أزمة المساكن من جذورها

أزمة المساكن من جذورها2019-12-17T08:55:33+00:00

أزمة المساكن من جذورها

تحديد الإيجارات كحل موضعى – يجب أن يبنى على أساس ما يقدمه المقاولون

 

الأهرام 22-2-1961 

  لاتزال مشكلة الإسكان سواء أكانت فى المدينة أو فى القرية تعالج علاجاً موضعياً دون الإستناد إلى الجذور العميقة للمشكلة ، وأساس المشكلة يتلخص فى وجود زيادة مستمرة فى عدد السكان ، ومعدل هذه الزيادة يزداد من سنة إلى اخرى فى القطر بصفة عامة ، ولكن يلاحظ أن معدل الزيادة بالنسبة لسكان المدن يبلغ أربعة أضعاف – إن لم يكن أكثر – معدل الزيادة فى سكان الريف وهذا بالطبع ناتج عن الهجرة المستمرة من الريف إلى المدن .
ولما كانت خطة الإسكان فى الدولة جزءاً لا يتجزأ من السياسة العامة للإنشاء والبناء فى حدود التخطيط القومى الذى يهدف إلى حصر الموارد والإمكانيات فى الدولة ثم توجيهها حسب الأهمية بالنسبة للدولة ككل فإننا لا نستطيع إيجاد حل لهذه المشكلة مالم يكن هذا الحل مرتبطاً إرتباطاً وثيقاً بالتخطيط القومى وفى نفس الوقت بالسياسة العامة للإنشاء والبناء والتى تشمل المصانع والمداردس والمستشفيات .. ثم دور الأوبرا والمسارح ودور الملاهى والمعارض وخطة الإسكان نفسها لا تخضع فقط إلى عدد الوحدات السكنية اللازمة بل إلى الإمكانيات المالية للدولة .

والمشكلة عامة تنقسم إلى قسمين : القسم الأول : الإسكان الريفى وهو الذى يشمل الغالبية العظمى للإسكان ، وهذه المشكلة لن تحل إلا عن طريق التخطيط الإقليمى للريف الذى يهدف أولاً إلى تغيير الكيان الزراعى وعلى أساس ذلك توضع خطة الإسكان للريف ، وقد سبق لى أن عالجت هذه المشكلة فى مقال سابق .

القسم الثانى : الإسكان فى المدن وهذا يشمل الإسكان الشعبى والتعاونى ثم الخاص ، والإسكان الشعبى الذى يخص الغالبية العظمى من سكان المدن يتطلب منا إعادة النظر فى طرق الإنشاء المعمول بها حالياً حتى تنخفض تكاليف الوحدة السكنية إلى ادنى حد ممكن ، ولذا يجب أن يصحب خطة الإسكان رسم سياسة عامة لصناعة البناء وتكوين منشآت كبيرة لإنتاج الوحدات المستعملة ، فى عمليات البناء من أبواب ونوافذ وأدوات وتركيبات أو إنتاج الوحدات الخرسانية المستعملة فى الأسقف أو فى الحوائط وكل ذلك يستدعى طرقاً خاصة للبناء مما يساعد كثيراً على الهبوط بمستوى التكاليف فى الإنشاء ويوفر كثيراً من الوقت .

 أما الإسكان التعاونى بأنواعه والذى يشمل الطبقة المتوسطة من الشعب فيجب أن يبنى على الأساس الإشتراكى الديمقراطى للدولة حتى لا تتكرر الأخطاء التى ظهرت من قبل فى هذا القطاع سواء كان ذلك من ناحية الإستغلال الفردى أم فى التجمع المهنى، ، فالإسكان التعاونى يجب أن يبدأ بالوحدات السكنية الصغيرة لمحدودى الدخل فى العمارات التعاونية ويتبع ذلك الإسكان الفردى فى الوحدات السكنية الكبيرة فى المرحلة التالية من التخطيط العام للإسكان ، ومن الطبيعى أن الاسكان التعاونى يعتمد إعتماداً كبيراً على القروض المقدمة من البنوك المختلفة – ولذا يجب إعطاء الأولوية لمن يدفع التكاليف الكلية للوحدة السكنية ويتبع ذلك المساهمون بالأقساط الشهرية أو السنوية حسبما تتطليه الظروف ، فإن هذا سوف يساعد على إستمرار الجمعيات التعاونية فى العمل والبناء أطول مدة ممكنة – بل ويجب أن تتابع عملها فى الصيانة والبيع والتأجير مادامت مبانيها قائمة .
ولما كانت التكاليف – سواء فى حالة الإسكان الشعبى أو التعاونى – تبنى على اساس الوحدة السكنية فيجب أن تبنى هذه الوحدة على اصغر نطاق لها ، ولن يتحدد إلا بعد رسم الحد الادنى لمستلزمات المعيشة بالنسبة للفرد والأسرة داخل حدود الوحدة السكنية وطريق ذلك هو الدراسة والبحث ثم الدعاية والإرشاد .

