سياسة التعمير فى العالم

سياسة التعمير فى العالم2019-04-10T15:15:46+00:00

سياسـة التعميـر فى العالـم

عبـد الباقـى إبراهيـم
مهنـدس معمـارى
عضو بعثة جامعة إبراهيم بإنجلترا
جريدة المصرى 11/1/1951

 

لقد وضعت كل دولة من دول العالم المتحضر سياسة ثابتة لها .. للتعمير والإنشاء تقوم على أسس متينة وبرامج موضوعة ، وذلك لإعتبارها المسكن من أهم مستلزمات الحياة .
ففى بريطانيا مثلاً ..وقبل عام 1934 وبالرغم من الصعوبات والأخطاء التى كانت قائمة بها فى ذلك الوقت فقد كان الهدف الوطنى حينذاك ، هو أن يهيأ لكل أسرة مسكناً ، وذلك بعد إزالة الأحياء القديمة الخربة وبناء مساكن جيدة مكانها .
فبين عام 1934 وعام 1938 كان متوسط مايبنى من مساكن هو حوالى 354,000 مسكن فى العام ، وتدل الإحصائيات فى ذلك الوقت على أن بريطانيا كانت تتقدم جميع دول أوروبا فى ناحية التعمير .. وذلك بإستثناء السويد .
ولكن المساكن بها تبلى بمعدل 200,000 مسكن فى العام ، وفى عام 1954 وعند إنتهاء الحرب العالمية الثانية ، وجدت بريطانيا أن حركة البناء قد توقفت أثناء مدة الحرب ، وأن الألمان قد دمروا مايقرب من أربعة ملايين منزل. ولقد لفتت هذه الظاهرة نظر الحكومة البريطانية فى ذلك الوقت فقامت بإنشاء وزراة التعمير قبل إنتهاء الحرب .
وهدف بريطانيا الآن وفى خلال السنوات الثلاث القادمة .. هو بناء 300,000 مسكن فى العام .. وفى خلال السنوات الثلاث التالية لها هو بناء 400,000 مسكن فى العام .. ثم 350,000 وذلك لإنشاء مابين ثلاثة أو أربعة ملايين مسكن فى مدة العشرة أعوام القادمة .
ويعمل فى صناعة البناء فى بريطانيا حوالى 1,250,000 رجل يعمل ثلثهم فى بناء المساكن ويعمل الثلثان الآخران فى إصلاح وإنشاء المدارس والمتشفيات والمصانع التى توليها عناية كبيرة وتعتبر بريطانيا بعد الحرب الأخيرة فى مؤخرة الدول الأوروبية من حيث البناء والتعمير ، وذلك راجع إلى سوء حالتها الإقتصادية .
وتدل الإحصائيات فى كافة دول أوروبا على أن بلجيكا تبنى بمعدل 220% من معدل البناء فيها قبل الحرب ، وفى سويسرا حوالى 188% والدانمارك حوالى 140% وهولندا حوالى 113% وإيطاليا حوالى 110% والسويد حوالى 80% وفنلندا حوالى 63% وتشكوسلوفاكيا فزادت هذه النسبة بحوالى 53% فقط .. فى حين أن الولايات المتحدة قد تقدمت فى هذه الناحية تقدماً عظيماً.. لا يجاريها فيه أى بلد آخر من بلدان العالم .
وتدرس مشروعات التعمير هذه .. دائماً فى مسابقات عامة بين المهندسين المعماريين وذلك حتى تكون صفوة أعمالهم .. وخلاصة أفكارهم .. وحتى تخرج للعالم كاملة غير منقوصة .. فى أجمل ثوب لها ..
من هذا نرى أن جميع الدول المتحضرة تنظر إلى العمارة والتعمير كأحد مستلزمات الحياة .. فالمسكن المريح الكامل يهيىء لساكنه حياة هادئة مستقرة ..
وقد تأثرت هذه المشروعات كثيراً بسوء الحالة الإقتصادية التى تعانيها هذه الدول بعد الحرب الأخيرة .. إلا أنها تسير فى خطى ثابتة نحو هدفها المرسوم وهو إيجاد المسكن الصالح لكل مواطن .
وتشرف على هذه المشروعات ، الحكومات المختلفة ، إشرافاً كلياً .. بينما تقوم البنوك والشركات المؤمنة بتمويلها .
وفى هذه المناسبة أذكر أن سياسة البناء فى مصر لا تسير على أسس ثابتة أو نظم محكمة .. أو إلى هدف مرسوم ، فبينما نجد أن القاهرة تتسع وتمتد أطرافها .. وتقام فيه المبانى الفخمة والعمارات الشامخة .. والفيلات الأنيقة .. نجد أن أحياء بأكملها .. تنهار مساكنها لتصبح قبوراً لساكنيها ، فهذه الحوادث أو هذه الكوارث تتكرر يوماً بعد يوم .. وليس هذا شأن الأحياء القديمة فى القاهرة فقط بل وفى كل مدينة وكل بلدة وكل قرية من قرى مصر .
إننا نبنى فى مصر لعدد محدود من الناس أو الافراد .. بينما تبنى البلاد الأخرى لجميع السكان والمواطنين لتحفظ حياتهم ورفاهيتهم ، وإننا فى مصر لفى أشد الحاجة لمثل هذه المشروعات التى تهدف إلى غرض واحد وهو إيجاد المسكن الصالح لكل مواطن.

word
pdf