الاتجاهات العامة في تخطيط القاهـرة

الاتجاهات العامة في تخطيط القاهـرة2019-12-17T08:49:22+00:00

الاتجاهات العامة في تخطيط القاهـرة

 دكتور عبد الباقي إبراهيم

مدرس التخطيط بكلية الهندسة  جامعة عين شمس  

في أكتوبر 1960

لا تزال القاهرة تعاني في تخطيطها مشاكل عديدة. وموضوع التخطيط العام للقاهرة لا يمكن إيجازه في مقال أو في عدة مقالات فهو موضوع متشعب الأطراف متسع الجنبات، ومع ذلك فالتخطيط العام لأي مدينة يهدف في النهاية إلى غرض واحد هو تخصيص استعمال الأرض في المناطق المختلفة. ويرسم الخطوط العريضة لحياة المدينة في المستقبل. ومن ثم ينتقل التخطيط إلى مراحل الدراسات التفصيلية والواقعية. وقد وضع للقاهرة منذ خمس سنوات تخطيط عام تسير عليه مدة نصف القرن القادم. ومع أن نتائج هذا التخطيط لم تنتقل بعد إلى حيز التشريع والتطبيق فلا أقل من أن تكون له هيئة تباشر نموه وترعى تطوره وتراجع دراسته كل خمس سنوات.

والمدينة الكبيرة كغيرها من مدن الإقليم لا تزال تمتد في تؤدة تبتلع من الأرض الخضراء ما نحن أحوج إلى كل شبر منها. والقاهرة بطبيعتها لا تزال تزحف في اتجاه الشمال تماماً كما زحفت من الفسطاط إلى قاهرة المعز ثم عبر الأسوار لتحيل الأرض المنبسطة السهلة إلى طرق وعمارات. ولم نكن أحوج إلى كل شبر من الأراضي الزراعية في السنين الماضية بقدر احتياجنا إليها اليوم فلابد إذا من كبح جماح المدينة الكبيرة وتوجيهها في الطريق القويم قبل أن يفلت منا الزمام.

ونحن إذا ارتفعنا إلى سماء القاهرة لنلقى عليها نظرة عامة وجدنا المصانع وما يتبعها من منشآت وقد غطت جزءاً كبيراً من الأراضي الزراعية الدسمة في شمال العاصمة وفي غربها بينما الصحراء المجدبة في الجنوب من المدينة لا تزال كما هي فضاء مجدبة عطشى إلى المصانع والمساكن خاصة وقد توافرت لديها المواصلات السهلة سواء أكان ذلك عن طريق النهر الخالد في الغرب أو عن طريق الخط الحديدي الممتد في الشرق منها عند سفح المقطم. ذلك بالإضافة إلى وفرة الأيدي العاملة بالقرب منها في أحياء القاهرة الجنوبية. أما الرياح الشمالية فلن تحمل دخان المصانع بعد ذلك إلى السكان بل إلى الصحراء.

وفي الطرف الشرقي من الصورة نلاحظ ظاهرة فريدة قلما وجدت في غير القاهرة من مدن. وإن كانت هذه الظاهرة هي نفسها مدن سكانها من الموتى وخدمها من الأحياء تنتشر في ضوء نهارها صيحات الحق والصلوات وفي ظلام ليلها صيحات الاستغاثة والجريمة وتحتل هذه المدن مساحات شاسعة من الأرض في شمال قلعة صلاح الدين وفي جنوبها. والمدافن بالنسبة للكيان العام لمدينة القاهرة تكون الحاجز المانع لامتداد المدينة إلى الشرق ثم إلى سفح المقطم. والمشكلة هنا ليست تخطيط بقدر ما هي مشكلة اجتماعية ودينية وهي تستدعي إعادة النظر في نظم المدفن وتقاليده والساحات المخصصة له. ثم هي بعد ذلك يمكن أن تكون أكثر من رئة بالنسبة للمدينة المزدحمة إذا ما أعيد تخطيطها بالنظام الذي يجعل منها مرتعاً للأشجار والخضرة والزهور كما هو الحال في كثير من مدن العالم.

