واجهة مصر

واجهة مصر2019-11-20T10:51:21+00:00

واجهة مصر
ـــــــــــــــــ

للدكتور عبد الباقي إبراهيم

 

على رأي المثل –الكتاب يبان من عنوانه- وعنوان البلد هو الانطباع الأول الذي يأخذه الزائر عنها ويبدأ هذا الانطباع على بوابة البلد وبوابة البلد هي المحطة الأولى التي يصل إليها الزائر لهذا البلد المتمثلة في المطار أو الميناء ومع تطور صناعة السياحة تتطور المطارات الدولية أو المحلية ليس فقط في الشكل العام أو في التجهيزات أو التسهيلات والتنسيق الداخلي والخارجي ولكن أيضا في العاملين القائمين على تشغيلها وصيانتها.. من الشيال أو العربة التي تحمل الحقائب ثم العاملين في شركات الطيران ثم العاملين في الجمارك حتى الجوازات وعمال المطاعم والسوق الحرة وسائق التاكسي والمسألة في تطور كل هذا أو تحسينه لا تتطلب إلا الذوق فقط.. الذوق في التصميم المعماري الخارجي والداخلي.. الذوق في المعاملة والاستقبال.. والابتسامة على الشفاه والأزياء الموحدة ونظافة المكان. ومطار القاهرة الدولي إذا ما قورن بغيره في بلاد العالم لن يكون الأسوأ ولكنه يحتاج إلى الكثير من التطوير حتى يصل إلى مستوى المطارات المحلية للمدن الصغيرة في دول العالم شرقا أو غربا. والأمثلة كثيرة أمام المسئولين عن السياحة والطيران ممن جابوا معظم دول العالم وشاهدوا مطاراتها.. والحلول بسيطة وميسرة لتطوير صالات مطار القاهرة الدولي القديم منها والجديد.. ويظهر أن أمراض العشوائية قد أصابت المطار القديم المكون من عدة مباني متنافرة الشكل تتخللها الخزانات والأكشاك والمظلات التي لا علاقة جميلة تربطها أو تجمع بينها في شكل مقبول.

لقد تم تصميم مباني مطار القاهرة الدولي في بداية الخمسينيات بواسطة اثنين من رواد العمارة المصرية ثم بدأت الإضافات العشوائية بواسطة غيرهما تظهر عليه وحوله دون التزام بالتنسيق مع المبنى الأول ثم بدأ تنظيم المناطق المفتوحة أمام المطار باسلوب ليس له مثيل في مطارات العالم حيث تتراكم وسائل النقل ومواقف السيارات تماما أمام المبنى بدلا من المساحات الخضراء التي أقصيت عنه حتى لا يدركها الخارج من المطار.. ثم أضيف معلم أثري على قاعدة جرانيتية بعيدا عن نظر المسافر القادم أو المغادر اللهم إلا إذا نزل من سيارته ومشى على قدميه ليتعرف على هذا الأثر الذي ما لبث أن اختفى خلف الجسر المعلق كما اختفى رمسيس في ميدانه وفقد احترامه وسط الزحام والملوثات البيئية والبصرية والصوتية التي أصابت ميدان رمسيس أمام محطة السكة الحديد البوابة الأرضية للقاهرة. ويظهر أن هناك منا من يصر على تشويه وجه القاهرة.

