي ومن ثم اتخاذ القرار الذي يناسب الغالبية من المجتمع.

ومع كل ذلك لا يستطيع الإنسان في مصر أن يرى كيف تسير الأمور وما هي الحقيقة في كل ما يقال أو ينشر من فكر وما كل ما يتم تنفيذه من أعمال. ويقف العقل عند هذا الحد عاجزا عن الحركة.. ومع ذلك فالحياة تسير.. كيف؟ فذلك علمه عند ربي.. وهنا يدرك الإنسان أن مصر فعلا تعيش في كنف الله سبحانه وتعالى.. لما فيها من بقايا الخير في النفوس وبعض من الإيمان في القلوب وقليل من الإخلاص في القصد.. وعدد من الصالحين والكادحين.. كما يدرك الإنسان حقيقة أن الله لا يغير ما بقوم حتى يغيروا ما بأنفسهم.. كما يظهر أيضا أننا لازلنا متجمدين على أوضاع ورثناها وليس لدينا القدرة حتى الآن على تغيير ما بأنفسنا.. وإلا صلح حالنا.. فهذه سنة الله في خلقه.
والمتتبع لمجريات الأحداث يرى عجبا من التناقضات في التوجيهات والقرارات فمؤتمر الحكم المحلي يرى ضرورة مراجعة التقسيم الحالي للمحافظات وتضمينها في أقاليم تخطيطية إدارية وهذا اتجاه علمي معروف. وبعد ذلك ترى توجيهات تدعو إلى تحويل مركز القصر إلى محافظة .. وهنا يتوه المنطق ويضيع العلم.. ومشكلة الصرف الصحي في الإسكندرية.. هل يوجه الصرف إلى البحر أو إلى البر…
وينتهي القرار إلى البحر ثم يعود الاتجاه إلى البر.. وتصرف الملايين على الدراسات وفي جانب آخر تقوم الدولة بتكليف شركات أجنبية لوضع خطط قومية للتعمير وتنتهي الدراسات إلى ضرورة البناء في المدن القائمة مع التحفظ بالنسبة للمدن الجديدة بينما المنطق العلمي والقومي يقول عكس ذلك… وتنتهي الدراسات وتصرف الملايين.. وما تم على المستوى القومي تم بالنسبة لسيناء ومنطقة البحر الأحمر حيث انتهت الدراسات إلى عدم وجود إمكانيات إلا البسيط منها للتنمية فيها بينما المنطق العلمي والقومي يقول عكس ذلك وتنتهي الدراسات وتصرف الملايين.. وتواجه القاهرة ضغطا سكانيا رهيبا وتنتهي الدراسات إلى ضرورة خلق مجتمعات متكاملة اقتصاديا وعمرانيا لامتصاص هذه الزيادة بعيدا عن المناطق العمرانية القائمة.. ومع ذلك يكون القرار النهائي إنشاء الطريق الدائري حول القاهرة وزيادة الرقعة العمرانية للمدينة على طول الطريق الدائري لتستوعب خمسة ملايين نسمة أخرى حتى يتم خنق القاهرة نهائيا. وفي مجال آخر تظهر الدعوة إلى إنقاذ القاهرة من التلوث في الجو والنهر.. وإذا بمنشآت عديدة لا تزال تصب مخلفاتها في النهر لتزيده تلوثا ومصانع عديدة داخل الرقعة العمرانية تزيدها تلوثا.. وفي ناحية أخرى تشكو الدولة من عدم كفاءة المرافق العامة ومع ذلك تسمح بالبنايات العالية بطرق مختلفة ومنطق آخر.. وتزدحم المدن بالبشر والسيارات. ومع ذلك تتجه الاستثمارات إلى زيادة عوامل الجذب فيها فيزيد تشبعها بالمشاكل.

