هيا بنا نخطط

هيا بنا نخطط2019-12-02T13:49:39+00:00

هيا بنا نخطط …

   د.عبد الباقي إبراهيم

       رئيس مركز الدراسات التخطيطية والمعمارية

الاهرام الاقتصادى

أبريل 1992 

 

لقد أصبح التخطيط مباحا لكل الأجهزة لتخطيط نشاطها كما تشاء وذلك في غياب التكامل مع الأنشطة التي تقوم بها غيرها من الأجهزة أو على الأقل يتطلب التنسيق معها. حتى أصبحت الأجهزة التنفيذية وكأنها جزر مستقلة لا يربط بينها إلا مجلس الوزراء إن استطاع أو بتدخل القيادة السياسية لفك الاشتباك بين الأجهزة المتصارعة فيها. والدولة بطبيعة الحال ليست ملكا لفرد وهي أيضا ليست ملكا لجهاز يتصرف فيها كيفما يشاء. إن غياب التكامل وإن لم يكن التنسيق بين الأجهزة التخطيطية يجعل كل منهما تعمل منفردة دون استراتيجية موحدة تربطها وإذا كان جهاز رياسة الوزارة لا يستطيع القيام بمهمة التكامل أو التنسيق بين الخطط القطاعية فلا أقل من أن يوجد جهاز واحد يقوم بهذه المهمة. وهو في المفهوم العام يتمثل في وزارة التخطيط التي تقوم بإعداد الخطط الخمسية للتنمية الاقتصادية والاجتماعية وتوزيع الاستثمارات على القطاعات المختلفة وتتابع نشاطها وتقوم إنجازاتها وإذا كان الأمر كذلك فما هي علاقة جهاز التخطيط الاقتصادي الاجتماعي الذي يدعي الاهتمام بالبعد المكاني للخطط الخمسية؟ وما علاقته بجهاز مثل الهيئة العامة للتخطيط العمراني الذي يتعامل مباشرة مع هذا البعد المكاني الذي تدعي وزارة التخطيط التعامل معه أيضا في نفس الوقت؟ فمن اختصاصات وزارة التخطيط وضع الخطط القومية والإقليمية في الأقاليم الثمانية حسب تقسيمها للدولة.. هذا في الوقت الذى تختص فيه هيئة التخطيط العمراني بوضع المخططات الإقليمية كإطار لتخطيط المدن التي تقع داخل حدودها وهي تقسيمات تختلف عن التقسيمات التي وضعتها وزارة التخطيط دون فعالية أو أجهزة تقوم عليها وإن كان هناك اتجاه للتعاون الفني مع الأمم المتحدة لدعم قطاع البيانات التخطيطية بالوزارة بما يجسم أهداف التخطيط على المستوى القومي والإقليمي والمحلي مع تحديد مواقع النمو ومواقع البنية الأساسية على خرائط جغرافية حديثة وإعداد برنامج تدريبي متكامل لكوادر وزارة التخطيط والاقاليم الاقتصادية للوقوف على أحدث الوسائل فى مجالات التخطيط الإقليمي والهيئة العامة للتخطيط العمراني وهي بوصفها شريك أساسي في هذا العمل ليس لها أي دور فيه وإن كان من صميم اختصاصاتها وهي تابعة لوزارة التعمير والإسكان.