والوجه الثاني لمصر يتمثل في عسكري البوليس الذي يشاهده الزائر لمصر وهو يعمل في المطار أو ينظم حركة المرور أمامه أو في شوارع القاهرة ويشاهدونه ولا حول له ولا قوة وهو يحاول أن يفرض شيئا من النظام على حركة الشارع أو أن يتدخل لفض المنازعات أو لمواجهة المخالفات دون أن يكون لديه القدرة أو الخبرة أو حتى الإدراك بدوره أو بمسئوليته. ومعظمهم لا يقرأ ولا يكتب يرتدي سترة من القماش السميك ويلف وسطه بقايش من الجلد ويلبس حذاءا يعوقه عن الحركة ويقضي ساعات في الشمس الحارقة دون أن يدري سبب لوقوفه في المكان المعين له. تدور حوله حركة الشارع المصري من مخالفات مرورية إلى مشاغبات صبيانية إلى تعديات معمارية وسوء استعمال المرافق والخدمات العامة.. وهو من كل ذلك لا يحرك ساكنا.
وأكثر من ذلك فهو لا يدري أين هو من القاهرة أو من الحي الذي يقف فيه عندما ضللت طريقي في مدينة المهندسين سألت عسكري البوليس الواقف في منتصف الطريق عن الشارع الذي أريد الذهاب إليه فأجاب بأنه لا يعرف فسألته على اسم الشارع الرئيسي الذي أمامنا (وكان شارع جامعة الدول العربية) فأجاب بأنه لا يعرف فسألته على اسم الشارع الذي يقف فيه فهو أيضا لا يعرفه, وعندما سألته وماذا تفعل هنا إذن.. قال لقد جاءت بي سيارة شرطة وأنزلتني هنا لأقف.. وقالوا لي هذه هي الأوقاف (يعني مدينة الأوقاف) وكانت حسرتي شديدة على هذا المستوى المتدني من الخدمة الشرطية.. التي أصابت البلاد بعد أن كان عسكري الدورية هو سيد الشارع المصري في أيام مضت.. وعسكري البوليس في أي دولة هو عنوان حضارتها.. وممثل نظامها في الضبط والربط.. وهو مندوب السلطة في الشارع بل هو عين الحكم ويده التي تتعامل مع ما يتعرض له الشارع من أحداث وفعاليات هو الصورة التي تعكس المستوى العام للإدارة.. هو مبعث احترام الدولة بل هو ممثل الدولة في الشارع يلم بكل أحداثه ويتخذ الإجراء المناسب لتنظيمه ونظافته من كل سوء.. هو الشخصية المحترمة والمؤثرة في سلوكيات البشر في الشارع هو الملم بالمعرفة البوليسية والقانونية والتنظيمية.. هو المنفذ للوائح والنظم هو حامل خريطة الحي المبين عليها كل الشوارع والخدمات.. هو دليل السائح ومجيب السائل وهو معين الضعيف والمقاوم للمستقوى. أين هذه الشخصية في الشارع المصري من زميله في كل مدن الدنيا شرقا وغربا حيث لعسكري البوليس احترامه وكرامته لا يمكن أن تهزها قوة غير القانون.. إن الظروف التي أدت إلى هذا الوضع المشين للعسكري المصري لابد وأن تنتهي والمجتمع على استعداد لتقديم الكفاءات المناسبة للقيام بهذه المسئولية وعلى استعداد للاستقطاع من قوته اليومي ليكافئ هذه الكفاءات على دورها الهام.
والغريب في الأمر أن رجال الحراسات الخاصة التي توظفها شركات الخدمات العامة بملابسهم الزرقاء وشخصياتهم المحترمة تفوق كثيرا ما توفره الدولة من عساكر البوليس والغريب أن تستخدم بعض الهيئات الحكومية أفرادا من رجال الحراسات الخاصة بجانب عساكر البوليس الذين لا يؤدون الخدمة بنفس القدرة أو اللياقة أو اللباقة. وهكذا تنهار صورة ممثل الدولة الممثلة في عسكري البوليس بينما تسعى بعض الشركات إلى تقديم نماذج بديلة له ولكن إلى متى يظل هذا الحال وبنفس المنوال, وإذا كانت الدولة توفر لجنود القوات المسلحة وأفرادها كل الدعم المادي والمعنوي والعلمي كحماية للوطن من الخارج.. فلا أقل من أن تعطي الدولة نفس الاهتمام إن لم يكن أكثر لجنود الشرطة وأفرادها وتغير من صورته معنويا وشكليا.. وأمامنا الأمثلة كثيرة في كل بلاد العالم.

وإذا كانت القوات المسلحة توجه إهتمامها لحماية الوطن والدفاع عن أرضه وعرضه فإن قوات الشرطة توجه إهتمامها لحماية الجماهير وتتعامل معهم بصفة مستمرة ليل نهار. الأمر الذي يؤهلها لأن تكون على أحسن صورة وأعلى مستوى من العلم والمعرفة لحماية الشارع المصري من كل المخالفات وتوفر له الأمن والأمان وتحافظ على سلامته ونظافته.
إن الارتقاء بمستوى رجال الشرطة أصبح رغبة ملحة لدى العامة والخاصة وكل من يرغب في أن يرى واجهة مصر نظيفة ومنتظمة. إن الارتقاء بمستوى رجال الشرطة لا يقل أهمية عن الاهتمام بالبنية الأساسية في برنامج الدولة الاقتصادي والاجتماعي بل هو البنية الأساسية لانضباط الشارع المصري.
أفراد الشرطة الحاليين يمكن توجيههم لاستصلاح الأراضي.. ويتم استبدالهم بخريجي الجامعات الذين لا يجدون عملا وذلك بعد تدريبهم لمدة عام يقومون بعده بمسئولية انضباط الشارع المصري.. ويبقى زملائهم في تخصصاتهم الأخرى في أقسام الشرطة.

word
pdf