وفي صعيد آخر تقوم الدعوة إلى تشجيع الهجرة إلى الخارج ومع ذلك تصدر اللوائح التي تعمل على تقييد هذه الهجرة خاصة بالنسبة لموظفي القطاع العام الذي يعاني من فائض العمالة فيه.. وتظهر الدعوات إلى أهمية التنمية السياحية في الاقتصاد القومي وتشجيع الحركة السياحية إلى المناطق السياحية مباشرة وإذا بالتوجيهات تعمل على تحويل الطائرات الخاصة إلى مطار القاهرة الدولي وتعقيد الأمور.. وتتكرر الشكوى من سوء الحالة التي وصلت إليها واجهة مصر في منطقة المطار.. ويستمر العمل في تشويه المنطقة بالمباني والمنشآت الدائمة والمؤقتة ولا يزال المسافر يفقد طريقه كلما حاول الوصول إلى المطار وتشجير المنطقة ليس في منطق المسئولين عنها…

وفي مجال الإسكان يظهر العديد من المقترحات بقوانين لكل مشكلة وإذا هي تزيد من تفاقمها حتى أصبحت قوانين الإسكان حبرا على ورق وترك الحبل على الغارب للبناء العشوائي خارج المدن والبناء العشوائي فوق المدن وفي كل الشوارع تظهر الورش والمحلات التجارية الجديدة لتزيد من مشاكل المرور والمرافق.. ويبدأ الجدل حول المفاضلة بين التأجير والتمليك.. وفي الوقت الذي تتجه فيه الأفكار إلى ترك الإسكان لقانون العرض والطلب حتى يتوازن مع الزمن تقدم اقتراحات بقوانين تمسك بخناق المشكلة وتدخل البنوك طرفا ثالثا بين البائع والمشتري فتزيد البيروقراطية أكثر مما هي عليه.. وفي مجال التعليم تحافظ الدولة على مبدأ مجانية التعليم في كل المراحل ومع ذلك تطلب من المواطنين التبرع ببناء المدارس. وإذا ظهرت الدعوة إلى فرض رسوم في التعليم الجامعي للقادرين وإبقاء المجانية للمتفوقين.. تصر القرارات على الاستمرار في مجانية التعليم مع إنها تشكو من قلة الموارد المالية لهذا القطاع حتى أصبح التعليم الجامعي مكملا للتعليم الأساسي..
وعلى الجانب الثقافي تظهر الدعوة إلى تجميل المدن والحفاظ على التراث الحضاري فيها واذ باللوائح تترك اللافتات تغطي العمارات بكافة الأحجام والألوان مضيفة بذلك صداعا بصريا إلى الصداع السمعي من ابواق السيارات.. وإذا ظهرت بادرة من بوادر التنمية الثقافية قامت أجهزة الثقافة بوئدها في مهدها.. وعندما تنطلق السواعد الفنية للعمل على أنقاذ تراثنا الحضاري نواجه الضربات لتثنيها عن أهدافها…
وفي مجال الاعلام تتكرر نفس الكلمات وتظهر نفس العناوين.. وتختلط المفاهيم بين السطور فبينما تصدر المقالات صراحة في بعض المناسبات.. تصدر مبهمة في البعض الآخر.. وفي كل الحالات تقف وسائل الاعلام على عتبات بعض الأبواب ولا تتمكن من فتحها.. ومع ذلك تؤكد المقالات على ديمقراطية الكلمة..

أن أصعب ما يواجه الشعب هو هذا التضارب بين الأقوال والأفعال.. بين الصراحة والغموض.. بين النظرية والواقع.. بين التصريح والحقيقة.. إن جميع الشعوب تعاني من المشاكل.. نفس المشاكل.. ولكن عندما يعلم الشعب الحقيقة بحلوها ومرها وتعرض عليه بجوانبها المشرقة والمظلمة.. يقتنع ويتحمل ويصر ويكافح حتى يصل بالطريق المستقيم.. وليس بالطريق المعوج أو يسعى إلى الطرق الخلفية والتحركات الخفية..
والسؤال الذي ليس له إجابة بعد هو
هل نفتح الشباك… أم نقفل الشباك….

word
pdf