ومصادر التمويل للإسكان الشعبى أو التعاونى إما أن تستمد من القطاع الحكومى أو عن طريق البنوك والمؤسسات الكبرى التى تساعد فى عملية الإسكان أو عن طريق قرض وطنى للإسكان .

 أما الإسكان الخاص فيجب أن يأتى فى المرحلة الثالثة بعد الإسكان الشعبى والتعاونى ، كما يجب أن يقتصر فى مراحله الأولى على ملىء الفراغات الموجودة من المناطق المبنية سواء فى وسط المدن أو فى المناطق الهامة منها والتى تتمتع بمختلف الخدمات العامة ، وفى هذه الحالة يجب أن يسمح بالبناء فيها طفرة واحدة دون تجزئة ، ولذا يجب أن يسير الإسكان الخاص فى أضيق نطاق فى مراحله الأولى حتى يترك متسعاً للإسكان الشعبى والتعاونى ليركز مكانته ، كما يجب تشجيع الإستثمار الجماعى ليحل محل الإستثمار الفردى فى بناء المساكن بعد الحد من تقسيم الأراضى إلى ملكيات صغيرة وهكذا يمر الإسكان الخاص فى فترة إنتقال معينة نراجع بعدها خطة الإسكان العام للدولة .
أما موضوع الإيجارات فمتوقف على عامل العرض والطلب فالإسكان التعاونى والشعبى من جهة سوف يساعد تلقائياً على خفض القيمة الإيجارية للمساكن ، أما تحديد الإيجارات – كعلاج موضعى – فيجب أن يبنى على اساس المستخلصات المقدمة من المقاولين وليس على التقديرات التقريبية المقدمة للجنة الهدم والبناء ، والتى يجب ان يوضع حد لأعمالها تاركة المجال للهيئة العامة للإسكان .

وخطة الإسكان يجب أن يسبقها تخطيط عام للمدن لتحديد مناطقها السكنية بكثافاتها المختلفة ، ليس على اساس الاعتبارات الدولية ولكن على أساس مستوى المعيشة بالنسبة للسكان فى الإقليم المصرى ، ونحدد بعد ذلك نسبة الوحدات السكنية وأحجامها على اساس نسب التكوينات الجماعية للسكان ، أما بالنسبة للتخطيط العام للمدن فيجب الإتجاه فيها إلى اللامركزية وذلك بإنشاء مناطق سكنية كبيرة أو مدن صغيرة مكتفية ذاتياً من ناحية عمل السكان وخدماتهم العامة وذلك لتخفيف الضغط على المدن الكبيرة ، وفى هذه الحال يكون توزيع المصانع على أساس إنشاء المدن ” العالـة ” – أى التى تبنى عالة على غيرها – دون إعتبار لعمل سكانها فى حدود نطاقها – مثل مدينة
” نصر ” بالقاهرة – فالتخطيط يجب أن يبنى على اسس تكامل العناصر الثلاثة المكونة له وهى : العمل – الناس – المكان ، فى المدينة ذات الإكتفاء الذاتى .

 ولما كانت مشكلة الإسكان مشكلة عامة تشمل المدن كما تشمل القرى ، فلن تنجح خطة الإسكان مالم تكن مبنية على اساس التكامل التام بين خطط الإسكان فى كل المدن والقرى وسوف يساعد ذلك على الحد من تضخم المدينة على حساب القرية التى تفتقر إلى ما لدى المدينة من خدمات عامة وتنظيم ، وهذا هو الأساس العميق للمشكلة .

word
pdf