ركـن العمـارة
عبد الباقى محمد إبراهيم
معيد بقسم العمارة بكلية الهندسة جامعة عين شمس
وعضو بعثة الجامعة فى إنحلترا
جريدة المصرى 8/11/1950
يجرى العمل على قدم وساق لإنهاء الأعمال الإنشائية للمعرض الدولى بلندن حتى يفتح أبوابه للزائرين فى صيف عام 1951 .. ويعتبر هذا المعرض من أهم وأكبر المعارض الحديثة فى العالم .
وقد نيتت فكرة إنشاء هذا المعرض منذ سنين قلائل .. وبعد أن وضعت الحرب العالمية الثانية أوزارها .. وذلك عندما إقترح المستر جيرالدبرى فى مقال له بجريدة النيوكرونيكل إنشاء معرض عالمى فى المكان الواقع على الضفة الجنوبية لنهر التايمز فى لندن والمحصور بين بلدية لندن وكوبرى ووترلو ، ويخترق هذه المنطقة الخط الحديدى الواصل لمحطة جنوب لندن .
وقد وقع الإختيار على هذا المكان بالذات .. لزوال معظم مبانيه على أثر ضرب مدينة لندن بالقنابل فى الحرب العالمية الأخيرة ..ولإحتلاله مكاناً بارزاً من لندن . وقد كان يشغل هذا المكان بعض المبانى السكنية وبعض المصانع الصغيرة .. وتبلغ المساحة الكلية للمعرض حوالى 11 هكتارا .
وقد زرت هذا المكان حيث يجرى العمل ليلاً ونهاراً .. وحتى فى ليالى الشتاء المظلمة يشتغل العمال تحت فيض من الأنوار القوية .
وقد بدأت هذه الفكرة تدخل فى حيز التنفيذ فى 25 يوليه سنة 1949 ..
ولم يكد الشعب الإنجليزى يسمع بهذا . حتى هرع إلى هذا المكان المختار .. فزاره الوزراء والمهندسون والكتاب والنقاد .. وهكذا دبت الحياة فى هذا المكان وبدأ العمل .. العمل لإخراج هذه الفكرة الجريئة إلى حيز الوجود
وقد إشترك فى هذا العمل الجبار نخبة ممتازة من نوابغ المهندسين البريطانين وضعوا كل عملهم ومقدرتهم لإخراج هذه المنشأة العظيمة .. ويشرف على هذه العلمية كل من : المستر جاريتى والمستر كيندى .
وبعد عبورنا لهذا الكوبرى نجد على يميننا قبة المكتشفات ويرتفع إلى جوارها عمود معلق طوله 250 قدماً ، وهو على شكل السيجار مدبب الطرفين منبعج فى الوسط ويرتفع طرفه الأسفل عن سطح الأرض بحوالى 40 قدماً ، كما تجد على اليسار من الكوبرى قاعة كبيرة للموسيقى ، تعتبر من اكبر وأحدث قاعات الموسيقى فى العالم ، أقامتها بلدية لندن لتخلد لها إسما دائماً فى المعرض ، كما يرتفع إلى جوار قاعة الموسيقى برج دائرى بيسط سمى بإسم سوث شاور ويبلغ إرتفاعه حوالى 90 قدماً وهو مايعادل إرتفاع برج كتدرائية سانت بول ، وسوف يشرف الزائر منه على جميع أنحاء لندن المختلفة .. وقد وضع على قمة هذا البرج كذلك جهاز لإرسال الموجات الصوتية إلى القمر .
هذا عدا المبانى الكبيرة الاخرى التى تعتبر أقصى ماأنتجته قرائح المهندسين المعماريين .. وضع كل مبنى ليكون مناسباً تماماً لما سوف يعرض فيه من معروضات .
وبالمعرض أيضاً حوالى 14 مطعماً كبيراً .. عدا محال الشاى المنتشرة فى كل مكان فيه .
وتعتبر قبه المكتشفات من أعظم ماأخرجته قرائح المهندسين فى العصر الحديث كما أنها تعتبر نجاحاً كبيراً للعلوم الحديثة .. وهى تظهر فى غاية الضخامة ولكأنما أنشئت لتكون مسرحاً للعمالقة .
وهذه القبة على شكل طاقية كروية ..يبلغ قطرها 363 قدماً وإرتفاع قمتها عن سطح الأرض 96 قدماً ، وتتكون هذه القبة الكبيرة من كمرات من الصلب عددها أربعة وعشرون تزن الواحدة منها 101 طن ثبت بعضها مع بعض لتحمل فوقها المسطح المستدير .. وقد روعى فى تصميم هذه القبة الجبارة أن تكون أحسن واكبر وأخف ما يمكن .. وقد قام بتصميمها المهندس المعروف مستر جون الين فى شهرين كاملين .
كما وضع لحملها قواعد خرسانية كبيرة .. سوف لا تظهر للزائرين .. وتساعد فى حملها كذلك مجموعة من الأعمدة الرفيعة من الصلب تكون مع بعضها مثلثات جميلة الشكل .. وقد ثبتت هذه الأعمدة تثبيتاً مفصلياً مع كل من القبة الكبيرة والأساس على سطح الأرض .. وذلك حتى لا تعوق تمدد أو إنكماش القبة الكبيرة تحت المؤثرات الجوية المختلفة .. وقد أستعمل لتغطية هه القبة حوالى 2000 شريحة من الألومنيوم اللامع .
وقد كان رفع هذه القبة الكبيرة أصعب شىء قابله المهندسون ..ولكن تمت هذه العملية بكل حذر وإحتراس فى 16 مايو سنة 1950 ولم يحدث شىء يذكر اللهم إلا غوص القواعد حوالى 1,8 بوصة تحت سطح الأرض .. وهكذا تمت العملية الجبارة بسلام .
وقد أنشئت هذ القبة التى هى أكبر منشأة فى المعرض .. انشئت لتحوى تحتها كل ما إكتشفته بريطانيا من علوم وفنون فى حياتها .
ومن أهم المنشآت الظاهرة فى المعرض كذلك قاعتان كبيرتان أعدتا لإستقبال الزائرين من كل من محطة جنوب لندن ومحطة المترو فى هذا المكان ، وهما عبارة عن قاعتين معلقتين على أقواس كبيرة من الخشب طول الواحد منها 60 قدما ويتكون كل قوس من 25 قطعة من الخشب ملتصقاً بعضها ببعض .. وتزن كل قطعة منها 4,5 طن ، هذا وقد إتخذت العناية الكافية لوضع هذه الأجزاء فى أماكنها …