وإذا كان مشروع الأمم المتحدة يهدف- كما تقول الأهرام في 18/2/1992- إلى دعم المشاركة الشعبية في عمليات التخطيط والتنمية عن طريق المحليات والأقاليم وذلك دعما للأسلوب الديموقراطي في إدارة الاقتصاد القومي وإعداد خطط إقليمية تشمل المحافظات لدعم القطاع الخاص وما يمكن أن تقدمه المحليات لهذا القطاع وذلك بالتنسيق مع الخطة الخمسية الثانية. فأين ذلك من مشروع الادارة المحلية الجديد؟ والذي يسعى إلى تقسيم مصر إلى أقاليم للتنمية المحلية يضم كل منها محافظة أو أكثر وتكون له عاصمة. وهو امتداد للنظام القائم الذي ثبت فشله في تحقيق الأهداف التي وضعت له. هذا في الوقت الذي لا يرد فيه ذكر لتطوير قانون التخطيط العمراني لمواكبة هذه المتغيرات المستهدفة ثم أن ذلك من الاتفاقية التي أعادت الود بين البترول والسياحة في البحر الأحمر بعد انسحاب التعمير منها.. فقد تم اتفاق التعاون المشترك بين وزارتي السياحة والبترول لتحديد اشتراطات استعمالات أراضي ساحل البحر الأحمر في المنطقة الواقعة بين مدينة السويس وخط العرض 22 (حدود السودان) في النشاطين السياحي والبترولي. فأين النشاط التعميري والإسكاني في هذه الاتفاقية؟ ثم أين دور التخطيط العمراني الذي من اختصاصاته تحديد استعمالات الأراضي بكل أنواعها في المدن والأقاليم ومنها ينطلق النشاط الاستثماري في النوعيات الاستثمارية المختلفة؟ وهل لقطاع النقل والمواصلات دور في هذه العملية التي لا بد وان تخضع إلى متطلبات الأمن القومي الذي تعده وزارة الدفاع؟ وهكذا يحاول كل قطاع أن يخلص نفسه بنفسه أو بالاتفاق مع غيره إذا لزم الأمر دون تكامل أو حتى تنسيق يربط كل القطاعات.

وعلى الصعيد المحلي تظهر خطة جهاز تنمية القرية لتعمير الريف وتخطيط القرى وإعداد مخططاتها العمرانية والانتاجية هذا مع أن من اختصاصات الهيئة العامة للتخطيط العمراني وضع المخططات العمرانية للقرى. كما أن لقانون الإدارة المحلية الجديد رؤية أخرى في هذا الشأن خاصة فيما يرتبط بدور المحليات في التنمية والتعمير. وهكذا تضيع الاختصاصات التخطيطية بين القطاعات المختلفة دون تكامل أو تنسيق إلا بالقدر الذي توفره أجهزة مجلس الوزراء أو القيادة السياسية وهكذا يظهر حرص رياسة كل قطاع على الاستقلال الذاتي والتحوصل على نفسها بعيدا عن المشاكل والتداخل والحساسية. وهكذا يترك أمر التخطيط مباحا للجميع وذلك على حساب الصالح العام. وعلى الصعيد المحلي يحاول كل قطاع أن يستقل بنفسه تخطيطيا وتنفيذيا فالمرور يخطط للمرور والمرافق تخطط للمرافق والكهرباء تخطط للكهرباء والإسكان يخطط للإسكان وهكذا كل في فلك يسبحون بعيدا عن الأهداف الاستراتيجية القومية للتنمية والتعمير التي تسعى إلى مقاومة أم المشاكل وهي التكدس الشديد للسكان في الوادي الضيق والذي بدأت تتفاقم فيه المشاكل الاجتماعية والأمنية والصحية والاقتصادية وكذلك المشاكل البيئية والأخلاقية حتى أصبحت صعبة الحل تتجمد أمامها كل السبل والأساليب لا تستطيع لها حراكا. ويظهر أن النظام السياسي لا يسعى إلا لحل المشاكل الآنية الضاغطة ولا يرى الصورة المستقبلية لمصر في حجمها الحقيقي بكلياتها وجزئياتها وهي صورة وان تعلمون مفزعة قاتمة. لقد لقى حادث العتبة اهتماما جماهيريا لم يهدئه إلا نصيحة القيادة السياسية. ثم كانت مشكلة “مرحبا” التي أقامت الدنيا وأقعدتها على مشروع استثماري يجري تنفيذه وان اختلفت فيه الآراء. وظهر فيه حماس النواب كما لم يظهر من قبل إلا في أحداث سالم اكسبريس وقرية عبد القادر وحريق عمارة المعادي.. أما الاستراتيجية القومية التي تسعى إلى إنقاذ كل مصر فلا وجود لها في وجدان نواب الشعب الذين ينتظرون أي كارثة ليقيموا عليها الدنيا جدلا وحماسا وصياحا.

          الأمل معقود على القيادة السياسية لإنقاذ مصر من مشاكل العصر.

word
pdf