وفي وسط الصورة نجد وسط المدينة هائماً على وجهه لا يدري أين يستقر ففي يوم من الأيام كان قد استقر في مابين ميدان أحمد ماهر والموسكي ثم أخذ يزحف حتى أحاط بميدان العتبة ثم عبر حديقة الأزبكية ليوزع نفسه بين شوارع الجمهورية وقصر النيل وطلعت حرب ( سليمان باشا) وها هو اليوم يكاد يحيط بميدان التحرير ويمد بصره بعد ذلك إلى النيل. فظهرت مباني الجامعة العربية وبلدية القاهرة ومقر المحافظة بجوار المتحف العريق تحتضن بينها مبنى فندق النيل ( هيلتون ) الرشيق ويليها عن بعد دار الإذاعة الجديدة وتظهر في الأفق بعد ذلك مباني الأوبرا ودار الكتب والمتاحف كل منها كان يبحث عن موقع يستقر فيه. وتتطلع أنظار الخبراء مرة أخرى إلى النيل. وهكذا يصبح النيل العمود الفقري لتجمعات المباني العامة لتمتد على شاطئه الشرقي من القصر العيني حتى كوبري بولاق بما في ذلك منطقة ماسبيرو والتي يجب أن تفسح صدرها لتضم مركز القاهرة الثقافي الكبير المكون من دار الأوبرا ودار الكتب والمتاحف وما قد يلحق ذلك من فنادق ومحطة نهائية لخطوط الطيران. فهي من جهة تطل على النيل الخالد ومن الجهة الأخرى يحدها شارع رمسيس. وبعد ذلك يستطيع سكان هذا الحي أن يروا النور في المساكن الشعبية الجديدة. ويلي هذه المنطقة في الاتجاه الموازي لها من الشمال إلى الجنوب في الشرق من شارع رمسيس منطقة الشركات والمكاتب والبنوك بما في ذلك منطقة معروف حتى شارع سليمان باشا ثم تليها في نفس الاتجاه المنطقة التجارية لوسط المدينة.

وفي الأجزاء الأخرى من الصورة نجد المناطق والأحياء السكنية وقد اختلط منها الحابل بالنابل واندمجت المتاجر بالمساكن واختلطت المساكن بمباني الخدمات العامة. وهنا تظهر الحاجة ملحة إلى مبدأ التخصيص. وفصل المناطق السكنية عن التجارية وتكوين مراكز عامة للنشاط التجاري والثقافي والإداري تتوسط أحياء القاهرة المختلفة.

والتخطيط الحديث للمناطق ذات الاستعمال الخاص يهدف إلى إحاطة كل منها بطريق دائري يغذي أجزائها المختلفة بواسطة طرق وشوارع فرعية بحيث لا تدع فرصة لأن يعبر المنطقة من ليس له فيها حاجة. وعلى هذا الأساس نستطيع أن نجد أسلم الحلول لمعالجة مشاكل المرور في المدينة المزدحمة.

وعلى ذكر هذه المشكلة يجب أن نشيد بأهمية التخطيط الشريطي بالنسبة للقاهرة التي تمتد في اتجاهي الشمال والجنوب عن التخطيط الدائري بالنسبة لشبكة المواصلات فيها. ومن هنا تظهر الحاجة ماسة إلى إيجاد شريان آخر للمواصلات السريعة موازياً لذلك الذي يتكون من شارعي رمسيس والخليفة المأمون والذي يصل شمال القاهرة بجنوبها. والشريان الآخر يجب أن يصل منطقة مصر الجديدة بجنوب مدينة نصر ليسير في الشرق من القاهرة متجهاً إلى الجنوب رابطا أجزائها المختلفة ويفصل بوسط المدينة عن طريق شارع الأزهر وميدان العتبة.

وإذا كانت القاهرة في حاجة إلى شيء فهي في أشد الحاجة إلى التخطيط العام الذي يوجه تطورها ويحركه كل خمس سنوات في نصف القرن القادم. ثم إلى التشريع الذي يضمن هذا التخطيط ،،

word
pdf